مايدفعني للكتابة عن ما بناه الانسان من حضارة في هذه البلدان هو ايصال رسالة الى بلداننا للرقي والوصول الى تلك المستويات السياسية في البلدان الغربية، والتي تحاول ان تبني مدنيتها وحضارتها بشكل يجعل من رجال السياسة في هذه البلدان رجال اعمار وبناء وليسوا رجال خطابات وشعارات جوفاء , ومع ان البلدان العربية تحوي الكثير من رجال السياسة الفطاحل ورجال البناء والكتاب والعباقرة ذوي الخامات العالية التخصص الا انهم لم يوظفوا تلك الامكانيات من اجل رفع وتيرة البناء الحضاري الانساني ومن ضمنها البناء المادي, وقطاع السجون في السويد هو من القطاعات التي شملتها يد الاعمار والبناء والتطوير في هذه البلدان .
دولة السويد لاتعتبر في ادبياتها ابدا ان السجين هو انسان مجرم وخطير , ولهذا فقد تعاملت مع هذا السجين على انه ارتكب خطأ ما بسبب ما أو لسبب ما, وانصبت جهود الدولة في هذا الموضوع في تطوير هذا الجهاز الاصلاحي المتكامل وخاصة المكان المريح الذي من المفروض ان يستقبل مواطنا من هذا الوطن فيلقى العناية والرعاية الكاملة ويخرج بعدها وهو احسن حالا , وهذه السجون التي طورتها الاتجاهات العلمية والمختصة بعلم النفس استحدثت انموذجا خاصا من السجون والتي تسمى نظام السجن الليلي حيث يخرج السجين من سجنه صباحا ويعود اليه مساء , ويتقاضى راتبا شهريا , اضافة الى ان غرفة السجن تحتوي كل وسائل الراحة والرفاهية, وتعامل رجال الشرطة المشرفين على السجون هو تعامل الممرض المحترف مع مريضه , وهي طريقة في التعامل تحول فترة السجن الى نوع من انواع الراحة والاستجمام والتريض وفترة لمحاسبة الذات بهدوء .
ويعود الفضل في هذا التعامل الانساني الفريد من نوعه قياسا الى السجون (المحترمة جدا) في بلداننا العربية بسبب ان اعداد الجرائم في السويد تكاد ان تكون معدومة فقد عم الامان في ارجاء المملكة وربما نسيت الام قفازاتها بجانب جدار , فانها تعود لتجدهم في نفس المكان بعد يومين او ثلاثة لم يلمسهم احد , والسبب الرئيس لهذا الجو العام من الامن وخلو البلاد من حالات الاجرام هو حالة القناعة التي تربى عليها الجميع , فليس في هذه البلاد فقيرا, ومن يصل من المواطنين الى حالة الفقر فانه يتوجه الى الادارة الاجتماعية للبلدية التي يقيم فيها وهناك يدرس موظف او موظفة حالته المادية واسبابها من اجل معالجتها ومنحه مرتبا شهريا يتخطى به عتبة ان ينزل الانسان الى مرحلة الفقر .
وتنعدم في هذه البلاد الامراض النفسية والسادية الشاذة لرجال الامن في البلدان العربية والذين يعتبروا السجين مصدرا من مصادر الربح ومشروعا استثماريا ينفذ فيه كل اعمال السلب والنهب والسرقة ويضاف اليها فضلا عن سجنه ووضعه في ظروف حياتية تنعدم فيها الشروط الانسانية العقوبات التأديبية والتي تعبر وبشكل واضح عن سادية رجال الامن الذين يتباهون في مجتمعاتهم انهم طوعوا السجناء وحولوهم الى صراصير بشرية , وكأن غاية السجن هو اذلال الانسان لااصلاحه.
وتتميز السجون العربية وخاصة منها السجون الامنية , بسمعة رهيبة وسيئة للغاية في بلدان علقت حقوق المواطن بعد ان وضعها حكام البلدان العربية في جيبهم المثقوب , وصار المواطن يُجر من رجال الامن امام الناس وتحت سمع وعيني زوجته واولاده , لالجرم ارتكبه وانما لمجرد انتقاد لفظي لحاكم او لمجرد وشاية , ويجر هذا المواطن امام تعلق ابنائه الصغار به وامام توسل زوجته برجال الامن الذين اسودت قلوبهم وتحولوا الى مجرد ذئآب بشرية تنتظر الاوامر بالانقاض على اي فريسة جديدة , ثم يرمى هذا المواطن والذي استقدم لالجرم ارتكبه , ويلقى في صندوق السيارة بعد تكبيل يديه ورجليه واغلاق فمه وعينيه , ويتناوب خلال الطريق رجال الامن بضرب المقبوض عليه ورفسه والتسلي باهانته باقسى انواع السباب والشتائم , وسعيد جدا من كان فرع الامن قريبا الى بيته , ولدى وصوله الى فروع الامن فان مجموعة متخصصة تقوم بجره الى غرفة التحقيق والتي يسمع منها اصوات تعذيب المواطنين تصل الى مئآت الامتار وهناك في اقبية التحقيق تنتهك فيها بشريته وتداس كرامته ويجر من غرفة التحقيق باللون الاحمر لكثرة الدماء التي تسيل منه , ثم يلقى في زنزانة صغيرة عارية الا من جدران الاسمنت وباب الحديد الاسود والذي ماان يغلق عليه حتى تظلم الزنزانة فيدخل السجين في ظلمات بعضها فوق بعض , ويحرم من الطعام الا من وجبة واحدة لاتكاد تقيم اوده وقد خلت من كل مقومات الحياة وذلك من اجل اجبار السجين على عدم الخروج الى دورات المياه والتي وان دخلها فان رجال الامن تتبعه بالهراوات والعصي ذهابا وايابا مع اعطائه فرصة دقيقتين فقط لاتكفيه للاستعداد والتهيئة لاخراج الفضلات اليابسة التي تجمعت خلال ايام في جوفه , ولم ادر او اعلم السبب الكبير وراء تعجل السجانين كل هذه العجلة , وتدوم فترات الاعتقال وبدون محاكمة لسنوات لايعلم فيها الاهل اين ابنائهم , في الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الاعلام عن العدالة المنقطعة النظير في هذه البلدان العربية , وتتحدث عن الرفاهية التي اختصت بها هذه الشعوب , وترتفع اكف خطباء المساجد بالدعاء لحاكم هذه البلاد بالنصر والتأييد والعمر المديد , وتتناقل وسائل الاعلام المحلية اخبار مديح النظام من خلال تصريحات فردية لجريدة في الدول الاوروبية لايقرأها احد او لزعيم سياسي زار البلدان العربية ضيفا فامتدحها بكلمة او كلمتين .
السجون التي نعرفها ونخاف منها اصبحت في مملكة السويد من التاريخ البعيد , بعد ان تساوى الحاكم والمحكوم ,وبعد ان اصبحت السلطة يتداولها رجال السياسة وفقا لبرامج انتخابية يكون فيها الشعب هو الحاكم والحكم، ووفقا لقواعد الشفافية المطلقة التي تحكم هذه البلدان، ومع قناعتنا ان هذه الدول لاتخل من العنصرية ضد العرب والمسلمين ولكنها دول جعلت من المواطن سيدا يمشي في بلاده، في الوقت الذي تحولت فيه الحكومات العربية والتي تسمى حكومات وطنية الى مجرد اقطاعيات ووظائف تباع وتشرى وتحول فيه المواطن من مواطن في دولة محتلة من دول استعمارية، الى مواطن في دول امتلكها الحاكم وتحول فيها المواطن الى مجرد عبد يتعبد بمديح الحاكم والويل كل الويل لمن يخرج ولو في احلامه عن التعبد بهذه الانظمة وشعاراتها، فيكفي ان تحفظ فكر القادة في تلك البلدان لتتسلق اعى المناصب، وكلما ارتفع اللين الثوري كلما ارتفع المواطن في تلك البلدان على سلم المجد في تلك الدول والتي لاتخضع التصنيفات فيها للعلم وانما للحجم الهائل الذي يحمله المواطن من شعارات ومن عبادة للحاكم العربي السعيد باستعباده لهذه الشعوب.
ولقد اضافت الحكومة العميلة للاحتلال في بغداد الى سياستها في التعامل مع السجناء والذين جلبهم الاحتلال واذياله من المليشيات اصنافا كثيرة جمعت من كل سجون العالم لتنفذ على سجناء الحرية والاستقلال في العراق العظيم مجمل الانتهاكات العالمية في السجون وذلك من اجل ان يتمتع المواطن العراقي بطعم الديمقراطية الذي جلبته معها دولة الاحتلال الامريكي واذيالها من المتدينين كثيرا وكلهم ينتمي الى احزاب اسلامية او الى عمائم ابليسية لاتعرف من علوم الرحمة والنور التي حمل الله اسمائها ولو اسما واحدا .
ولقد سجلت السجون العربية سجلات حافلة وطويلة من سجلات التعذيب القاسية ضد الانسان العربي , ففي الوقت الذي تطورت فيه السجون العربية العادية قليلا والتي خضع بعضها للقليل من شروط التحسين الانساني , ولكن السجون الامنية السياسية مازالت تمارس فيها اقسى حالات التعذيب والانتهاكات البشرية , ومع ان سجن تزمامارت في المغرب حاز على سمعة سيئة جدا , فان السجون العربية الاخرى احتوت نفس المواصفات مضافا لها التعذيب اليومي للسجناء وقصيدتي في السجين العربي والذي وصفته بايوب الظلم العربي في تزمامارت اهديها لكل السجناء العرب في داخل السجون او في داخل حدود السجن العربي الكبير والذي يحمل مفتاحه النظام العربي الحاكم:
تزمامارت وأيوب الظلم العربي
24/05/2009
تزمامارت...تزمامارت
ايها السجن الرهيب
ايها القبر العجيب
صنع ابليس النجيب
فكر شيطان ربيب
غاب عنه كل رحمه
لاترى فيه طبيب
جاع فيه الشرفاء
اكلهم خبز خشيب
وبرى البرد عظاما
صير الشكل شحيب
لو رآهم عاقل
خب في الارض خبيب
تزمامارت ...تزمامارت
ايها السجن الرهيب
*****
محمد الغالو السجين
حرقوا قلبي عليك
حين قصوا قصتك
وحكوا لي سيرتك
سالت العبرات مني
كلها حزنا عليك
اي حزن مر بي
فرق القلب عليك
وتسائلت مرارا
اي روح هي ليك
جنة الله تراها
في عيون... محجريك
امل بالله يملأ
جانبي جانبيك
يهرأ الجلد فتشكر
وترى الدود عليك
تحمل الآلام صبرا
اي ايوب لديك
جمع الصبر حشوده
وارتمى تحت يديك
ملّك الموت سنينا
ماانحنيت ..ماانحنيت
*****
تحمد الله وترجوا
مقعدا يسعى اليك
بجوار الانبياء
خصه الله اليك
وتقاضي فيه خصما
كان يوما كالدييك
تزمامارت ..تزمامارت
لعنة الله عليك
كلنا في ارض يعرب
دورنا آت اليك
تزمامارت..تزمامارت
الف كوبيا لديك
تزمامارت ..تزمامارت
لعنة الله عليك
*****
ايها الحاكم تبني
اي شيء قد بنيت
بنت الدنيا صروحا
وبنيت تازمامارت
كلهم راحوا لرب
والى القبر عبرت
وظننت العمر خلدا
هو ذا في القبر انت
كلهم شادوا وشادوا
وبنيت تازمامارت
ستلاقي رب كون
سائلا ماذا بنيت
حينها كن فيلسوفا
تازمامارت ...تازمامارت
هي كل مابنيت
******
د.محمد رحال.السويد
globalrahhal@hotmail.com