هذه الصورة كانت محورا لأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية -يقول ليفنت- تعبيرا عن نموذج رجالي في المجتمعات المعاصرة. فعوض انتهاز فرصة انهيار الذكورة التقليدية لمراجعة المعايير السلوكية التي أجبر الذكور على تبنيها، والتي تم تعزيزها بفرض مشاعر العار عليهم، استجاب هؤلاء الرجال على نحو دفاعي معتبرين تهالك السلطة الرجالية عدوانا يستوجب التجنيد من أجل مواجهته بعنف.
والتعبير السياسي عن الدفاع عن الذكورة التقليدية تمثل بالحركات الرجالية المحافظة التي رفعت ذلك الدفاع شعارا رئيسيا لها. منها مثلا، حركة الأسطورية الشاعرية، المذكورة سابقا، التي اتكأت على نظريات فرويد ويونغ من أجل إثبات عمق التشكيل الذكوري في تكوين الرجل النفسي. وحيث إن بعض هؤلاء يعتقدون أن النسويات وحركة تحرر المرأة يقمن بسلب الذكورة من عمق ذوات الرجال، ليحرمنهم من الوصول إلى الأرختايب الأسطوري، الشرط الضروري لاختبار النمو واكتشاف الذات، (Levant, 2001).
ويدعو هؤلاء الأب إلى استعادة دوره في تربية ابنه الذكر على الذكورة الحقيقية؛ إذ إن إنشاء الذكورة يتم عبر حوادث مصغرة تخترق حياة الذكر الصغير تكرارا. والعلاقات الطبيعية بين الذكور وآبائهم هي التي تقولبهم نحو الرجولة. فالأب الغائب لا يمكن الاستعاضة عنه بالأم لأن المهمة المطروحة تفترض إحداث طلاق بين الذكر الصغير وكل ما تمثله الأم؛ وهذا يتم بتعلم الفرق بين استجابة الأم واستجابة الأب، (Ruby, 1998). فالهوية الذكرية تتشكل بالتبعية لمثال ذكري من الجماعة المرجعية، وعلى التمييز بين داخل- الجماعة وخارج- الجماعة، (Wade, 2001).
ويذهب بعضهم بعيدا بالدعوة إلى تنشئة الذكور بواسطة اب قاس يقوم بإنزال العقاب عليهم لتعليمهم التمييز بين الخطأ والصواب. فالعقاب هو الكلمة المفتاح للذكورة وهو الذي يجعلهم أقوياء قادرين على الدفاع عن ذواتهم في هذا العالم الخطر، (Ruby, 1998).
وبمواجهة دعوة الرجال للتحلي بسمات أنثوية، نجد هلعا لدى البعض من التخلي عما توصلت إليه الحكمة البشرية عبر السنين. هؤلاء يجدون أن ما ترسخ لدى الذكور في مسار النشوء والتطور، واستقر على ما هو عليه، إنما حدث بسبب ثبوت فعاليته في الصراع من أجل بقاء النوع. من هؤلاء شاكلتن، مثلا، الذي يرى في التعاطف الوجداني المجرد مع المجتمع ككل، لا مع أفراده، مَلَكة إنسانية ثمينة، فلا ينبغي التخلي عنها لصالح التعاطف الوجداني النسائي. هذا الأخير مهمة سهلة. أما تعلم التعاطف الوجداني المجتمعي -التعاطف المجرد المتمثل بالواجب والتضحية تجاه العائلة والوطن، واحترام القانون والعقود المبرمة إلخ فهو المهمة الصعبة والتي لا تقوم للمجتمعات قائمة بدونها، (Sahkelton, 2002).
صفحة (59-60)
التعصب الجنسي Sexism
ما هو؟
يعرف التعصب الجنسي بأنه ضرب من التعصب Prejudice يتمثل في اتخاذ مواقف سلبية حيال النساء كجماعة، وحيال أدوارهن الاجتماعية والسمات الشخصية التي يتعين عليهن التحلي بها. ويتجلى هذا التعصب في المجتمعات البطريركية بطرق عنيفة، أو أخرى رهيفة، في الوقت نفسه، وتتغير مظهاره بحسب الزمان والمكان. ومن مظاهره في البلدان الصناعية، مثلا، القيود والحواجز غير المرئية التي تقف عائقا أمام النساء في سبيل وصولهن إلى مواقع القرار في مؤسسات المجتمع؛ وذلك، لا لعلة فيهن تتم إثبات وجودها، بل لأنهن "نساء"، وتبعا لتنميط شائع بشأن "طبيعتهن"، تم الاحتكام إليه ونفذ، بموجبه، استبعادهن عن تلك المواقع. هذا فضلا عن التحرش الجنسي الذي يتعرضن له في أماكن العمل والعنف الأسري على أشكاله.
ففي حين تراجعت في هذه المجتمعات المظاهر الفجة للتعصب ضد النساء، إلا أنها لا تزال ماثلة في ضروب من السلوكات الرهيفة تنطوي على تمييز وعدوانية مصغرتين، لا يستطع المرء التأكد من كونها إشارة إلى حساسية مبالغ فيها من قبل المتلقية- موضوع التعصب، أم أنها عدوانية "غير واعية" من قبل مصدر الإشارة. وتقدم "بايكر" أمثلة على ذلك، من النكات والتعليقات، أو حتى في واقعة افتراض أن العاملة في فريق الباحثين، مثلا، هي من يحضر القهوة لزملائها لأن ذلك من "طبيعة" مهامها، (Baker, 2001).
أما في مجتمعاتنا العربية، فإن مظاهر التعصب الجنسي أكثر فجاجة. من هذه المظاهر، مثلا، إطلاق الصفات المحقّرة لقدرات النساء العقلية والأخلاقية المبثوثة في المعتقدات والأمثلة الشائعة، وفي وجوب السلوك الذي يتعين على الرجال، وأولياء الأمر عليها، أن يتبنوه لدرء نقصانها في هذين المجالين. ويشتمل ذلك على تقييد حرية حركة النساء، ومراقبتهن وفرض أشكال لباسهن، واحتكار اتخاذ القرار في أكثر ما يتعلق بشؤونهن. بل، أيضا، في القواعد المتضمنة في وجوب حماية المرأة وإعالتها و"سترها". هذه جميعا تسوّغ لموقع المرأة الدوني في السلم الاجتماعي وفي المكانة الاقتصادية والمواقع السياسية ومناحي الحياة جميعا، وتعمل على إعادة إنتاجه. لكنها تسوّغ، وبشكل خاص، للتمييز اللاحق بها في القوانين التي تنظم الحياة الأسرية والعامة سواء بسواء.
صفحة (180-181)