الرواية تدور أحداثها في المغرب ما بين جبال الأطلس الكبير ومدينة مراكش ومدينة الرباط . باستثناء انفلات  تقع فيه الساردة  حين ينتقل حديثها إلى فرنسا ومدينة روان . هي حكاية بنت عمرها أربع سنوات تكاشف عوالم غريبة عن عوالمها المألوفة . منها اللغة والشخوص والبناء المعماري و... تحكي عن  تاريخ المغرب  الضار والنافع، ابتداء من العقد الأول من القرن العشرين. تنقل أخبارا  سجلتها الذاكرة أكثر مما وثقها التاريخ .

الروائية تملك مرجعية تاريخية ثرية تبرز في نسيج حكائي يدل على سعة الاطلاع والتمكن من فن الصياغة ومن إتقان طرق البيان  . يشعر معها القارئ(ة) أنها باحثة أكاديمية تستثمر حصيلتها التاريخية لشحذ  موهبتها فتسعفها القطع السردية  في صياغة منتجها الأدبي" محطات من حياة امرأة . ذلك ما يسر للقارئ(ة) التعامل معه في يسر وان تعذر عليه  الأمر أحيانا كان صبره جميلا وهو يكاشف التاريخ الذي لم يتيسر له معرفته  في الثانوية ولا في الجامعة . حفظته ذاكرة الروائية  إلى أن  تسرب داخل القطع السردية في يسر . الساردة  لا تتوخى الاضطلاع بمهمة المؤرخ المدقق للكشف عن معلومات، وإنما تحرص على الانطلاق من وعيها الحاضر لتعيد قراءة الحدث في مثل " الحكاية 3" في ضوء الأسئلة الراهنة : التعايش، الحوار، الاختلاف ...

البطلة " طاهرة "انتصار لإنسانية الإنسان . تغازل الفضاء المغربي بطرق فنية رائعة، وذلك من خلال تعايشها واندماجها  مع ثقافة الشعب من ساكنة مدينة الرباط، مع  الارتداد إلى  فترة  الاستعمار الفرنسي، مما يجعل القارئ(ة) قريبا من  الأحداث، قربه من قرية  توغل في جبال الأطلس الكبير حيث ميلاد الطاهرة   .

تحضر الذات الأنثوية  في السرد عند الكاتبة . وذلك من خلال الواقع الذي تكسوه مسحة من الخيال الرحب . تتسرب إليه أحيانا أكذوبة لتشكل أسطورة جميلة. وهذا يدل على اهتمام بالغ بالبناء الفني  وطرائق السرد، مما ينتج  المعرفة والمتعة عند القارئ(ة) . هنالك تنسج  حكايات تتناسل  في مكر وغواية أنيقة . وتمثل تمظهرات  امرأة  مثقلة بالكوارث المقدسة والمدنسة، بحسب لعبة التذكر. 

عند قراءة المتن السردي " محطات في حياة امرأة " يتبادر إلى الذهن هذا السؤال:

- لماذا هربت الدكتورة ثريا لهي من متابعة البحث في الأعمال الأكاديمية التي حققت فيها  دراسات وأعمالا ناجحة لتلج  جنس السرديات  ؟

 قد لا يكون هذا السؤال غريبا، فقد ولج قبلها آخرون فضاء الرواية والمسرحية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: محمد عزيز الحبابي،  عبد الله العروي،   ربيع مبارك، بنسالم حميش، محمد برادة، أحمد العلوي ...  وغيرهم كثير . ثم ها هي الدكتورة ثريا لهي تلج فضاء السرد الروائي لتلحق بهم .    لعلها أرادت أن تتحرر من العمل  الأكاديمي الثقيل  ... إلى الرواية  التي تعتمد على السرد وتنسج موضوعها بخيوط التمثيل والوصف والتلقائية وتوصل الفكرة بطريق أقصر وتقدمها في حلة أجمل، فيها الخيال والتصوير والحركة والتفاعل والشخوص . كل شيء يؤثث فيها بأناقة وبهاء. يختفي فيها الواقع الذي تنسجه الساردة  ويتجلى  خيال القارئ(ة)   فيلامس أكذوبة جميلة ناشئة فيه  . 

"محطات في حياة امرأة" هي حيوات عدد من الشخوص- الطاهرة - نجمة- عيشة- رحمة- عبد الله- محمد-احمد- الحسين - دادا الياسمين - الباشا الكلاوي- إبراهيم-أم كلثوم- فاطمة-زينب سيف الإسلام - علي- أم الخير- أم الغيث- عبد الوهاب- عبد المنعم -مجيدة- عبد المولى-... وتظل " الطاهرة " البطلة التي تتمحور حولها الرواية . يتعرف عليها القارئ-ة- في  صفحة50  صفحة " طفلة عمرها أربع سنوات، يتيمة تبتعد عن أرضها، لغتها، أهلها " الحكاية الخامسة، الغربة وقلة الولي " صفحة 47"، ولدت في ارض زعموا أنها أرضها  . الطاهرة ولدت أميرة في بيت عز والديها، ثم يموت الأب وتموت الأم وتبقى بنت أربعة أعوام وعليها أن تقطع دروب الحياة وحيدة." صفحة 154" تركها في  مراكش بنت أربع سنوات"

الطاهرة طفلة وشابة تقاوم عدة قضايا تواجهها بصبر وشجاعة منها :

 قضية الأرض - الوطن ، الهوية صفحة  47" زعموا أنها أرضها"

قضية الأعمال المنزلية الشاقة عند الأطفال: صفحة 113 "ذهبت إلى الخزانة وأخذت الكيس فقامت أم كلثوم وفاطمة ووضعت كل منهن كيسها أمام الصغيرة، نظرت باستغراب وحملت الغسيل وصعدت إلى السطح ولم تنزل منه الا بعد ما نشرت الفوط الصحية على الحبال وهي تشع بياضا " . صفحة 134" تمرر الصغيرة - الطاهرة - يدها بالمكنسة فتتهاوى خيوط العنكبوت وذرات الغبار والتراب "

قضية  الطلاق: صفحة 21" سيدي العدل جئت لتطليق زوجتي

التمييز بين الولد والبنت  صفحة 148 " بالزغاريد يعرف الناس نوع المولود فالبنت تطلق عليها زغرودة واحدة والولد يطلق عليه ثلاث زغاريد"

الروائية منفتحة على الواقع في تشاكل وتناقض لا تقوى على بيانه إلا روائية ماهرة، يتجلى لنا ذلك في حسن  نبشها  في أغوار الذات الأنثوية في تواصل ذكي مع  التراث والثقافات المحلية بين مراكش والرباط وروان، وفي سبك الأحداث واستبطان الشخوص والاقتراب من الحيوات في صفاء وحب، نستنتج أن المغاربة انصهروا منذ عهود توغل في القدم، مع كل الأجناس البشرية التي وفدت على بلد المغرب . وأن الطاهرة الشابة  كاشفت هويتها أنها إنسان  وهي في الحمام تمسك بصبية تغسل جسدها، لم تسأل أمها عن قبيلتها ؟ لأن  الإنسان هو الإنسان بلا زيادة .

تتناص داخل المتن السردي شخصيتان أساسيتان تغلب أحداهن على الأخرى وهي نجمة والطاهرة . تتجلى موهبة " نجمة" -التي هي  الكاتبة - بحضور مكثف مع ارتداد إلى الماضي مما جعل موهبتها السردية تنبثق منذ  المرض اللعين الذي تعرضت له وخزنته في ذاكرتها صفحة 36 "هذه أنا "  هذه اللحظة التي تتناص فيها شخصيتان أساسيتان هما "طاهرة" و" نجمة" . هذه الأخيرة خزنت لحظة عصية على الذاكرة، منذ  المرض الذي تعرضت له الطفلة نجمة بنت الطاهرة  .    

"    الانفلات إلى نجمة  .  

وظّفت الكاتبة الكثير من الوقائع والمحكيات في داخل المتن السردي لغاية تمس أسئلة الوجود الفردي، كمرض الطفلة وهي تصارع الحمى . قوى خارجية ترغمها على التذكر بعد سنين عديدة، لتبرير علاقتها ب  الآخر " الاستعمار الفرنسي" القائم بين "الرباط" و"روان" المدينتين المتعارضتين، لتشكل حوارا إنسانيا بعيدا عن الإكراهات الحاضرة في زمن الإرهاب .

التقابل والتماثل الحاصل بين القطع السردية

  إفريقيا، المغرب، الرباط، البيت الكبير، الصالة الفسيحة . أوروبا، فرنسا، روان، كارفور، مطعم  . 

حركة في الصالة . صمت في المطعم المقابل

 

وتماثل وتقابل شابة نجمة طفلة نجمة . 

وهذه الحكاية الثالثة عبارة عن صندوق اخباري داخل صندوق مماثل يذكر بسيمياء " كلود بريمو"

 1 -  حي " ليبادا  " صفحة 29

2-  "  كارفور" صفحة 33

3- "الأسواق" صفحة 33

4-" مطعم" 34

 هذه الأماكن الأربعة ساعدت على حركية لعبة التذكر "فجأة تجلى لها مشهد" صفحة 35، هذا هو بيت القصيد وهو آخر صندوق تبحث عنه الساردة في ذاكرتها المنسية" في لحظة إشراق بدا لها المشهد بكل تفاصيله الدقيقة "

" هذه أنا "

لا شيء يكتب عبثا في هذه الرواية . كل قطعة سردية لها دلالتها، الساردة  تتقصد  تسريب بعض الحوارات في لعبة الحركة   لتخرجنا من الصمت والسكون. في بناء فني بارع . 

الحوار بين الآخر الأجنبي  الحافلة صفحة 32"- لن تكوني في حاجة لذلك سيبدو لك الاسم  جليا لأنه مكتوب بخط كبير يرى من بعيد    "

 في مركز التسوق السيدة الأسيوية صفحة 34"- هذه ثمنها عند الأداء إذ لا تحسب بالوزن  لكن بالعدد ..   "

الحركة في البلد الآخر  المشي صفحة 29- 30"خرجت من حي لبليادا في مدينة روون بفرنسا وعبرت الطريق متجهة يسارا أمامها غابة يستعملها الساكنة للمشي... وهي تسير تشاهد...واصلت سيرها ..." .

مواجهة التكنولوجيا وتطورها في البلد الآخر  صفحة 33" تضع مشترياتها في الميزان الذي يدفع لها تذكرة عليها الوزن والثمن "توظف أحداثاً ووقائع ومحكيات لطرح أسئلة تمس الوجود الفردي في مثل مرض الطفلة " المرض "، وهي تصارع قوى خارجية ترغمها على الاختيار لتبرير علاقتها بين الرباط وروان لتحيلنا على  فترة الاستعمار الفرنسي وفترة ما بعد الاستعمار وذلك في. . نجمة " طفلة " الرباط . نجمة "أكثر من ستين سنة " روان. التماثل والتشاكل القائم في مجمل القطع السردية يدل على الوحدة الإنسانية التي تهدف منها انتهاء الحرب وهو الإرسالية الواضحة في المضمون السردي للمتن الحكائي .

 حضور التاريخ تاريخ المغرب ما قبل الاستقلال  " قضيت أكثر من ستين عاما "- المغرب - صفحة 36 جاء من اجل إضاءة  الحاضر وإعادة قراءة التاريخ ، والمساعد هو وجودها في البلد الآخر "خرجت من حي لبليادا  "- فرنسا- 

القطع السردية في الحكاية الثالثة تشكل نوعا من التطهير، الساردة  تطهرت من الأسطورة  في شكل جميل نافع صفحة 35 -36" .. فترى  الطائر يقترب منها، تمسك المرأة السمراء بجناحيه وقد طوتهما في يدها اليسرى، منقاره يكاد يصل إلى وجهها، ترتعش من الخوف والحمى، وتمسك أمها بيدها تقول شفتاها شيئا لكن أذنيها لا تسمعهما، أبرزت المرأة يدها اليمنى وقد أمسكت سكينا وفي لمح البصر غرزته في عنق الطائر وشقت به بطنه، وفي خفة وضعته حول عنق الطفلة حرارة الدم وهو ينزل على عنقها غطت على حرارة جسمها من الهلع والضعف استسلمت فلم تفتح عينيها وراحت في غيبوبة" . هذه الحقيقة التاريخية جثمت على جسد الطفلة نجمة  سنين عددا ما قبل الاستقلال، وما بعد الاستقلال خرجت على شكل أسطورة إلى الواقع  في جمالية سردية ومكاشفة بليغة .

الدكتورة لطيفة حليم 

 باحثة جامعية وروائية