شغلني التمييز في اللغة بين المرأة والرجل بدءاً من مخاطبة الجموع بالمذكر ولو كان الجموع كلهم إناث وبينهم ذكر واحد حتى لو كان طفلاً.. وليس انتهاءً بالألقاب العلميّة أو الوظيفيّة التي تطلق بصفة مذكّر كالنائب في البرلمان والعضو في الجمعية أو المؤسسة أنثى كان أم ذكر والوزير والقاضي واللواء والنقيب وغيرهم كثر من الألقاب الذكورية للإناث والذكور.ومن التمييز المزعج في اللغة لقب السيد الذي يطلق على الرجال والشباب عزاباً كانوا أم متزوجين لكنها لا تطلق على الأنثى إلا إذا كانت متزوجة!! فيسألها أحدهم سيدة أم آنسة؟ وهذا مختلف بالنسبة للرجال فكلهم أسياد!!
القصة لا تقف عند الكلمة فقط بل هو مفهوم ضمني بأن المرأة متزوجةً كانت أو مطلقة تستحق أن يطلق عليها لقب السيدة لأن المهم أنها ارتبطت أو ترتبط برجل فهي إذاً في مرتبةٍ أعلى من المرأة الأخرى التي لم ترتبط يوماً برجل، وبالتالي فهي لا تستحق الوصول إلى مرتبة السيادة ولو أنها وزيرة ..
ويحكى أن أم كلثوم كان الهدف من زواجها هو أن يطلق عليها لقب الست بدلاً من الآنسة أم كلثوم..
تصوروا مثلاً الوزيرة الآنسة فلانة الفلاني..أو القاضية الآنسة فلان الفلاني، هذا إن لم نقل الوزير أو القاضي لأن التاء المربوطة تزعزع من أهمية اللقب وتقوضه.
وهذه العقلية هي عقلية اللغة نفسها والمفهوم النابع من تراكمات التمييز بين المرأة والرجل على مدى عصور ولو أنه لم يكن مقصوداً في يوم من الأيام لكنه بالتأكيد كرّس قناعة لدى أفراد المجتمعات تتعلق بالمنزلة الأعلى التي يوضع الرجل فيها وتعامل المرأة على أنها انسانة أقل درجة منه حتى عندما يدللها بفتح باب السيارة أو بتقديمها عليه أثناء اعتلاء الدرج أو حتى بالتعريف بين الناس فما ذلك إلا بريستيجا يستخدم كنوع من التعامل مع المرأة على أنها كائن رقيق وشفاف فقط في البروتوكولات و بالمظاهر الخارجية والتوصيفين الرقة والشفافية كلاهما استخدما أدوات في المزيد من التمييز ضد المرأة في مختلف المجتمعات..
وبالعودة إلى السيدات والسادة والآنسات علينا أن نبدأ بثورة لغوية حان لها أن تتحرك وهنا نحن العاملين والعاملات في شأن المرأة نحرص في كتاباتنا الاهتمام بالتخاطب مع الأنثى والذكر ولو كانت بيننا امرأة واحدة حتى لو كانت طفلة ونحرص أيضاً على عدم إطلاق الألقاب الذكورية فكل كلمة يمكن أن تؤنث "وما لا يؤنث لا يعوّل عليه" وسنعمل من الآن فصاعدا بدءاً مني على إطلاق لقب السيدة على كل النساء متزوجات أم غير متزوجات، مع تحفظي طبعاً على كلمة سيد أو سيدة. أو أن نطلق لقب آنس للرجل غير المتزوج؟؟
