التغريب التخطيطي و المعماري والفني والإستهلاكي في إمارات الخليج الإسلامي( الحلقة الثانية )

2012-05-25

مشاريع التخطيط العمراني في دولة الامارات العربية المتحدة:

 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/806ee542-9683-4997-bc98-edfbbe711287.jpeg

في عام 1977 تَقَدَّمَتْ شركة بترول أبو ظبي ( أدنوك ) بطرح عطاء عالمي لإقامة مدينة الرويس ل 85.000 نسمة على أرض خالية تماما تقع في أقصى شمال غرب الامارة. واستجابت للمساهمة في هذا العطاء عشرات الشركات والمؤسسات العالمية في التخطيط والعمارة. وفي نهاية مطاف الفحص الفني والتجاري لجميع الإقتراحات، كانت هناك ثلاث أفكار للمخطط العمراني العام لمدينة الرويس:

الأولى تَقَدَّمْتُ بها عندما كنتُ مديرا للمشروع. حيث بدأتُ بإجراء مسح فوتوغرافي لجميع مدن ومستوطنات دولة الامارات العربية المتحدة، صُحبة طيب الذكر مصور شركة ( أدنوك ). وذلك للتعرُّف على الأنماط التاريخية - التقليدية للتخطيط والبناء. ثمّ حدّدتُ الموقع الافضل لانشاء المدينة. ووضَعْتُ المواصفات الفنيَّة للمشروع. وقدّمْتُ مخطُّطا عمرانيا عاما وظيفيا لإقامة مدينة الرويس.
أما الفكرة الاخرى فقد كانت لمجموعة من الشركات الألمانية. والثالثة تَقَدَّمَتْ بها شركة استشارات هندسية أمريكية، التي أُسند لها المشروع؛ والذي يظهر انه تحوّل فيما بعد إلى مجمّع سكني بلغ عدد سكانه 16.000 نسمة عام 2008، على ان يرتفع الى 20.000 نسمة في حدود عام 2010
http://www.dubaifaqs.com/ruwais.php

وبموازاة ذلك فقد وَضَعْتُ مخطوطة كتاب: " تخطيط المدن في دولة الامارات العربية المتحدة ". وقد نشرتُ منها جزئين: ( مجلة التنمية في الخليج، العدد الرابع، ص. 27 - 38، أبو ظبي أغسطس، 1979 ) . و ( مجلة التنمية في الخليج، العدد الخامس، ص. 31- 65، أبو ظبي ديسمبر،1979 ). ومن نصوص هذين المقالين أقتبس بعض الفقرات، التي يعود تاريخها لأكثر من ثلاثة عقود مضت:

- "... ونتيجة لاكتشاف النفط بكميات ضخمة، فقد تمّ تسويقه وتوظيف عوائده، حيث نال العمار القسط الاوفر منها. ويعكس ذلك تقرير بعثة البنك الدولي للانشاء والتعمير حول القضايا الخاصة بالتنمية واحتياجات المعونة الفنية بالامارات العربية المتحدة بأن الارتفاع السريع في موارد البترول صاحبه تركيز السياسات المالية على عنصر الانفاق عوضا عن الاهتمام بتعبئة الموارد واستغلالها بطريقة اقتصادية... فكانت معدلات النمو الكبيرة لاستعمال الاراضي في مدن مثل ابوظبي والشارقة ودبي انعكاسا عن التمويل الضخم في العمار. وأضحى الاستثمار في الارض والاسكان أفضل الطرق التي تؤدي الى الربح السريع ".

- "... وكلما تعدّدت مشاريع التنمية التي تعتمد على قوة عاملة مهاجرة الى البلد كلما زاد ضغط المهاجرين على الخدمات والمرافق العامة ... لذلك يصح السؤال العريض... لمن العمار؟ ومَنْ الذي سيرث هذا النمو الضخم في المستقبل؟ ".

- "... وبهذه الاموال والجهود والزمن نستطيع تشييد نماذج من نيويورك أو باريس في البحر أو الصحراء، لكننا مع تشييد العمار على أساس التخطيط المدروس علميا؛ مع العقلانية في التوازن بين التنمية والعمران، ومع الحصول على افضل النتائج لملائمة ومتانة وجمال العمار في البلد بأقل التكاليف الممكنة".

- " ... وبوجود النسبة الكبرى من الوافدين، التي بلغت عام 1978 أربعة وافدين الى مواطن واحد، فكم سيكون عدد السكان في 1980، 1985، 1990، 1995، وسنة 2000؟ وما هي نسبة الاجانب الى المواطنين؟ ونسبة الذكور الى الاناث... ولمن نُخطِّط ونُوفِّر المساكن والخدمات الاجتماعية والمرافق العامة؟ ان عدد سكان البلد قليل، والتحكُّم بالهجرة ورسم سياسة واضحة لها يحتاج الى قرارات سياسية عليا. وأعتقد بضرورة فتح الهجرة الى البلد من الاقطار العربية وخاصة الخليجية منها. ومن الضروري تحديد سياسة الدولة بالنسبة للهجرة قبل البديء باعمال التخطيط الوطني والاقليمي وتخطيط المدن، لكي يعرف المخطّط لمن يخطِّط؟ ولاي حجم من السكان؟ ذلك لكي لاتكون مدن ومستوطنات المنطقة في المستقبل مسارح للاشباح. وقد ناقَشَتْ ندوة السكان والعمالة والهجرة في دول الخليج العربية التي عُقِدَت في الكويت أمور عدة منها تزايد اعتماد دول الخليج في تلبية احتياجاتها من الايدي العاملة المدربة وغير المدربة على مصادر غير عربية مما قد يمثل خطرا على التنمية العربية الشاملة في الامد البعيد.. ".

- "... لذا نتفق مع الرأي الوارد بتقرير بعثة البنك الدولي للانشاء والتعمير، بأن الامارات المختلفة وصلت الى مرحلة تحتاج الى تفادى الازدواج وضمان التوزيع الجغرافي المناسب للصناعات. ويمكن بواسطة التخطيط السليم للامارات الوصول الى تكامل اقتصادي أوسع نطاقا وأكثر تنوعا مما يمكن لكل امارة أن تبلغه على حده".

- "... وبشكل عام فان العمار القائم لايتجاوب مع الظروف المناخية: فتخطيطه متفرِّق ومنتشر على مساحات واسعة مما يُعرضه لقساوة الوسط الصحراوي المحيط. وعَمَارهُ غربي الطابع يخرج الى الخارج بواجهات مفتوحة وواسعة من الزجاج والالمنيوم؛ ويعتمد على الطاقة كليا... وبخصوص البناء العالي، فلم تكن مدن الامارات تعرف الى سنوات قليلة مضت مباني يزيد ارتفاعها على 2 - 3 طابق. في حين تنتشر الان العمارات العالية في جميع مدن الامارات. ... كما ان البناء العالي المشيد في البلد بعيد عن ملائمته للظروف المحلية. ...وقد أثَّر البناء العالي هذا على منظر المباني التراثية أحيانا، فلم يعد الناظر يتمتع بمنظر حي البستكية في دبي، أو بالابراج وبقايا القلاع والحصون الاثرية التي تُرِكَت دون اهتمام تخطيطي ".

- "... وبالنسبة للعلاقة بين التراث والمعاصرة في العمار فهي مفقودة تقريبا. حيث لايستند أغلب البناء الحديث على ايجابيات وروح منجزات التخطيط العمراني التقليدي المحلي. وقد تُستخدم " البراجيل " مثلا وهذا أمر جيد، الا ان هذا الاستخدام يقرب لبعث الشكل أكثر من المضمون. ... وبذلك نلاحظ بان التجربة التخطيطية المعمارية الحديثة في البلد أهملت أغلب، ان لم نقل جميع المباديء الجيدة في التخطيط المعماري العربي والاسلامي التراثي.
وأضحت المباني المشيدة بالكونكريت والحديد والزجاج والالمنيوم في مدن المنطقة رمزا للمدينة المعاصرة تشبُّها بتخطيط وعمارة الغرب التي لاتتجاوب مع الاوضاع المناخية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والجمالية لمجتمعاتنا العربية والاسلامية".

- "... لذا على المعنيين، مخطِّطين ومعماريين، الاستفادة من تراث الماضي، ومن اخفاقات التجربة الحديثة في عملهم القادم وتجاوز ذلك نحو عمار وظيفي ومريح وجميل من شأنه الاهتمام بالنوعية العالية وتوفير الراحة للسكان والاموال للدولة". "... وبهذا الصدد فقد تعرَّضنا لموضوع " التراث والمعاصرة في العمارة " ببحث نشرناه بجريدة الاتحاد بتاريخ 1 و 5 نوفمبر 1978 - أبو ظبي ".

- "...إن اختيار موقع المدينة، هو العنصر الرئيسي في نجاحها أو فشلها. كما ان ضمان صحة جيدة للانسان هو أهم عامل في اختيار الموقع؛ وكذلك التكلفة الاقتصادية. فالاختيار غير المناسب للموقع يؤدي الى تبديد المصادر المتوفرة وخاصة المالية منها؛ بينما يوفر الإنتخاب الصحيح أموالا جمّة، وأحسن ظروف بيئية لعمل وسكن وراحة السكان".

- "... إنَّ الإعمار الخاطيء، وخاصة حين يأخذ حجما استراتيجيا: كأن يتعلق باختيار موقع مدينة، او نوع وحجم الصناعة وغيرها من الوظائف، وانتخاب أنواع المساكن، وتوجيه شبكة المواصلات، وأفكار توزيع المساحات الخضراء ..الخ يستنزف التمويل ويكون عائده المادي والمعنوي ضعيفا مما يجر معه أفدح الاخطار على اقتصاد ومستقبل البلد وسكانه. فالعمار باهظ التكلفة، والتمويل الضخم في عمار خاطيء أو دراسة ضعيفة سواء كان إسكانا أو مبان ومنشآت عامة أو بُنْيَة تحتية... الخ.. يستنزف عوائد الدول النفطية، ويضيِّق الخناق على باقي مجالات التنمية، وخاصة المشاريع المنتجة لما بعد مرحلة البترول ".

هذا بالاضافة الى ان كثيرا من عقود البناء والتشييد لاتُنَفَّذ مواصفاتها تبعا لنصوصها الاصلية، بل يتم تغييرها أثناء عملية التنفيذ، وذلك للتحايل على العقد بهدف تقليل الكلفة وزيادة الأرباح؛ مما يؤدي الى الإضرار بسلامة العمار.

كما ان كثيرا من التقنيين الذين يُنجزون الاعمال الهندسية الداخلية من إمدادات الماء والكهرباء والمجاري وتبليط الارضيات وأشغال النجارة وغيرها، لايتمتعون بكفاءة تقنية عالية، لكن الاعمال تُسند اليهم لقلة الاجور التي يتقاضونها. لذلك ليس غريبا ان بعض العمارات ذات الطوابق المتعددة يتم انجازها في ثلاثة أشهر!

وسنتسائل في مقالات قادمة، ان شاء الله: ماهي الدروس التي استفادت منها الامارات من تجربتها المتقدمة؟ وماالذي تغيّر نحو الافضل في التخطيط المعماري بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على نشر هذه الملاحظات وغيرها؟
www.al-jadir-collect.org.uk jadir959@yahoo.co.uk

 

 

 

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved