الاستلاب الرمزي للمرأة العربية المعاصرة - 1

2014-12-24
 تعيش المرأة العربية حالة اغتراب وجودي يتسم بطابع العمق والشمول، ويأخذ هذا الاغتراب أنماطا استلابية متعددة في مختلف تجلياته الاجتماعية ويرتسم في صورة إكراهات رمزية تتصف بطابع الديمومة والاستمرار.
فعلى الرغم من التقدم الكبير في تعليم المرأة ووصولها إلى مواقع متقدمة في العمل وإدارة المجتمع ، فإن ذلك لا يعبر في جوهره عن تحرر حقيقي لأن المرأة العربية ما زالت سجينة منظومات مغلقة من القيم والعقليات والذهنيات والعادات والتقاليد والفتاوى والممارسات التي تضعها في أقفاص القهر والعبودية.
إن وصول طليعة من النساء إلى قبة البرلمان وإلى حقائب وزارية وإلى مقاعد الجامعة لا يعني أن المرأة قد حققت تقدمها الإنساني وأنها أصبحت على قدم المساواة مع الرجل. فالتحليل السوسيولوجي لأوضاع المرأة يؤكد وبصورة مستمرة استمرار العقليات القديمة في التعامل الاستلابي مع المرأة . 
في دائرة هذا التحليل نستطيع أن نقول بأن تعليم المرأة - وهو أفضل ما حققته المرأة في العربية - يشكل أحد مداخل قهرها الجديد ، فالتعليم الذي يطلب للمرأة اليوم لم يكن يوما مؤشرا حقيقيا على تحررها أو رغبة في ذلك ، فتعليم المرأة ما زال في نظر المجتمع صورة تجميلية للمرأة ، وهو لا يعدو أن يكون أكثر من حليّة توضع على صدر المرأة ليزيد من قيمتها في سوق الزواج والعمل، ولا يعدو أن يجعلها أكثر من زوجة طيّعة يسهل استغلالها ماديا من قبل ذويها وزوجها في أغلب الحالات التي نشاهدها على امتداد الساحة الاجتماعية في العالم العربي. وبعبارة أخرى يأخذ تعليم المرأة من حيث الشكل طابعا تحرريا ولكنه من حيث المضمون والشكل يأخذ طابع استغلال جديد لعمل المرأة وطاقاتها بوصفها قوة منتجة توضع تحت سيطرة أسيادها الجدد في عصر العولمة والميديا. 
وإذا كان كثير من الباحثين يراهن على تحرر المرأة من خلال التعليم فيجب علينا أن ندرك أن التعليم الذي تتلقاه المرأة والرجل في آن واحد تعليم لا يحرر المرأة ذهنيا أو عقليا حيث تميل المناهج التربوية في مضامينها إلى تكريس الوضعية الدونية للمرأة بوصفها تابعة للرجل وخاضعة له في الآن الواحد. وهذا الأمر ينسحب على عملها حيث تستغل طاقتها الانتاجية لتصب في جيوب الزوج والآباء والأخوة. 
وتأسيسا على وقائع الحياة ومعالمها يتضح بالتحليل السوسيولوجي أن عمل المرأة وتعليمها لم يساهما في تحريرها أو تقدمها أو تغير عقليتها أو استقلالها بل زاداها انخراطا في مجتمع أبوي ذكوري يقوم على استغلال المرأة واستعبادها أختا وأما وزوجة وعمة وخالة. 
من يستطيع أن يقول لنا اليوم بأن عقلية الرجال قد تغيرت جوهريا نحو المرأة؟ ومن يستطيع القول بأن القيم المتصلة بالمرأة قد تغيرت أيضا ؟ فالمرأة ما زالت ناقصة عقل ودين في تصوراتنا السائدة وما زالت ضلعا قاصرا، وما زالت تشكل كيانا ثانويا بمقاييس المجتمع الذكوري الذي أحكم قياد المرأة والسيطرة عليها بكل المقاييس والمعايير والوسائل والأسباب. 
 شواخص القهر النسوي في العالم العربي: 
تبين الدراسات السوسيولوجية الجارية في العالم العربي بأن المرأة العربية تعاني ثلاثة منظومات من القهر والاستلاب وهي : الاستلاب الجنسي ، والاستلاب الاقتصادي والاستلاب العقائدي . فالمرأة كما ينظر الرجل إليها مجرد كيان جسدي يلبي رغابات الرجل الجسدية ، وهي طاقة عمل يمكن استغلالها في المنول وفي سوق العمل ، ثم تحاصر في دائرة سوداء من الرؤى العقائدية الاستلابية التي تضعها في مراتب الدونية والمذلة .
يصف الشيخ الدكتور عائض القرني أوضاع القهر الذي تعانيه المرأة الخليجية اقتصاديا وصفا بارعا ويقدمه في صورة تراجيدية إذ يقول " ظلمت المرأة عند الجهلة في مالها ثلاث مرات: مرة قبل زواجها يوم كان أبوها الجافي وأخوها القاطع يحاسبانها في آخر كل شهر على راتبها ويقتران عليها بالنفقة ؛ وظلمت مرةً ثانية من زوج بخيل شحيح تسلط على مالها وحرمها حرية التصرف في ما تملكه فصارت تنفق عليه وهو يقابلها بالفظاظة والغلظة وصنوف الإيذاء، وظلمت مرة ثالثة لما طلقت فمنعت من أبسط حقوقها المالية فخسرت المال والزوج والأطفال والبيت والحياة الأسرية ". 
ويصف استلاب المرأة عقائديا بقوله " والمرأة مظلومة عند الكثير من القساة الجفاة الجهلة بالشريعة فإن تأخر زواجها لسبب من الأسباب الخارجة عن إرادتها، قالوا: عانس حائرة بائرة ولو أن فيها خيرا لتزوجت، وإن طُلقت قالوا: لو أن عندها بعد نظر وحسن تبعُّل وجميل خُلق لما فارقها زوجها، وإن رُزقت كثيراً من الأبناء والبنات قالوا: ملأت البيت بالعيال وأشغلت الزوج بالأطفال، وإن لم ترزق ذرية بأقدار إلهية قالوا: هذه امرأة عقيم لا يمسكها إلا لئيم والبقاء معها رأي سقيم، وإن تركت مواصلة التعليم وجلست في بيتها تشرف على أولادها قالوا: ناقصة المعرفة، ضحلة الثقافة، رفيقة جهل، وإن واصلت التعليم وازدادت من المعرفة قالوا: أهملت البيت، وضيعت الأسرة، وتجاهلت حقوق زوجها وإن لم يكن عندها مال قالوا: حسيرة كسيرة فقيرة أشغلت زوجها بالطلبات وكثرة النفقات، وإن كان عندها مال وأرادت التجارة والبيع والشراء قالوا: تاجرة سافرة مرتحلة مسافرة، لا يقر لها قرار ولا تمكث في الدار، عقت الأنوثة وتنكرت للأمومة 
 وإن طالبت بحقوقها عند زوجها وأهلها قالوا: لو أن عندها ذوقا وحسن تصرف لنجحت في حياتها الزوجية ولكنها حمقاء خرقاء، وإن سكتت فصبرت على الظلم ورضيت بالضيم قالوا: جبانة رعديدة، لا همة لديها، ولا حيلة في يديها، وإذا ذهبت إلى القاضي ورفعت أمرها للحاكم قالوا: هل يعقل أن امرأة شريفة عفيفة تنشر أسرارها عند القضاة وتشكو زوجها وذويها عند المحاكم؟ 
ويتابع القرني وصفه لأوضاع المرأة: وإنما يحصل هذا الظلم والإقصاء والتهميش للمرأة في المجتمعات الجاهلة الغبية، فهي عندهم من سقط المتاع، ومن أثاث البيت تُورث كما تورث الدابة، ويُنظر إليها على أنها ناقصة الأهلية، قليلة الحيلة ضعيفة التكوين، تحتاج إلى تدبير وتقويم وتوجيه وتهذيب وتعزير، بل بعض المتخلفين الحمقى لا يذكرها باسمها في المجالس بل يعرض ويلمح ويقول: مثلا: (الأهل)، (والحرمة)، (المرأة أكرمكم الله) و (راعية البيت)، لئلا يفتضح بذكر اسمها. 
وعندما نتأمل في وصف القرني كقرينة للمجتمع الجاهل فإن أوضاع المرأة في الخليج العربي (والوطن العربي بالمطلق أيضا) وضعية مجتمعات جاهلة غبية مستلبة بعيدة عن كل مؤشرات الحضارة الإنسانية.
ولا تكتمل صورة المرأة الاستلابية إلا بالطابع الرمزي والوصف المذهل الذي تقدمه الكاتبة السعودية سوزان المشهدي التي تصف لنا الطابع الرمزي للاستلاب النسوي حيث تقول في وصف الوضع الاستلابي للمرأة في الخليج عبر المقارنة بين أوضاع الرجل والمرأة: " أنت منذ الصغر تتباهى بملابسك البيضاء، المكوية بعناية شديدة و بالغترة البيضاء الغارقة في 'النشاء' و التي تعطيك إطلالة جميلة و هيبة تدل على الترتيب و التأنق، و تبعد عنك حرارة الشمس الحارقة. أنا من الصغر و في سن الشقاوة و اللعب 'أتكعبل' بالعباءة السوداء التي تجذب أشعة الشمس، و التي في أحيان كثيرة تجعلني أصل لدرجة الغليان.. . أنت الحلم الأول لكل أب حتى يتباهى بك بين أسرته و أصدقائه وأنا الحلم الثاني.. أنت حب الأم الأول، لأن تشريفك قد يلغي زواج والدك الثاني بحثاً عنك، و أنت سبب التباهي 'بأم الذكور' و أنا سبب نكد الأم، لأن تشريفي قد يؤدي إلى زواج الأب بحثاً عنك، و أنا سبب معايرة أمي 'بأم البنات'
.. أنت تسمع اسمك كل يوم في زهو حين يكنون والديك 'أبو فلان' و 'أم فلان' و أنا محرومة من سماع اسمي و كأنني غير موجودة أصلاً، و إذا تساهل الأب و سمح للجميع بتسميته بأبي فلانة فسرعان ما يختفي اسمي عند تشريفك !أنت تتزوج ممن ترغب، و في أي وقت تعدد، و أبناؤك يحصلون 'اوتوماتيكياً' على الجنسية التي تخصك، و حتى زوجتك إذا كانت غير سعودية، و أنا لا أتزوج في أي وقت أرغب فيه بالزواج، فأمري كله بيد وليي ' أب – أخ – عم – جد'.
أما عن الاختيار فلا مجال 'نوع من الكماليات لا أحلم به حالياًأنا إذا ما سمح لي لكبر سني مثلا بالزواج من غير سعودي فلا يحصل زوجي و لا أبنائي على جنسيتي إلا بعد مرمطة، و إذا قدر الحصول عليها فابني الذكر يحصل عليها عند سن الـ 18، أما ابنتي الأنثى فتحصل عليها عند بلوغ الـ35 سنة و بشروط مغلظة ! و كأنه عقاب مجتمعي و جماعي ضد إبنائي أيضا على زواجي من غير سعودي! أنت لك الحق في التطليق متى شئت من دون محاسبة و أحياناً تختفي من دون تطليق و من دون احترام لحياة إنسانة مصيرها متعلق بيدك بعد الله، بينما لا يحق لي طلب الطلاق، و إذا ما تجرأت لسبب أو لآخر فأعرف مسبقاً أن سنوات عمري ستنقضي دون الحصول عليه، لأنك لا تحضر الجلسة!و لأنني مطالبة بإثبات الضرر 'الذي يكون غالباً داخل الجدران الأربعة و يصعب إثباته'! و علي أن أخلعك و أعوضك حتى لو كنت مدمناً أو فاسقاً أو مزواجاً!أنت تستطيع النزول في أي فندق و في أي وقت حتى لو كنت تقيم علاقة غير شرعية 'مستغلاً إسمي المدون في كرت العائلة' و أنا لأنني 'أسود' متهمة دائما، لا يحق لي النزول في فندق في المدينة أو في مكة حتى لو في رحلة سياحية دينية سوى بخطاب من ولي أمري أو من الشرطة!أنت تستطيع أن تكتتب بأسماء أولادك و من دون استئذانهم، و أنا غير مسموح لي بذلك إلا بموافقة والدهم.. أنت 'ابيض' ديتك كاملة، و أنا 'أسود' نصف ديتك! أنت تستطيع أن تتزوج بعد وفاتي مباشرة و بترغيب من المجتمع 'جدد الله فراشك'. ما تقدم دعوة مناسبة لك و أنت تستقبل العزاء في!أنا لأنني 'أسود' أتهم بقلة الأصل لو فكرت مجرد تفكير في الزواج بعد انتهاء العدة! هذا غير احتقار و كره الأولاد لي 'لاعتقادهم أن هذا الزواج خيانة لذكرى والدهم'.ما تقدم هو 'غيض من فيض' و هو بالطبع بعيد كل البعد عن الآيات الكريمة التي لم تحتو على كلمة التفضيل (ثم)، بل (و) المساواة، 'إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات' الآية ألا يحتاج ولي الأمر إلى إعادة بناء لهذه الثقافة الذكورية التي شملت كل الجوانب و أثرت تأثيراً سلبياً في طريقة تربيتنا و حتى على سمعتنا كمسلمين؟ حتى نوعي الأجيال القادمة أن أبيض = أسود، ليس بحكم العادات و التقاليد، و إنما بحكم الله الواحد الأحد إلى متى تضيقون الفسيح بحجج واهية ؟؟؟
 شواخص استلابية: 
ما زالت المرأة في العالم العربي تعاني من شواخص استلابية تتمثل في شروط الزواج والطلاق والترمل والعنوسة والملكية والعمل والدور السياسي والدور السياسي . فالنظام الاجتماعي واللوائح القانوية والأعراف والتقاليد تقف كلية ضد المرأة وتحرمها من إنسانيتها وكرامتها . 
أشار أحد تقارير قسم التقرير الاستراتيجي الخليجي في | 21 - فبراير – 2005 بعنوان "إشكالية المرأة الخليجية بين مطالب الداخل وضغوط الخارج " " أن مؤسسة الزواج في الخليج العربي ما زالت تسيطر عليها مفاهيم ما قبل الحقبة النفطية، مثل سيادة زواج الأقارب "زواج التحيير" وعدم مراعاة التوافق الاجتماعي بين الطرفين، والاكتفاء بالتوافق القبلي، وعدم أخذ موافقة الفتاة على الزواج، إلى غير ذلك من المفاهيم التي هي في حاجة إلى تطوير في مضمونها لتتلاءم مع القيم الإنسانية والظروف المجتمعية الجديدة. 
وأشار التقرير إلى ظاهرة أخرى وهي ظاهرة العنوسة أخذت تطل برأسها مع التغيرات الاقتصادية منذ اكتشاف النفط، وازدادت حدتها مؤخراً في ظل الانتعاش وتبني القيم الاستهلاكية، وواجه الشباب صعوبات متعلقة بتوفير السكن ومتطلبات الزواج الأخرى، وهو ما دفع بالكثيرين إلى العزوف عن الزواج تماماً أو الزواج بأجنبيات، وهو اتجاه لم يعد قاصراً على الرجل؛ فهناك إقبال متزايد من المرأة الخليجية على الزواج من شباب الدول العربية المجاورة، في محاولة للفرار من شبح العنوسة. وفي محاولة للحد من التأثيرات القيمية والاجتماعية الناتجة عن تأخر سن الزواج، ولمواجهة خطر العنوسة؛ حاولت الحكومات إيجاد آليات لتسهيل الزواج بإنشاء جمعيات للزواج تساعد الشباب مادياً، وتقديم قروض تعرف باسم قروض الزواج، وتنظيم حفلات الزواج الجماعية، ومحاولة التدخل للحد من ارتفاع المهور، ووصل الأمر إلى حد تدخل الحكومة الكويتية لوضع حد قانوني للمهور. أما في الإمارات فهي في طريقها الآن لإصدار قانون لحصار ظاهرة الزواج من أجنبيات، بحيث يتحتم حصول موافقة وزير الداخلية لإتمام الزواج. أما المخالفين للقانون فسيتعرضون لعقوبات تصل إلى حد الفصل من الوظيفة الحكومية، وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات فإنَّ الظاهرة في تصاعد مستمر، ولا يتوقع انحسارها قريباً، بل ربما سوف تتفاقم حدتها إذا أفلحت الجمعيات النسوية والضغوط الأجنبية في تعديل قوانين الأحوال الشخصية وفرض قيود على تعدد الزوجات. 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved