القتلُ الرّحيمُ بينَ المشروع والتّشريع!

2010-11-16

القتلُ //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/c3940355-c809-4168-b27b-76d4e458a4f4.jpeg الرّحيمُ موضوعٌ متشعّبُ الجوانبِ بزواياهُ الكثيرة، يُنظرُ إليهِ مِن عدّة اتّجاهاتٍ، تُحرّكُ فينا حسًّا خفيًّا باطنيًّا قد يثيرُ الرّعبَ في نفوسٍ كثيرة، وقد لا يُعيرُ انتباهًا عندَ البعضِ، إلاّ أنّهُ لا زالَ يُثيرُ جدلاً عنيفًا بين الأوساطِ الطّبّيّةِ والقانونيّةِ والأخلاقيّةِ والدّينيّة، لم تنتهِ آثارُهُ حتّى يومِنا، ولا زالَ يحتلُّ منبرًا وجدلاً في جميعِ الشّرائح البشريّةِ وفي أكثر مِن مستوى، وإن تعدّدتْ سبلُ الموتِ، إلاّ أنّ القتلَ الرّحيمَ كوسيلةٍ مغايرةٍ للقتل، وباشتراكِ عدّةِ فئاتٍ في القرارِ والتّنفيذ، لا زالتْ فكرتُهُ تهزُّ الأفئدةَ والكياناتِ البشريّةَ والشّعورَ المختلطَ المتخبّط، ولا شكّ أنّ المسألةَ بإشاكالاتِها المُثارةِ هي نسبيّةٌ، ما بين مجتمعٍ ومجتمع وما بين زمنٍ وزمن!

يقولُ العامّة عن مريض ما: "الله يخفّفها عليه"!

فما مفهومُ نيّةِ هذهِ الدّعوة مجازيًّا بلغةِ المجتمعِ والدّين؟

وما مفهومُ القتلِ الرّحيم مِنَ النّاحيةِ الاجتماعيّةِ والإنسانيّةِ والقانونيّةِ والدّينيّة؟

هل هذا فعلٌ إنسانيٌّ حقًّا مَردُّهُ الشّفقةَ وإلحاحَ المريض نفسه؟

هل يعاقب القاتلُ الرّحيمُ كمجرم؟

وما رأيُ الأديان السّماويّة به؟

وأين يقفُ هذا المفهومُ ما بين معارضيهِ ومؤيّديهِ؟

مِن أين أتتْ فكرتُهُ؟ هل هي فكرةٌ أخلاقيّةٌ وجائزة؟

ما الفرقُ بينَ أدويةٍ تقتلُ الألمَ وأدويةٍ تقتلُ المريض؟

وهل من قوانينَ دستوريّةٍ دوليّةٍ تبيحُهُ في بلادِها على أرضِ الواقع؟

مَن لديهِ صلاحيّاتُ تنفيذِهِ، ليكونَ ملاكَ الموتِ؟ وكيف؟ ما الفرقُ بينَهُ وبينَ الانتحار؟

القتلُ الرّحيمُ أو الأوتانازيا Euthanasia، كلمةٌ إغريقيّةُ الأصل وتتألّفُ مِن مقطعيْن: EU وتعني الحَسَن أو الطيّبَ أو الرّحيم أو الميسر، و THANASIA وتعني الموت أو القتل، فالأوتانازيا تعني لغويًّا الموتَ أو القتلّ الرّحيمَ أو الموتَ الحسَنَ أو الموتَ الميسر، بدافع الرّحمةِ والرأفة! وفي التّعبيرِ العلميّ المعاصر تعني؛ "تسهيل موتِ الشّخصِ المريض الميئوس مِن شفائِهِ، بناءً على طلبٍ مُلِحٍّ منهُ مقدّمٍ للطّبيب المعالج".

القتلُ الرّحيمُ مشروعٌ جريءٌ وِفقَ شروطٍ محدّدةٍ ودقيقةٍ، تهدفُ إلى وضعِ نهايةٍ لحياةِ فرد ما وبدون ألم، وذلك؛

إمّا بإرادتِهِ وتوقيعِهِ وموافقتِهِ في حالةِ وعيِهِ وتمتّعِهِ بملكاتِهِ العقليّةِ، أو من خلال وصيّةٍ مكتوبة، وتكونُ الحالةُ اختياريّةً إراديّة، بناءً على طلبٍ ملحٍّ مِن المريض الرّاغب في الموت!

أو بإرادةِ وموافقةِ وليِّ أمرِ المريض، في حالةِ غيبوبتِهِ المستديمة كحالةٍ لا إراديّةٍ، أو يكونُ فيها المريضُ إمّا غير عاقل، أو صبيًّا أو معتوهًا، وتتمّ بناءً على قرارٍ من الطبيب المُعالِج!

لكن ماذا عن مرضى يسيطرُ عليهم الاكتئابُ والخوفُ، ويوقّعونَ بخاطرِهم عن إماتتِهم، وقد يكونُ لديهم فرصُ النّجاةِ والشّفاء؟

في أيِّ الحالاتِ يمكنُ تنفيذُ القتل الرّحيم؟

في الشّيخوخةِ المُهانةِ، أو عندّ تأزّمِ الأمراضِ المستعصيةِ الميئووسِ مِن الشّفاءِ منها ومِن معاناتِها وأوجاعِها وآلامِها المبرحةِ التي لا يمكنُ تحمّلها؟

مَن المُنفّذ المُخوّلُ بتنفيذِ العمليّة؟ وكيف تتمُّ العمليّة؟

هناك القتل المباشر المتعمّدُ الفعَّال Euthanasia Directe : يتمّ بيدِ الطبيب، بإعطاءِ المريض جرعةً قاتلةً من دواءٍ كالمورفين أو الكورار أو مِن مشتقّاتِ السّيانيد!

هناك القتل غير المباشر، ويتمّ بإعطاءِ المريض جرعاتٍ مِن عقاقيرَ مُسكّنةٍ لتهدئةِ الآلام المبرحة، ومضاعفتها للسّيطرةِ على الآلام، وهو عملٌ يستحسنُهُ القائمونَ على العلاج الطّبّيّ، إذ مع مرورِ الوقتِ تؤدّي إلى إحباطِ التّنفّسِ وتراجع عملِ عضلة القلب، فتفضي إلى الموت!

وهناكَ القتلُ غيرُ الفعّال، ويتمّ برفضِ العلاج اللاّزم للمحافظةِ على الحياة، ويلحق به رفعُ أجهزة التّنفّس الاصطناعي لإنعاش المريض!

وهناكَ المساعدة على الانتحاااار، يقومُ بها المريضُ بنفسِه، بناءً على توجيهاتٍ طبّيّةٍ توفّرُ له المعلوماتِ والوسائل المساعدةِ على الموت.

في عُرفِ الشّرائع السّماويّة قاطبةً الموتُ الرّحيمُ تُحرّمُهُ تحريمًا مطلقا وتمنعُهُ، كفِعلِ جُرمٍ فيهِ تعَدٍّ على مشيئةِ الله، ولكن، بما أنَّ كلَّ شجرةٍ لا تثمرُ تُقطَعُ وتُلقى في النّار، وكلَّ حيوانٍ لا يُنتجُ يُقتلُ في عُرفِ الطّبِّ البيطريّ، وفي النّازيّةِ يُقتلُ معارضوها السّياسيّون، فإنّ هولندا أقدمتْ على هذه الخطوة وأباحتْها في نيسان إبريل عام 2002، وكذلك بلجيكا في أيلول سبتمبر عام 2002! وهناك أستراليا ونيوزيلندا وفرنسا ودول أخرى تطالب بإصدارِ القانون هذا اقتداءً بهولندا وبلجيكا.

ولكن، ما الذي يدفعُ الهيئةَ الطبّيّةَ المعالِجةَ أو المريضَ نفسَهُ أو مَن يتولّى أمرَهُ إلى تيسير موتِهِ؟ وهل للإنسان حقٌّ في التفريطِ بروحِهِ أو بأرواح أناسٍ استودعَها الله في خلقِهِ؟

هل القانونُ حالةٌ ثابتةٌ أم متغيّرةٌ بفِعلِ الزّمان والمكان؟

ما الذي أدّى إلى سنّ هذا القانون؟

هل بسبب الانفجار السّكّانيّ؟ بسبب عدم توفّرِ إمكانيّاتِ رعايةِ المرضى الميئوس مِن شفائِهم لفترةٍ طويلة؟ هل بسبب تفكّكِ الرّوابطِ الأسريّة؟ بسببِ الفقر وارتفاع نفقاتِ العلاج الطّبّيّ الباهظة؟ هل بسبب أمراض عضالٍ يُصابُ بها المرضى لا يُرجى شفاؤُها كالسّرطان والإيدز وغيرها؟ أم بسبب مصاحبةِ هذه الامراض بآلام شديدةٍ غير محتمَلة؟ هل كي لا يكون المريضُ عبئًا على ذويهِ؟ أم لتخفيفِ مصاريفِ وتكاليفِ المستشفيات وأثمان الأدوية؟ هل لتخفيفِ معاناةِ مَن يدخلون في غيبوبةٍ لا أملَ منها بتاتًا؟ أم بسبب انتشارِ فوضى الانتحار؟

هل جميعُ المجتمعاتُ تتساوى في تناولِ الموضوع هذا؟ أم أنّ لكلِّ مجتمعٍ ظروفُهُ، فيأتي القانونُ استجابةً مُلحّةً لواقع يفرضُ نفسَه؟

هل للحالاتِ الخاصّةِ وتطوّراتِها السّلبيّةِ ضرورةٌ في المجتمع تستوجبُ أحكامًا مثل هذا القانون؟ ولكن؛ ألا يحدثُ أحيانًا التفافٌ على القانون تحتَ غطاءِ القانون وأوراقِهِ الرّسميّةِ؟

هل هناك شروط وموادّ أساسيّة تحدّدُ إمكانيّاتِ القتل الرّحيم في حالاتِهِ الممكنة؟

وهل تبيّن واجباتِ الطّبيب المعالج وشروط قيامِهِ بالعملية؟

ومن الذي يُقرّر شروطَهُ وضرورتَهُ وكيف؟

وماذا عمّن يقعون في غيبوبةِ الموتِ الإكلينيكيّ والسّريريّ فرائسَ أسرّتِهم، يتنّفسون مِن خلال أجهزةِ تنفّسٍ ونبضٍ اصطناعيّ، كما هو الحالُ مع شارون منذ سنوات؟

هل إيقافُ إجهزة الإنعاش الاصطناعيّة ورفعِها عن مريض توقّفَ جذعُ مُخِّهِ عن العمل، هو إثمٌ قاتلٌ، أم هو عملٌ مشروعٌ؟

هل كلُّ نوعٍ مِن هذا القتل هو علنيُّ مصرّحٌ عنه، أم قد يكونُ مخفيًّا بسببِ حظْرِهِ دينيًّا وعقوبتِهِ قانونيّا؟

هل بينَ القانون الظاهر والاعتقادِ الخافي تكمن أمورٌ عديدة، فيها مصلحةُ الإنسان والتي تتطلبُ الحذرَ الشّديدَ والعقلَ السّديدَ، والجرأة والشجاعة في مساعدةِ المرضى، بطرقٍ ملتويةٍ بدافع الرأفة؟

وأخيرًا.. هل الإجهاضُ يدخلُ في إطارِ القتل الرّحيم؟ في جميع الحالات؟ أم بحالاتٍ محدّدة أيضًا؟

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved