الصائغُ والصياغةُ ونظامُ الحِسْبَة ( 1 )

2015-09-20
" يعتبر صانعا تقليديا كل مشتغل من الجنسين في احد الفروع الثلاثة للصناعة التقليدية، اما الفنية أو النفعية أو الخدمات، وهو يزاول نشاطه اليدوي بنفسه أو بمساعدة آخرين اما بمنزله أو خارجه مستعملا  قوة محركة، ومتوفرا على تسمية تجارية أو دكان، ومبرزا مؤهلاته الحرفية بتعلم سابق أو ممارسة مديدة ".

هرمُ الصَنْعَة
يتكوّن تركيب العاملين في الحِرَف اليدوية التقليدية مــن ثلاث درجـات:
- المُعَلِّـم. ويُطلق عليه كذلك: " الصنايعي "، "الاسطة "، " الشيخ "، "المرشد "، " المُرَبِّي " ... وهو ربّ المهنة العارف بأسرارها والكاتم لها. وهو في أغلب الحالات صاحب رأس المال مهما كان مقداره. وهو الذي ينتج المصنوعات الفنيّة ويبيعها ويجني ربحها.

- أما الصانع " التلميذ "، فهو مساعد المُعلم، الذي يُنَفِّذ توجيهاته وتعليماته وإرشاداته. فيُهيء له جزء من المصنوعة، أو يُنهي عملاً بدأه المُعلم ... ويكون عادةً مقتدراً على بعض تقنيات العمل الصياغي كالطَرْق، والقَطْع، والصَقْل ...
 وقد أطلق العرب إسم التلاميذ على مساعدي الصاغة. وذكرهم لبيد بن ربيعة العامري في شعره:
              فالماء يجلو متونهنّ كما            يجلو التلاميذ لؤلؤاً قشبا     

- وهناك المُتعلِّم الذي يبدأ عمله عادة طفلاً يخدم المُعلم والصانع ويُنَفِّذ أوامرهما من أعمال السُخرة المتنوعة، كتنظيف المحل وأدوات العمل وجلب الطعام والشاي ... ويقوم بهذه الاعمال برضا وحماس على أساس أن مايتعلّمه أمر جليل الشأن وعظيم الاهمية لمستقبله. ويدعمُ ذلك قناعته بما للمعلم من حريات واسعة وحقوق تقليدية للتعامل مع الصنّاع والمُتعلمين. وهو حينما يُنفذ أوامر المعلم تتطلّع عيونه إلى مايقوم به أستاذهُ والصنّاع ويتشرّب تدريجياً بتقاليد وقواعد الحرفة وأسرار فنونها، ويفهمها ويتفتّح على آفاقها دون أن يسأل. فمن ناحية لايجوز إزعاج المعلم. ومن ناحية أخرى يحسّ المتعلم بأن المعلم غيور على سرّ صنعته ويغضب لتدخل الآخرين أثناء حديثه أو عمله. لان السرّ في الصياغة، وغيرها من الصناعات الفنية، أمر مهم يحاول صاحبه الاحتفاظ به وعدم تعريض الابتكار إلى الانتشار خوفاً من تقليد الاخرين لمنتجاته ومنافستهم له. وبالتالي تقليل الارباح.
 وكان في بعض المهن اذا مات المعلم وفُقِدُ سرّ مهنته اندثرت الصنْعة حتى تبدأ دورة جديدة من التجريب والاكتشاف للوصول إلى ذُرى المعلم الراحل.
حتى كان من مكاسب المعلمين في بعض الفترات التاريخية عدم دفع الضرائب لتخفيف عبيء المشاكل المادية عن كاهله ومساعدته للانصراف إلى مهنته والرقي بها وتطويرها.
 والمعلم ذو هيبة وتبجيل خاص لدى الصنّاع والمتعلّمين، وهو قليل الكلام، واذا نطق بشيء فالجميع يسمعون بارهاف. ومن شدّة احترام بعض الصناع لمعلميهم فانهم لا يتقدّمون لنيل درجة المعلم، وهو في الحياة. ووفاءً من بعض الصناع ذِكْرُ أسماء معلميهم على ما يصنعون. ومن ذلك عُلبة من أقدم التحف المعدنية الموصلية المعروفة يرجع تاريخها إلى عام 617 هـ / 1220م محفوظة بمتحف بناكي بأثينا كُتب عليها " نقش اسمعيل بن ورد الموصلي تلميذ ابراهيم بن مواليا الموصلي ".
وإذا كان المعلم يُحدِّد أجرة الصناع، فان المتعلِّمين الاطفال غالباً مايعملون بدون أجر لقاء تعلّمهم المهنة. أو بأجور رمزية يقدمها المُعلم بين الحين والاخر، أو في نهاية كل أسبوع، أو في الأعياد.
ومن العلاقة بين المُعلم والمُتعلم، انه عندما يأتي الأب بإبنه لتدريبه يقول للمُعلم : " أنا ولدته وعليك تأهيله ". فالمُتعلِّم يضحى بمثابة أحد أولاد المعلم الذي يجب احترامه وتقبّل توجيهاته وما يُقدمه من أجر زهيد. ولا يجرأ الصانع أو المُتعلم مطالبة المعلم بزيادة أجوره أو تعويضه عن ساعات عمل إضافية أو في حالة إصابته بأضرار صحية ناجمة عن العمل. فالمعلم يعرف جيداً متى يعطي ومتى يمنع.
 فالسيطرة هنا لنظم وأعراف وتقاليد هي بمثابة قوانين فعّالة، لكنها غير مدوّنة أرْسِيت قواعدها المتينة عبر تطور الحياة الاقتصادية واتساع الأسواق. والكل يحترم هذا لانه يصبّ في مصلحتهم. فلا يتجاوز أحد على ماهو متعارف عليه. وإنْ فَعَلَ فانه يتعرّض إلى تأنيب وتأديب زملائه في المهنة.

 تتواصل المنجزات الحضارية عبر التاريخ باستفادة الخلف من السلف، الذي يأخذ عنه ويُبدع ويبتكر ويُطوِّر ويُجدِّد. وأوضح مثال على ذلك هو توارث  أسرار الحِرف اليدوية، والاعتزاز بحِرفة الاباء والاجداد. ومن هنا المثل :" صنعة أبوك لا يغلبوك ". فغالبا مايتم توارث المهنة داخل العائلة أو بين الأقارب. 
وكان هناك عوائل بأكملها تختصّ بحرفة ما على مدى عدّة أجيال من المعلمين والصناع والمتعلمين. ويظهر الانتساب للمهنة من ألقاب: الصائغ، الحدّاد، النجّار، القصّاب، الدبّاغ، الخرّاز، الحائك، الخيّاط، الشكرجي ... وهذه ظاهرة تاريخية عالمية ميّزت أهل المهن، ومنهم الصاغة.
حتى الابن الذي يتخرّج في الكلية فانه على دراية ومعرفة بأمور الصياغة وتجارة موادها عبر عَمَله مع والده ومرافقته له في مهنته. وهناك مِن أبناء المعلمين مَن ينقطع عن الدراسة لمساعدة ذويهم ووراثة أسرارهم. ومن أمثلة إصرار الحرفيين على توارث المهنة: صناعة الصدف الفلسطينية التي يتشبّث بها أبنائها رغم استيرادهم موادها الخام من استراليا والمكسيك ...
 وفي العمل داخل العائلة مزايا عديدة، أهمها امتداد وتواصل المعرفة بين الدار والمحل، وسرعة التعرّف على أسرار المهنة وإتقان مهاراتها. كما يشحذ العمل العائلي هِمَم وتنافس الابناء وشغفهم بالمهنة وتفتحهم على جمالياتها. ويُشجِّع الصغار على تحقيق أحلامهم بالتفوق على الآباء والأخوة الكبار رغم احترامهم الشديد لهم واعترافهم باستاذيتهم. 

علاقة الصاغة بالمجتمع
يتجمّع الحرفيون في فئات ومواقع متخصِّصة حسب المهنة. ذلك لحمايتهم، ورفع مستواهم المادي والفني، وتسويق منتجاتهم.
ويحضى الصاغة باهتمام الناس الذين يزورون أسواق وقيساريات ومحلات الصياغة يشترون ويبيعون ويُصلحون ماعطب. 
وفي الظروف الاجتماعية الغابرة عندما كانت المرأة جليسة الدار، كان ربّ البيت يدعو الصائغ إلى مسكنه ليصنع الحلي للنساء طبقاً لاذواقهنّ ومقاسهنّ.
وفي الماضي كانت بعض المصنوعات تُنفذ وفقاً لتوصيات ورغبات الزبائن الذين يتفقون مسبقا مع الصاغة على جميع الشروط المطلوبة. وكان بعض الزبائن يزوِّد الصاغة بمسكوكات فضية أو حلي قديمة لتذويبها واستخلاص الفضة الصافية منها، وصنع قطع جديدة بعد الاتفاق على أجرة الصياغة. 
ويُبادل الزبناء المصنوعات المستعملة بأخرى جديدة بعد تنازل الزبون عن فن الصنْعة. لان التاجر يشتري الحلي وزناً حسب الأسعار الآنية للمعدن النفيس.
 وبعد شراء الصاغة للمصاغ من الزبائن، يكون بعضه ناقصاً أو تالفاً وسعره زهيداً. أو تكون التحفة كاملة غير أن " موضتها  قديمة ".
 فبعض الصاغة يذوِّبون ما يشترونه ويصْنعون منه مصاغاً جديداً وبرّاقاً. ومنهم من يحوِّر. وقد تكون المصوغة  لسبب ما غير قابلة للتصحيح لكنّ فيها جزء جميلا وسليماً، يقطعه الصائغ لتركيبه مع مصوغة قديمة أو حديثة ... 
ويفعل الصائغ هذه العمليات تلبية لرغبات الزبائن وأذواقهم الذين يظهر أنهم استنفذوا حاجتهم المعنوية والجمالية وضاقوا بالمصوغة القديمة فرغبوا باجراء بعض التحوير والتعديل لكي تكسب المصوغة القديمة طابعاً حديثاً يناسب التغيّرات الاجتماعية والمعتقدات السائدة فتظهر صاحبتها وكأنها اقتنت حلية جديدة وموضتها حديثة. 
وتبعاً لاستاذية الصائغ وتنوع أساليب الاداء تكون نتائج هذه العملية مختلفة: فهي أحيانا ناجحة، والحلية متميزة. أو يخفق الصائغ في انتاج نوعية عالية كالمصوغة الاصلية. ومهما كان الصائغ بارعاً ومتفنناً فلا شك أن العين المُتفحِّصة تلاحظ العمل القديم وتميًزه عن الحديث. 
وقد لا يقبل كل صائغ على تحديث المصوغات لقناعته بأنّ تحويرها سيُفقدها قيمتها الفنية والجمالية. فبعض المعلمين كالشعراء والرسامين والموسيقيين الذين لا ينتجون حسب الطلب وانما بمزاج وقناعات خاصة.

كماعُرف عن مهرة الصاغة من المعلمين الافذاذ دورهم المهم بالنسبه للحكام والحاشية وسراة القوم. حيث ينتج الصاغة ما يحتاجه هؤلاء من تحف وحلي وهدايا ... ومصوغات، كالاوسمة والنياشين والميداليات ... التي كانت ولا تزال تشكل جزء من تقدير الحاكم للخاصّة من رعاياه، الذين يُقدمون خدمات متميزة للدولة والبلاد. أو لتبادل التكريم بين رؤساء الدول.
 ولاحتكاك المعلمين بالطبقات الحاكمة ميزة وأفضلية تُشجِّع الصاغة على مزيد من التفنّن والخلق والابداع. فمعروف أن ما يصنع للملوك ، يبقى حكراً عليهم لا يضاهيهم في ملكيته أحد. ولا يجوز صنعهُ للاخرين. وتمثل التحف البلاطية أجود وأجمل المصنوعات. لكن هذا لايمنع الصاغة من صياغة وعرض نماذج لها بعض الشبه بما يُصنع للقصور، التي يقبل على اقتنائها الاثرياء والفئات العليا من الطبقات الوسطى تشبُّهاً بحياة البلاط.
وفي ماليزيا كان بعض صاغة القصور مَنْ يعمل بدون مُرتّب محدّد، لكنهم يُزًوّدون باحتياجاتهم، هم وعوائلهم، من غذاء و مسكن وكساء وعطايا، خاصة في حالة إنتاج مصنوعات متميزة. لذا فلم يكن الوقت والمال هدف هؤلاء الصاغة الذين انتجوا لاسيادهم تحفاً راقية.
وتجدر الاشارة إلى دَوْر الصاغة بجانب المهندسين والفنانين والحرفيين في انجاز العمائر المهمة كالمباني الدينية والقصور. اذ كان منهم، خاصة بالنسبه للعمل في الكنائس والمساجد، من ينذر نفسه لوجه الله فيوهب قواه ويوقد حماسه لابداع مآثر مُتقنة الصنع، كالثريات وزخارف المنابر ... دقيقة الزخرفة وأنيقة المظهر. ذلك أن تأثير الربح وما يتصل به من بيع وشراء ضعيفاً نسبةً إلى  افتخار المعلم بالابداع. لذلك فان أجواء المآثر التاريخية متميزة بدراسة كل ركن وزاوية فيها فتعطي الأبهة والجلالة لبيوت الله، وتهدي للمجتمع البهجة والراحة النفسية.
وبالخروج من فضاءات القصور وبيوت الله الى المناطق الريفية والقروية والصحراوية ... فإنّ للصائغ منزلة خاصة كذلك. فهو ليس صائغاً للحلي فحسب، بل صانعاً لمواد متنوعة يحتاجها الناس في حياتهم اليومية من سيوف وخناجر وسكاكين ومعدات للطبخ ... إضافة إلى وظائف تقليدية أخرى مثل ختان الاولاد، وعلاج الحيوانات، وانتاج المصنوعات الجلدية ... كما هو الحال لدى الطوارق.
وفي أفريقيا جنوب الصحراء فان الحدّاد هو الصائغ، والساحر، والطبيب، والمعلم ... وبما انه صانع المحاريث في مجتمع يعتمد بقاؤه وتطوره، أو ضموره وشقائه على الزراعة، فان دور الحداد مهم جداً. لذلك تعمل المجتمعات الريفية على استقراره ليس لصناعة المحاريث فحسب، بل وقيادة الطقوس الخاصة بالتصدي للاقدار الشريرة التي يمكن ان تضرب المحصول الزراعي أو تودي إلى جدب الارض ... 
 وللصائغ في مجتمعات أفريقيا الغربية مثل موريتانيا والسنغال وغامبيا، أهمية خاصة لدى رؤساء القبائل وشيوخ العشائر ... يتنقلون معهم في أسفارهم يصوغون الحلي والاحجبة والحروز والطلاسم ...

 وتختلف علاقة الناس بالعمل الفني تبعاً لثقافتهم ومعرفتهم وطبقاتهم الروحية. فمن الناس من لايجد في التحفة أكثر من شكلها الخارجي. ومنهم من يغوص في أعماقها يتمتع بما تختزنه من جمال وبهجة. ويُذَكِّرهذا بقول الشاعر المتصوّف جلال الدين الرومي ( 604-672 للهجرة /1207-1273للميلاد ): " ان الصورة الظاهرة، انما عملت لكي تدرك الصورة الباطنة. والصورة الاخيرة تشكلت من أجل ادراك صورة باطنة أخرى على قدر نفاذ بصيرتك. فالصورة الأولى انما تعمل من أجل الوصول إلى الثانية، مثل ارتقاء درجات السلم ".
كما يظهر ذلك من قول الفيلسوف الصوفي أبو حامد الغزالي( 450-505 للهجرة/ 1058-1111 للميلاد ): " ان الجمال ينقسم إلى جمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الراس وإلى جمال الصورة الباطنة المدركة بعين القلب ونور البصيرة. والأول يدركة الصبيان والبهائم والثاني يدركه أرباب القلوب ولا يشاركهم فيه من لا يعلم الا ظاهرا من الحياة الدنيا. وكل جمال فهو محبوب عند مدرك الجمال، فان كان مدركا بالقلب فهو محبوب القلب ".
وهذا من أفضال الفناين ومهرة الصناع المتطورين نتاج المجتمعات التي ازدهرت بفضل التقوى والورع والعمل الصالح ( المُنْتِج )، وأضحى هدفها ومثلها الأعلى هو الوصول بالعمل الفني إلى غايات سامية في الكمال والابداع، الذي وجدوا فيه تعبيراً عن الاتقان والصدق والصفاء والفضيلة. وفي ذلك يقول أبو حامد الغزالي: " فمن رأى ... حسن نقش النقّاش وبناء البنّاء انكشف له من هذه الافعال صفاتها الجميلة الباطنة التي يرجع حاملها عند البحث إلى العلم والقدرة ".
وهذا الفنان الذي يصنع تاريخ الفنون الزخرفية يجمع في ذاته الموهبة الفطرية والعمل الدؤوب والبحث المستمر والصبر الطويل والتواضع  والاخلاص والبساطة والحكمة الشعبية... والذوق الرفيع والذكاء الحاد والخيال المبدع والاحساس المرهف والدقة والمهارة والاتقان ...
بالاضافة الى ان من الفنانين وسائط  لنقل الاساليب والطرز الفنية. وبواسطتهم تُظهر الدولة تطورها الثقافي. وهم الذين يُجسدون أفكار الحكام ويؤكدون أهميتهم السياسية والاجتماعية ويُخلِّدون أسمائهم عبر مايشيدونه من مدن وعمار، وما يصنعونه من تحف فنية.
لذلك كان الفنانون منذ القدم من غنائم الحروب ينقلهم القادة المنتصرون معهم. واستمرت ظاهرة نقل وانتقال وهجرة ذوي الكفاءات. ومنها مايتواصل في عصرنا، حيث يستثمر الغرب العقول العربية، كالعراقية، وكذلك السوفيتية، من خلال نقل الآلاف من العلماء الى الولايات المتحدة وأوربا واسرائيل. منهم من يعمل باختصاصه لمزيد من رفاه وتطور الغرب، ومزيد من تكريس تخلف الخاسرين ... ومنهم من يُترك ويُهمل لتدبير حاله سائقاً في تاكسي، أو حارساً لمبنى، أو مُستجدياً لإعانة ...
ومن أمثلة الماضي:
- جاء في الوثائق التاريخية عن أخبار صرواح عاصمة سبأ، ان الملك السبئي    (كرب إيل وتر؛ حوالي القرن السابع قبل الميلاد ) قد دوّن أعماله الحربية والمدنية. ومنها حول عداء سكان " كحد سوطم " لسبأ. فأمر كرب إيل جيشه بالهجوم على خصومه: " ... فأنزل بهم هزيمة منكرة وخسائر جسيمة وسقط منهم خمسمائة قتيل في معركة واحدة، وأسر منهم ألف طفل والفي حائك ماعدا الغنائم العظيمة ...".
 فَذِكْرُ ألفي حائك فيه دلاله على أهمية صناعة النسيج آنذاك وكثرة العاملين فيها؛
- وفي عهد الملك الساساني شابور الاول (حكم بين 241 – 272م ) نُقل صُنّاع من المدن السورية، مثل أنطاكيا، إلى مدينة جنديسابور في خوزستان لتطوير الحِرف الفارسية، وخاصة صناعة النسيج. (  فاسيلي بارتولد ( 1869 – 1930 )، تاريخ الحضارة الاسلامية ). 
 وأشار ( م. س. ديماند، الفنون الاسلامية، 1982 )، الى استقدام الامويين لمهرة الصناع من شتى الولايات لاقامة المدن الجديدة وانشاء القصور والمساجد. ومن ذلك استعانتهم في بناء مسجد دمشق بعمال بيزنطيين لتزيينه بالفسيفساء. في حين أشرف على عمارته مهندس ايراني.
وعمل عدد من الفنانين المصريين في تعمير بيت المقدس ودمشق ومكة؛
- واتّبع العباسيون هذا التقليد في استجلاب المواد والصناع من مختلف الاقاليم. ومن ذلك ماذكره المؤرخ الطبري (  224 – 310 للهجرة / 839 – 923 للميلاد )، أنه عند تأسيس مدينة بغداد، جمع العباسيون العمال من سوريا وايران والموصل والكوفة وواسط والبصرة ... ومن مختلف ديار الاسلام؛
-  وكان لهجرة الفنانين إلى مصر بعد تخريب المغول لمراكز الثقافة في ايران والعراق والشام فرصة تاريخية لاثراء الفنون الزخرفية المملوكية بمصر وإدخال بعض الموضات والتصاميم عليها؛
- وهناك هجرة المُجلِّدين الايرانيين إلى تركيا ( 9 – 10 هـ/ 15 – 16م )، حيث انتجوا صنوفاً من المصنوعات الجلدية ساعدت على إبداع الفنانين الأتراك في فنون الجلد التركية المتميزة حتى الوقت الحاضر؛
- وفي بداية القرن السادس عشر احتل العثمانيون القاهرة وأسَروا خطّاطيها ومَهَرَة صُنّاعها ونقلوهم إلى الاستانة ليمارسوا أعمالهم هناك؛
- واستقدمَ الحكام المغول المسلمين الى الهند الفنانين، وخاصة الصاغة للعمل في دلهي وأكرا؛
- كما كان للصاغة الأرمن المهاجرين من القفقاس إلى الشام ( سوريا والاردن وفلسطين ) تأثيرهم على الفنون الصياغية هناك؛
- وفي عشرينات القرن العشرين هاجر صاغة من الحجاز واليمن، وخاصة من المدينة وصنعاء، إلى الشام  ونقلوا معهم تقنياتهم وأساليبهم ونماذج لمصوغات حجازية ويمانية صاروا ينفذونها في مواقعهم الجديدة؛
- وفي النصف الأول من القرن العشرين هاجر صاغة من مدينة العمارة في جنوب العراق إلى بغداد بفعل عوامل الجذب في العاصمة، التي صارت بحاجة إلى صاغة لسدّ احتياجات الناس والدولة من نماذج صياغية بفعل تطور المجتمع البغدادي، وبتأثير تقلُّص النشاط الصياغي والطلب على المنتجات الصياغية في مدينة العمارة نتيجة عودة غُزاة مُستعمِرين بريطانيين من جنوب العراق الى بلادهم. حيث ساهم إقبالهم على الفضة المصاغ الفضي في تطوير فنون المينا السوداء؛
- وهناك هجرة صاغة النوبة من قراهم إلى القاهرة، خاصة عقب انتهاء أعمال سد أسوان. وكذلك من صعيد مصر ومناطق النوبة السودانية، ومن الخرطوم إلى القاهرة نظراً لتوفر فرص أفضل للعمل؛
- ويعمل في مختلف مناطق الخليج، كما في الكويت والبحرين ودولة الامارات صاغة من باكستان والهند وايران والعراق؛ مما طَبَعَ الانتاج المعاصر بطابع الاصول العريقة لبلدان الوافدين. 

 وفي كل اقليم وبلاد يشتهر صاغة ويذيع صيتهم. وكان على سبيل المثال أمهر الصاغة في القرن العشرين: الفلسطينيين " سامور" في بيت لحم، و " أبو هناء " في غزة، و " خليل " في القدس. وفي العراق " زهرون ". وفي القاهرة " مكاوي ". وفي مراكش " النجيبي ". وفي سلا " حجّاج " ... وفي ماليزيا كل من: 
Ching Fu, and Ta Hing and Tien Hing
وعن صلاح العبيدي ( التحف المعدنية الموصلية في العصر العباسي، 1970 ) قائمة بأسماء صناع التحف المعدنية التي أُنتِجَت في الموصل ودمشق والقاهرة على امتداد حوالي قرن من الزمان ( بين الربع الاول من القرن 7 هـ / 13م والربع الاول من القرن 8 هـ / 14م ). ومنها أباريق وعلب وشماعد وصينيات وآلات فلكية وطسوت وزهريات صنعت خصيصا لحكام مسلمين مثل بدر الدين لؤلؤ، والناصر محمد بن قلاوون .... وهي موزعة الان بين مختلف المتاحف العالمية مثل اللوفر، والمتحف البريطاني، والارميتاج، وفيكتوريا وألبرت، والمتروبوليتان، وبناكي، والفن الاسلامي في القاهرة ... وربما يكون بعض هؤلاء الفنانين ومهرة الصناع من صاغة ذاك الزمان الذين لم يوقعوا انتاجهم، أو أنه ذُوِّبَ وزالت آثاره.
وأسماء هؤلاء:
محمد بن حسين، ابراهيم بن مواليا، حاج اسماعيل وفتوح بن محمد، علي بن حسين بن محمد، اسماعيل بن ورد، محمد بن ختلخ، محمد بن خليل، احمد بن عمر الذكي، يونس بن يوسف، علي بن كسيرات، أبوبكر بن حاج جلدك، داود بن سلامة، علي بن عمر بن ابراهيم، عمر بن حاج جلدك، حسين بن محمد، أحمد بن حسين، أياس غلام عبد الكريم، علي بن حمود، أحمد بن باره، قاسم بن علي، علي بن عبد الله العلوي، شجاع بن منعه.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7b7d2b7d-d2e6-41c9-87d3-e633acfdc47a.jpeg  

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved