اقامت القنصلية العراقية العامة في مونتريال مساء يوم الاحد 3/11/2013 امسيتها الثقافية السابعة في بيت العراق (دار سكن القنصل العام) تحت عنوان "النهضة العربية الحديثة : التأسيس ـــ والحاجة الى نهضة عربية جديدة" وكان المحاضر الاستاذ الدكتور سامي عون استاذ العلوم السياسية في جامعة شيربروك الكندية في مقاطعة كيبيك، ورئيس مركز دراسات الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.
قام القنصل العام السيد جاسم نعمة مصاول بتقديم الدكتور سامي عون الى الجمهور الحاضر، بكلمة اشار فيها الى أن القاهرة خلفت بغداد مباشرة بعد سقوطها عام 1258م، وبذا انتقلت المنارة (المركز) الى مصر. فرغم وجود فاس وبجاية وقرطبة في تلك الفترة، الا ان العيون تحولت الى القاهرة، وظلت بالفعل حاضرة الشرق كله، بل كان أشعاعها يمتد الى سائر العالم العربي والاسلامي كلما تهدمت وسقطت حواضره الاخرى. ولربما تمكنا، بسبب الموقع والمكانة الاستراتيجية لمصر، أن نفهم لماذا اهتم المسلمون الاوائل بفتح مصر متخذين منها قاعدة لفتوح أخرى، ولماذ جعلها المعز لدين الله الفاطمي مشروعه الرئيسي، أما الاوربيون فقد وضعوها على رأس القائمة، فسقوط مصر كان يعني لهم انفتاح المجال للتوغل والسيطرة على الشام والقدس والشرق كله.
وذكر القنصل العام في تقديمه أن عصر النهضة العربية الحديثة بدأ بدخول الفرنسيين مصر بقيادة نابليون سنة 1798 م. وكانت الحملة الفرنسية أول إحتكاك واسع ومباشر بين مصر والحضارة الاوربية بعد عزلة طويلة فرضها العثمانيون على مصر والبلاد العربية، في الحقيقة كانت الحملة هزة عنيفة حضر فيها الغرب بكامل ابهته وقوته مدعوماً بثمار النهضة والتنوير الاوربيين.
وتطرق السيد جاسم نعمة مصاول بالقول، أن العرب عملوا على إحياء الفكر القومي من باب إحياء الإسلام، ذلك أن العرب اعتبروا دائماً أن لهم الفضل الأكبر في الحضارة الإسلامية. ورأوا وجوب إحياء التراث العربي كمقدمة لمشروع النهضة العربية. وليس مصادفة أن أول مهمة للإحياء العربي كانت تهدف إلى إحياء اللغة العربية وآدابها. فلم يكن العرب يفكرون في أنهم يمتازون عنصرياً على غيرهم من الشعوب التي شاركتهم في الدين الإسلامي. لذلك نجد أن الفكر القومي العربي غالباً ما ركز على التراث اللغوي، وبالتالي على المرجع اللغوي الأساس والحاضن للثقافة العربية، أي القرآن الكريم.
ثم بدأ الاستاذ الدكتور سامي عون محاضرته بالحديث عن بدايات النهضة العربية عند دخول الفرنسي نابليون الى مصر عام 1798 ومرافقة 250 استاذ وعالم في الفيزياء والكيمياء والاثار لهذه الحملة العسكرية واتصالها بالمجمتع المصري، واكتشاف الحضارة المصرية العريقة، ومن هنا بدأ الاتصال الثقافي بين الحضارة الاوربية الحديثة والمجتمع العربي الذي كان تحت ظل السيطرة العثمانية التي كانت تعتبر فترة مليئة بالظلم والاستبداد والتخلف حينما كان المماليك يحكمون مصر.
وذكر بانه مازال هناك اختلاف على مصطلح النهضة بين المؤرخين، هل هي نهضة ام يقظة ام إحياء عربي ـــ اسلامي.
ثم اشار الدكتور سامي الى بداية حكم (محمد علي) في مصر سنة 1805 ، وهي البداية الفعلية للنهضة، ذلك أن (محمد علي) وهو ضابط عسكري الباني كان طموحا فأراد أن تكّون في مصر دولة قوية تقوم على أساس علمي في جميع شؤونها العسكرية والاقتصادية، لذا أقبل على إنشاء المدارس العسكرية ونحوها، كما أكثرَ من إرسال البعثات إلى الخارج، ومن هنا وصفت نهضة مصر بأنها نهضة علمية، لكنه ارتكب خطأً فادحا كونه كان يريد حكما عسكراتياً، اي حوَّل كل شيء الى خدمة العسكر وبدأت قوته العسكرية تتضاعف ودخل في حروب كان في غنى عنها، مما ادى الى اضعافه ودخول مصر في ازمات لاحقة شديدة، وخاصة في عهد اسماعيل الخديوي حيث اعلن افلاس مصر نتيجة غرقها في الديون بسبب طموحاتها العسكرية غير المتكافئة مع دول عظمى. وحول محمد علي باشا مصر الى قرية له ولعائلته، وهذا ماابتليت به الامة العربية لاحقاً من انظمة عسكرية، صحيح انها تجلب العلوم والمعرفة لكن لخدمة طموحاتها العسكرية فقط وليس لتطوير وتقدم الشعوب وبناء دول مدنية، وضرب مثالا عن الحكم التونسي السابق الذي طور تونس لكنه كان حكما بوليسيا قمعياً، وتركيا التي هي علمانية في الدستور لكن العسكر هو من يحكمها سابقاً.
واشار الدكتور عون الى ان هناك خطأ وتهويل وخوف بشأن مفهوم العلمانية، اذ تعني العلمانية برأيه هو القدرة على حكم التنوع والتعدد في المجتمع العربي ولاتعني بأي حال من الاحوال محاربة الدين.
ثم ذكر الدكتور سامي عون أن هناك ثلاث مبادىء أساسية خاصة بتطوير المجتمع العربي، تتمثل في :
بناء الدولة المدنية 2. المواطنة اي جعل المواطن العربي يشعر بالانتماء الوطني 3. الحرية وتعني حرية العقيدة والتفكير وانهاء التسلط والقمع الفكري وعدم فرض الاراء بالقوة، ومانحتاجه هو العقلانية والوسطية وبعيداً عن التطرف والمغالاة. وبدون تطبيق هذه المبادىء فلن يكون هناك تقدم وازدهار في العالم العربي واللحاق بالامم المتحضرة والمتمدنة، بل ستكون هناك انتكاسات متلاحقة تهدد المجتمعات العربية بالتقسيم وتكوين الدويلات.
وفي الختام قام القنصل العام السيد جاسم نعمة مصاول بتقديم شهادة شكر وتقدير الى الاستاذ الدكتور سامي عون لجهوده في نجاح الامسية الثقافية، وكذلك الى الصحفية عالية كريم مديرة موقع " معكم " الثقافي لنشرها النشاطات الثقافية العراقية في الموقع.
حضر الامسية حشد من المثقفين العراقيين والعرب المغتربين في مونتريال من شعراء وكتاب وفنانين تشكيليين واساتذة جامعات وصحفيين نساءً ورجالاً.