الإيروتيكيّةُ مفهومًا- مبعثا وتاريخًا (1)

2010-05-24
*هل اللّغ//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/2e203392-925d-415d-8ba6-588a895749e3.jpeg ةُ الإيروتيكيّةُ هي لغةٌ مستحدَثةٌ، تحملُ نسَقًا ثقافيًّا جديدًا ومُغايرا؟ وهل تأتي الكتاباتُ الإيروتيكيّةُ العربيّةُ في تفاصيلِها الدّقيقةِ على نسقٍ غربيٍّ وأوروبيٍّ حديثٍ؟ هل خلا تاريخُ الأدبِ العربيِّ من أدبِ الجنسِ والوطءِ والشّذوذِ واللّواط؟ هل ثقافتُنا ترفضُ الأدبَ الآيروسيّ، وتتناولُهُ كمحظور اليوم؟ هل هناكَ فروقُ تمييزٍ بين الثّقافةِ الجنسيّةِ والبورنوغرافيا؟ وهل الإيروتيكا لغةٌ صفراءُ هدّامةٌ، أم خضراءُ بنّاءة؟ وما هي مقاييسُ تقييم النّصّ الأدبيّ، إيروتيكيّته، أو صوفيّته، أو طُهرُه أو موهبتُه، أو دوره التّوجيهيّ ومهمّته التربويّة، أم.....؟ وهل وزنُ الإبداع بتشكيلاتِهِ؛ كلمةً- رسمًا- نحتًا- صورةً- أعلى مِن الأخلاق، أم موازيًا، أم أوطأ؟
مبعثُ كلمةِ إيروتيكيّة؛ آيروسيّة/ ومعناها:
آيروس في الميثولوجيا الإغريقيّةِ هو إلهُ الحُبِّ والرّغبةِ الإباحيّةِ والجنس والخصوبة والسّعادة، وكانَ ملازمًا لأفروديت أمّه، وراصدًا لتجلّياتِ الجنسِ عبْرَ الحضاراتِ البشريّةِ، فصُوّرَ أعمى لا يرى عيوبَ المعشوق، أو بجناحيْنِ في زرقةِ السّماء، أو عازفًا على قيثارة، أو ممتطيًا ظهْرَ دولفين، كما ظهرَ في الفنِّ القبطيِّ والمصابيح.. والكلمةُ إيروتيك erotic مشتقّةٌ مِن الكلمة eros؛ أي جنسيّ وشهوانيّ، يُماثلُهُ في الميثولوجيا الرّومانيّة كيوبيد، والمحاورُ الّتي تدورُ في فلَكِها الآيروسيّةُ هي: الرّغبةُ الجنسيّةُ العارمةُ والجامحة، والجسدُ والانتشاءُ ما بينَ خمرٍ ومُجونٍ طائشٍ، وتجاربُ جنسيّةٌ عابثةٌ ظامئةٌ، تتلوّى على وترِ الشّرهِ والافتتان.
تاريخ الإيروتيك:
الإيروتيك ومنذُ عهدِ الكهوف والأساطير، هو جزءٌ مِن الثّقافةِ العتيقةِ، والّتي تنطوي على مُجملِ الفِكرِ بشرائعِهِ وعاداتِهِ وتراثِهِ المكتوبِ والشّفهيِّ والمُصوَّر، والّتي تناولَها المفكّرونَ والمبدعونَ شرقًا وغربًا، فالأساطيرُ بوحشيّتِها العنيفةِ الضّاريةِ، وبأشعارِها الفاحشةِ وحكاياتِها الشّبقةِ، ولوحاتِها الجداريّةِ الجنسيّةِ الماجنةِ، كانتِ الشّاهدَ على الظّروفِ التّراجيديّةِ والطّقوسِ الحياتيّةِ لتلكَ العصور، الّتي لا يُراودُها أيُّ إحساسٍ بالذّنبِ أو الخطأ، لعدمِ تمييزِها بينَ البهجةِ والفزعِ آنذاك!
ثمّ تبلورتْ فكرةُ الإيروتيك في العصورِ الحديثةِ ما بعدَ عام 1300 م، في التّماثيلِ الإغريقيّةِ ولوحاتٍ تصويريّةٍ لمايكل أنجلو وليوناردو دافنشي، فانتقلتِ الآيروسيّةُ الإغريقيّةُ اليونانيّةُ إلى الإمبراطوريّةِ الرّومانيّة، ومِن طورِ الحيوانيّةِ الغريزيّةِ الشّبقةِ والنّشوةِ الفزِعةِ، إلى طوْرِ الافتتانِ بأعضاءِ الجسدِ والفرح الآيروسيّ، فعجّتْ جدرانُ البلاطِ الرّومانيِّ البورنوغرافيّة، وغرفُ نومِ الإمبراطور، بلوحاتِ المومساتِ للرّسّام اليونانيِّ بارازيوس، ولاحقًا اختفتِ اللّوحاتُ وطُمِرتْ بينَ رُكامِ الإثمِ والفزع، لماذا؟ هل كما يقول أفلاطون: "الفزعُ أوّلُ هديّةٍ يُقدّمها الجَمال"؛ جمالُ التمييز والإداراك والتقييم؟
عادَ التّنقيبُ عام 1763 ليُظهرَها ثانيةً في "ديوان اللّقى الدّاعرة"، في عهد غاريبالدي، تحت مسمّى "مجموعة البورنوغرافية".
في الأدبِ الهنديّ "كاما سوترا"، أي عِلمُ الحبِّ والعشقِ الإلهيّ! ظهرتْ في فترةِ الازدهارِ الثّقافيّ، بينَ القرن الأوّل والسّادس ب. م، ووضعَها الفيلسوف فاتسيايانا، وهي نصٌّ هنديٌّ قديمٌ يتناولُ السّلوكَ الجنسيَّ لدى الإنسان، وكلمةُ كاما تعني الحبَّ والرّغبةَ، وكلمةُ سوترا تُشيرُ إلى سلسلةٍ مِن الحِكَمِ، حيثُ يتضمّنُ نماذجَ مِن أوضاعٍ جنسيّةٍ كانتْ تقدّمُها البغايا في المعابدِ الهندوسيّةِ، حيثُ الجنسُ عُدَّ جزءًا مِن طقوسِ العبادةِ في ذلك الوقت.
في الأدبِ الصّينيِّ الكلاسيكيِّ ظهرتْ روايةُ "اللّوتس الذّهبيّ"، للمؤلّف وانغ شيه-شنغ، كأشهرِ روايةٍ آيروسيّةٍ صينيّةٍ حولَ الحُبِّ الجسديِّ، وأنماطِ نشاطاتٍ جنسيّةٍ بأسلوبٍ تصويريٍّ دقيق.

أمّا تاريخُ الكتاباتِ العربيّةِ، فمنذ الأدبِ الجاهليِّ احتوى الكثيرَ مِن الآيروسيّةِ بجرأةٍ فاحشةٍ، في زمن الجاحظِ والتّوحيديّ وابن حزم، وألف ليلة وليلة، والتّيفاشيّ والتّيجانيّ والإمام السّيوطي المتوفّى عام 911 للهجرة كتبٌ جنسيّة، والنّفزاوي الطّبيب الفقيه مؤلّف كتاب "الرّوض العاطر في نزهةِ الخاطر"، وهناك موقع ألكترونيٌّ مستوحًى مِن شخصيّةِ هذا العالِم المغربيّ، وهناكَ كتبٌ فقهيّةٌ لم تَخْلُ مِن معالجاتٍ جريئةٍ لمواضيعَ جنسيّةٍ بحتة، كآدابِ النّكاحِ وأنواعِ الجنسِ وأوضاعِهِ، ومُعلّقةُ امرئ القيس تحتشدُ بالكثير مِن الألفاظِ الفاحشة، وأبو نوّاس في شعرِهِ الآيروسيِّ، والعقد الفريد للرّاغب الأصفهانيّ تضمّنَ رواياتٍ جنسيّةً وصورًا جنسيّةً وكلماتٍ أيروتيكيّةً كثيرة، وقد اختفت الكتاباتُ والألفاظُ الصّريحةُ بعدَ ذلك.
*وعودةٌ متسائلةٌ لتلكَ العصور؛ هل كانَ ذاكَ المجتمعُ أكثرَ تسامحًا، وهل كانتْ أمورُ الحياةِ تُناقَشُ بحرّيّةٍ واستفاضةٍ أكبرَ ودونَ تورّعٍ أو تهيّبٍ، أم أنّ هناكَ حساباتٌ أخرى قامَ عليها ذاكَ الانفتاح آنذاك، مَردُّهُ الاستفادةُ لا الإثارة؟
*إذًا؛ لماذا تقلّصَ وجودُ الإيروسيّةِ مع نهايةِ القرن التّاسع عشر في ثوبِها الضّيّقِ المحدودِ، ثمّ عاودتْ ظهورَها والجنسَ الضّبابيَّ والمكشوفَ في الرّوايةِ بالقرنِ العشرين؟
*أليسَ هناكَ لغةٌ بمبناها ومعناها وإبداعِها الفنّيّ، عبّرتْ عن بشاعةِ الواقع والظّواهر السّلبيّةِ، وعن الجسدِ بما يختلجُهُ مِن مشاعرَ إنسانيّةٍ، بلغةٍ ساميةٍ راقيةٍ، وبلغةٍ متواريةٍ وبإشارةٍ عابرةٍ لا تخدُشُ الحياءَ، كما فعلَ ماركيز، وغسّان كنفاني، دونَ أن يخوضا في تفاصيلِ وصْفِ العلاقةِ والمضاجعة، إلاّ بأسلوبٍ مرهَفٍ دونما إسفافٍ، ودونما استعمالٍ لكلامٍ مؤذٍ للبصرِ والسّمع والذّوق والحواسّ؟
*هل بالإيروتيكيّةِ مرجعيّةٌ حقيقيّةٌ لانحطاطٍ وجوديّ، ولواقعٍ همجيٍّ مقشّرٍ من إنسانيّتِهِ، وعارٍ إلاّ مِن قيَمِهِ المزيّفة وتناقضاتِهِ الهستيريّة؟
أهو نوعٌ من التّوْقِ الجارفِ للتّحرّرِ مِن ثِقلِ المكبوتِ التّاريخيِّ الرّازخِ على فِكرِ المرأةِ والرّجل معًا؟
*هل الاستسلامُ الكلّيُّ للجسدِ الشّبقيِّ وفتنتِهِ وغوايتِهِ القاتلةِ، يُقدّمُ للكاتبِ وللمجتمعِ الدّفءَ والحنانَ والاحتماءَ الوجوديّ، ويوفّر الأمانَ والإحساسَ بالحياةِ الحقيقيّةِ الفاضلةِ، ويَصنعُ الحياةَ بشخصيّاتٍ سويّةٍ تعي واجباتها وحقوقَها في إعادةِ التّوازن؟

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved