السُمُّ، هو الخيانة والعمالة . والتِرياق هو الشِفاء بالإزالة .
ينشرُ الكثيرون بأنّ تخلف الناس هو سبب تواصل التدهور الشامل في العراق .
ولا شكّ أنّ في هذا جانباً من الصحة . لكن التخلف نتيجة صنعها قراصنة الاستعمار لتسهيل نهب النفط والممتلكات الثقافية ... واحتلال مواقع جيوستراتيجية مهمّة في حساب دول الفيتو في مجلس الامن . وهي معادلة ناجحة بامتياز . وذلك بواسطة سبيكة النخب الاستعمارية والطغم الخائنة الحاكمة : بدءً بالرئيس وصولا الى أدنى مستويات هرم العمالة مُسَيِّروا الدولة المستعمَرَة: الجيش، والشرطة، وأجهزة المخابرات، ونُظم التعليم والاقتصاد ...
وهذا هو أساس البلاء. وكلّ ماعداه هُراء في هُراء .
حكام دكتاتوريون مُزوَّرون في دولة // عصابة يفرضون البطالة والجهل والفقر والفساد والتفرقة والاعلام الكاذب والتديُّن المغشوش ... على طريقة ماكتبه الكواكبي في " طبائع الاستبداد " قبل أكثر من قرن؛ و"مونولوجات" عزيز علي قبل أكثر من نصف قرن . مما يجعل العراقيين، لحد الآن، غير قادرين على المساهمة في تحرير وتطوير الوطن، وإسعاد الشعب، والدفاع عن النفس والكرامة، والتصدّي لوحوش العولمة، والمشاركة في البناء الحضاري العالمي .
أليس من الضحك الكاريكاتوري الفنطازي السريالي مطالبة الحكام العرب بالحرية والديموقراطية ومحو الامية وتحسين مستويات التعليم والصحة ... والمعيشة ... لشعوبهم، وهم الرؤساء الامرين الناهين ؟ . أليس أشدّ إضحاكاً وكارثةً قبول الحكام خوض معارك وحروب بليدة ومُدمِّرة، بسلاح لاينتجوه، وغذاء لايزرعوه، واستهلاك لايصنعوه؟. لكنه الاستعمار، الذي يشن محارق الحروب الدورية لتصريف أسلحته وبضائعه، والقضاء على أي تطوّر وتراكم مادي مهما كان ضئيلا . لان المعرفة والاستقرار هما القاعدة الاساسية، والقوة، والمحرِّك للتطوير .
إنّ اصطياد العملاء أحد أهم الانشطة الاستعمارية . والعملاء المطلوبون أساساً من ثلاثة أصناف : الاول، من بيئة الثراء والاصل العائلي لاستخدامهم شهْرة وطُعماً لغيرهم . هكذا كان حال حكومات العهد الملكي البائد . والثاني، على العكس تماماً، إذْ يُنتخبون من بيئة مُعدمة، ومن العصابات والبلطجية والدونيين والقتلة والاوغاد والسفلة لموافقتهم على القيام بأي جريمة تُحسّن أوضاعهم العامّة . ولا يهمّهم في ذلك غير جيوبهم وغرائزهم . وما المقبورعنا ببعيد . والثالث، من المثقفين لتسيير وإدارة شؤون ومصالح نخب الغرب .
وأشدّ صنوف العملاء ضراوة ونذالة ومأساة وخسارة للوطن والشعب هم المثقفون المتخصّصون في مختلف مجالات المعرفة، والذين تعمل بهم النخب الاستعمارية كواجهات سياسية وعسكرية ودينية وإدارية وثقافية وإعلامية وفنية ...
والمثقف الذي ينزل الى مستنقع العمالة يخسره وطنه وشعبه . إذ ينقلب تاثيره من فائدة الى شرّ وضرر، ومن باني الى مخرِّب، ومن صاحب إرادة الى عبد يُباع ويُشترى، ومن إنسان كرّمه الله بالعمل المُنتج الصالح الى بُرْغي في ماكنة الشيطان، ومن عبد لله العظيم الى عبد لبشر مثله، ومن صادق الى انتهازي كذاب منافق .
ويُقَسَّمُ العملاء الى فئات : منهم الملوك والرؤساء والامراء، ومَنْ في الحكومة والبرلمان والوظائف الادارية داخل البلاد، وما يوزع على الخارج من سفارات وممثليات ومؤسسات إقليمية عربية وإسلامية ودولية .
وهناك شبكة واسعة للاسناد العام من عدّة مجالات أهمها : أولاً، المدرسين، الذين يفرزون النبهاء والمتميزين من بين التلامذة والطلاب، لكي تنقضّ عليهم إدارات صيد العملاء لتجنيدهم بالترغيب والترهيب . وثانياً، جيوش الجواسيس والوشاة والمخبرين والمستهدِفين ... المبثوثين في المجتمع .
وفي عهد سيادة الاستعمار الاوربي كان هناك أسساً ومقاييس نوعيّة لجذب واصطياد العملاء . ولكن الحال تطوّر في العصر الامريكي . إذْ ظهرت مُبتكرات أحدث وأشمل . منها توسيع قاعدة العمالة بتنزيل الالاف . وأصبحت العمالة مجالاً مهماً وسهلاً للارتزاق يسعى اليه الراغبون . كما تحوّلت من السر الدفين في الماضي الى الصراحة العلنية : فمن العملاء مَنْ افتخر بأنه نفّذ انقلاب 8 شباط 1963 الاسود قادماً بقطار أمريكي . وآخر من عملاء غزو 2003 قال بأنه مدعوم من 15 جهاز مخابرات أجنبية .... ومن قائمة العار من الداعمين لغزو العراق، التي لا تزال منشورة على صحيفة “ صوت اليسار العراقي “ الألكترونية . وقائمة خزي وعار أخرى: ( جرد باسماء العملاء واجورهم ... وزارة الخارجية الأمريكية، ترجمة وإعداد باقر الصراف، القوة الثالثة 05/11/2007 ) . كما لايخجل من عار الخيانة من يستجدي الغزاة علناً بعدم سحب قواتهم من العراق .
وتستخدمُ أجهزة تنزيل المثقفين إلى مُستنقعات العمالة شتى وسائل الترغيب بالوظائف والمال والشهادات والسلطة والشهرة والنجومية والحصول على جنسية في بلاد الغرب ... فيتساقط بعض المثقفين كأوراق الخريف في مصائد المساومة والعمالة . فيتركون قيادة شعوبهم وتطوير بلدانهم، وينتقلون لاكل السمك على قوارب الغزاة .
وقمّة هرم العمالة القائم، والذي يواصل غدر العراقي والعراق، هم ممّن عاش في الغرب واصطادتهم النخب الاستعمارية وعصابة الغزو ومولتهم بموجب القانون الامريكي ل " تحرير العراق " لسنة 1998 . وكما أثبتت سنين الاحتلال فإنهم من شتى صنوف الاشرار واللصوص من كل نوع وفئة واتجاه، ممن لاوازع ديني أو اخلاقي أو وطني لديهم، من فاقدي النزاهة والاخلاص والكفاءة، الخانعين للغزاة، العابثين بالعراق وطناً وشعباً ودولةً وثقافة ...
ولاسبيل للنهضة بدون التخلص من وباء العمالة للاستعمار . إذْ ليس باستطاعة النخب الاستعمارية تكريس تخلف العراقي والعراق، ونهبهم بدون خيانة العملاء .
ورغم أنّ نضال المثقفين النزيهين وسط هذا المستنقع السام أمر مُعقد، لكنه بعيداً عن الاستحالة . وبداياته بكشف المؤامرات والأكاذيب، و بتوعية الناس بالحقائق، وبالعمل على إذابة السبيكة الشريرة التي ينصهر فيها العملاء بالنخب الاستعمارية .
لانهاية للتاريخ . وسيتواصل غليان العراقي المُظلّل، الذي غَدَرَه الغزاة والمتحاصصين حتى يجد نفسه بقيادة وطني نزيه يتقدّم بابتكار مُلهم يصنع الساعة التاريخية جاذباً قوى الشعب الحيّة ويقلب بهم كلّ مابناه الاستعمار والعملاء رأسا على عقب .
وفي العراق، مفكرون نزيهون، وقادة وطنيون، وشعب كادح وتوّاق للتحرّر والانعتاق والاستقلال والنهضة وصناعة بلد مزدهر يعيش أهله بأمان ورفاه، ويستند الى تراث ثقافي رائد وعظيم، وتحت أرضه موارد هائلة من الثروات الطبيعية والكنوز الاثرية ...
ولولا العملاء لكان حال العراق بمصاف، إنْ لم يكن، أفضل من أي بلد آخر متطوّر في العالم .
* يرْمز ( التايَر ) // الإطار في مخطوط ( البيت الأسود ) إلى العميل . فبالاطار تسير قاطرة الاستعمار . وبعد استنفاذ خدمة الاطار يُرْمى في المزابل . ليُستبدل باطار آخر لمواصلة ثقافة القرصنة والاستعمار .