سبائك الإستعمار والإرهاب والنخاسة
استعرضتُ في الحلقة الأولى من هذه السلسلة سبائك ثمينة ومفيدة من الذهب والفضة التي تفرز البهجة والفن والجمال والنفاسة.
وعلى الضدّ منها تماماً، هناك سبائك الإستعمار والإرهاب والنخاسة؛ المركّبة من انصهار " ترويكا " الشر: النخب الغربية الصهيوامبريالية، وإسرائيل، وشذاذ الآفاق من طغم العمالة والخيانة الأراذل من الحكام وأذنابهم والموالين لهم الذين يُقَوِّدُون على شعوبهم وأوطانهم، يَسْتَطِيْبُون طريق الذلّ والهوان في جِيَف أجهزة المخابرات الاستعمارية، وخاصة العسكرية منها التي تمثل الذراع الأيمن لحكومة العالم الخفية.
وقد نصَّبَت هذه السبائك نفسها آلهة للأرض، وكبير آلهتها: حلف الأطلسي والدولار؛ من دون الرحمن تُعْبَد.
وتتكون هذه السبائك من عصابات مافيوية من عُتاة المجرمين المُعَتَّقِين المتوحشين من القراصنة واللصوص الذين يديرون مكائن وأنظمة رهيبة من المؤامرات والكذب والنفاق والاحتيال... بلا نهاية: فهذه من أهم ركائز النخب الغربية، فهي الطُرُق والجسور والأنفاق... التي تمرّ عليها مؤامراتهم لتحقيق أهدافهم اللاشرعية واللاأخلاقية ومصالحهم الاقتصادية والجيوستراتيجية من خلال إبادة الناس، وتدمير البيئة، وتخريب العمار، وسرقة الممتلكات الثقافية للشعوب، ونهب مواردها الطبيعية وقوة عملها البشري باستخدام مهارات احترافية إجرامية.
وقد أفرزت هذه السبائك، ولا تزال، لوناً وطيفاً واحداً أسوداً قاتماً من عار الاضطهاد والظلم والاستبداد المُنْفَلِت.
وهذه السبائك المسبوكة سبكاً والذائبُ بعضها ببعض دمْجاً عضوياً، وليس غيرها أبدا، هي السبب الوحيد والأوحد والمُطْلق للتخلف والتبعية والاستغلال والفساد والجمود والتدهور وإشاعة الفوضى والفشل في مجتمعاتنا، ومنعها من التطور.
فمن هذه السبائك الشيطانية تتم صياغة دول الاستبداد والفساد الشامل التي تَحْكُم بالسيف والذهب؛ والإستماتة لفرض الهيمنة الشاملة للنموذج الثقافي الغربي على العالم. اما الشعوب والأوطان فمجرّد بضائع للتجارة والاستهلاك وتحقيق الأرباح الخيالية. ويجري التحكُّم بمصيرها وبمستقبلها بتجديد أساليب مواصلة تكريس تخلفها وانحطاطها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومنعها بكل السبل والطرق من حقها الطبيعي والشرعي والأخلاقي في تولي السلطة الحقيقية في بلادها؛ بل الابقاء عليهم، في حالة من الإحباط والحيرة والضياع المُزمن: مغسولي الدماغ، مخدّري الوعي، مسلوبي الارادة، تابعين ومُسْتَغَلِّين... معدومي السعادة... وبلدانهم الغنية في كل شيء في تراجع وتردِّي متواصل في واحة البلاء: الفقر الشديد وسط الثراء المديد. وذلك على الضد من إنسانية الإنسان، إذ تتركّز الثروة بيد قِلَّة من الأغنياء على خلفية آلاف الملايين من الفقراء الذين لايملكون شيئاً.
وبقوّة وفعل حكومة العالم الخفيّة يتساكن الانسان على الأرض في وهْم افتراضي، لكنه حقيقي، وبالتوازي: أنَّ مفاتيح الحياة تحركها مافيات خفيّة، واننا نعيش هذه المؤامرة: في حالة من الاستعباد مدفوع الثمن من الدم والثقافة والزمن، ومن النزر البسيط مما تبقى من حقوق الانسان في الحياة والحرية والكرامة والعمل والتعليم والصحة والتنمية والرفاه التي تراكمت قطرة قطرة عبر سيول الدماء التي ساحت في تاريخ المواجهة وصراع الإرادات بين الشعوب والحكام الظَلَمَة.
حتى اننا نجلس في دورنا ونتصور اننا احرارا؛ ونسير في الشوارع ونركب وسائل النقل ونظن اننا أحرارا؛ ونستخدم الهواتف المنزلية والنقّالة والبريد الالكتروني والانترنيت ونتصور اننا أحرارا ومستقلون في خياراتنا..... أما الحقيقة فهي ان آلهة الأرض حَشَرَت المجتمعات وأَسَرَتْها بدون قيود ولا أصفاد في سجون فولاذية مبتكرة: تماماً كالطيور المطلوقة في أقفاص كبيرة تطير داخلها وهي غافلة تتغنّى بفَرحَة حريتها!
وتفضح بعض ذلك المخططات الأمريكية والغربية التي شاعت منذ عام 1990 ، ومنها ماجاء في خطاب للرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عن هيمنة " النظام العالمي الجديد "؛ وظهور كتاب بريجينسكي " رقعة الشطرنج الكبرى " وكتاب فوكوياما " نهاية التاريخ " وكتاب هنتنغتون " صراع الحضارات "، وسطوة صقور المحافظين الجدد؛ إضافة الى المصادر الأكاديمية، ومذكّرات الساسة، والوثائق السرية التاريخية التي يُفرج عنها بين حين وآخر، وما نشره موقع " ويكيليكس " مؤخراً من أسرار التآمر الغربي على الشعوب....
ومنذ مطلع تسعينات القرن الماضي تُجَدِّد آلهة الأرض صناعة القواعد القديمة للقرصنة الاستعمارية: الغزو، المحق، النهب والارهاب، باستخدام أسلحة إبادة ودمار شامل، مُستَهْدِفة أساسا عالم العرب والمسلمين بتنفيذ مؤامرة تفتيت المُفَتَّت: بلداناً وشعوباً وثقافةً، بدءً بمحق الصومال وافغانستان والعراق وليبيا وسورية والقائمة مفتوحة.... بضرب المسلمين ببعضهم بإسم: الله أكبر! . مما يضاعف الهوّة الشاملة بين التطوّر والرفاه المتواصل للغرب وبين التراجُع المستمر للمستعمرات.
أما ردود أفعال المظلومين، فلا تزال بعيدة عن إزالة التخلف والتبعية والاستغلال . إذ تتوزّع بين اضرابات واحتجاجات وانتفاضات لم تفرز تحريراً بعد؛ وبين اجتهادات المقالات والمقالات المضادّة والنظريات والنظريات الأخرى، ومضغ مشاكل غارقة في تفاصيل متنوعة الأهمية والحجم من هنا وهناك في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية التي تنشر بعض أعراض المرض ولا تعالج هذه السبائك. إضافة الى انها تبقى في دائرة: فَرِّق تَسُد التي أحكَمَت آلهة الأرض تخطيطها . بينما المطلوب هو تسليط جميع الأضواء عليها وايجاد وتقديم الحلول الواقعية والعملية لإذابتها وتفكيكها، مهما تطلَّب ذلك من وقت وجهد وصبر. والا فان نضال أجيال الوطنيين وجهود نُخَب المجتهدين المُفَعِّلَة لقوى المجتمع تبقى بلا نتيجة لأنها بمثابة الطاقة المهدورة والمفقودة التي لم تُوَجِّه بوصلتها ومُحصِّلتها نحو المرض المزمن والخطير: نحو سبائك الاستعمار والارهاب والنخاسة.