"الأشياء كلّ لحظة في خلْقٍ جديد.
الطبيعة جَوْهرٌ سَيَّال،
والكل مُتَوجّه نحو الغاية المطلوبة"
(الملا صَدْرا الشِّيرازي)
روميو وجولييت حُبّ خالص.
و"مسرحية روميو وجولييت" هي الكلمة حين تصير تجسيداً إنسانياً خالصاً.
وعندما تُطلُّ على "الفصل الثالث" منها، حيث يقوم "القس لورنس" بإبلاغ الشاب العاشق، قرار أمير "فيرونا" بنفي روميو خارجها، ستجد شأناً كريم التشخيص في الكتابة، وستدفع في شأوٍ بعيد في الأخلاق.
وأزعم أن المعذبين بحب أوطانهم، وهم فوق أديمها أو بعيدين عنه، لن يبلغوا تلك المعاني العميقة التي أنجزها شكسبير، وهو في الثلاثين من عمره، حين تم عرض هذه المسرحية على الجمهور سنة 1597.
لنقرأ، كما لو أننا نرى المشهد بقلوبنا، ولنره مثلما نمسك بقلوبنا الآن:
القَسّ لورنس: تقدَّم روميو. تقدَّم أيها الرجل التَّعس.
إنَّ الغَمَّ ليحبّ خلالك، وها أنتَ ذا قَدْ اقْترنتَ بالشَّقوة.
(يدخل روميو)
روميو: ما الأنباءُ يا أبتِ. ما قرارُ الأمير؟
أيّ حُزْنٍ جديدٍ يريدُ أن يَتَعَرَّفَ إليَّ، ولم أعرفهُ بعد؟
القسّ لورنس: إنَّ ابني العزيز لَشديدُ الألْف بهذا الرفيق المرّ؟
إني أحمل إليك قرار الأمير.
روميو: ما أظُنُّ إلا أنَّهُ القضاء الأخير.
القس لورانس: إنه قضاء أخفّ من ذلك الذي انفرجت عنه شفتاه.
لس هو موت الجسم، إنّما هو نفي الجسم.
روميو: آه النَّفي!، كُنْ رحيماً وقُلْ إنّهُ الموت.
فإنّ النّفْي أبْشَعُ مَظْهراً من الموت.
لا تَقُلْ النَّفْي.
القسّ لورنس: إذَنْ فَمِنْ هنا. من "فيرونا" أنت مَنْفِيّ.
فاصْطَبِر، فإنَّ الأرضَ عريضةٌ واسعةٌ.
روميو: لا أرْضَ وراء أسوار "فيرونا".
إنّما هي الأعْراف، أو العذاب، أو جهنَّم نفسها.
إنَّ النّفْي من هنا، نَفْي من الأرض كلّها ،
والنَّفْي من الأرض هو الموت، فالنَّفي،
إذن، هو الموت الذي لم تُحسِن تسميته.
أنّتَ حين تسمْي الموت نَفْياً، إنّما تضرب عنقي بفأسٍ من ذَهَب.
وتبسم للضرّبة التي تُميتني فيها.
* * *
لا يعرف الحبّ إلا من يكابده.
ولا يعرف النفي إلا من احْتلَ وطنه؛
والذّل والعار هو الوسم على جباه الذين ارتضوا مصافحة محتليّ بلدانهم.
جمعة اللامي
الشارقة : 18 ـ 9 ـ 2012