مع إنتشار ضوء النهار في الزقاق الطويل والذي ينتهي ببيته قرب النهر وبالسدرة الكبيرة التي بنى أبنه (عبد الأمير) برجه الأثير بين أغصانها والذي يقلق من خلاله سكان المنطقة في أوقات القيلولة، خرج السائق (الحاج عطية) من البيت تتأرجح في يده (علاكة) من القماش تحوي على (بنطلون) العمل وهو المعتاد والمصّر على لبس (الدشداشة) بالرغم من القرار الذي إتخذته الحكومة بمعاقبة كل مَنْ لا ينصاع للقرار والذي جاء بما يعني :على جميع سائقي سيارات الدولة والحمل ونقل الركاب إرتداء (البنطلون) أثناء ممارسة المهنة ومَنْ يخالف يعرّض نفسه لعقوبة السجن، ومع علم الحاج بأن الطريق خالية من نقاط التفتيش سوى نقطة (أبي فلوس) ولا وجود لدوريات مرورية إلا ما ندر فالإحتراس واجب لذا وضع (العلاقة) تحت ( الكشن) تحسباً للطوارئ.
كان ذلك في السبعينات من القرن الماضي، وقتها كان الحاج عطية يملك سيارة (شفرليت) موديل (48) وهو من أوائل الحاصلين على إجازة السوق العمومية ولكون لم تُسَجل ضده أي مخالفة مرورية فقد ظهرت إشاعة مفادها إن المحافظ ( محمد الحياني) سيكرّمه في ديوان المحافظة وبموجب التكريم سيحصل على وسام وسيارة جديدة، لم يحصل هذاـ طبعاً ـ والرجل الذي تجاوز عمره الثمانين وهو وراء مقود السيارة في أيام الصيف الحارقة وأمطار الشتاء التي حولت طريق المرور مزلقة، فكم مرة إضطر ليغلق أو يفتح باب السيارة لراكب عصي عليه فتحه أو غلقه وأبواب السيارة بما فيها باب الصندوق الخلفي كثيرأ ما تنفتح أثناء السيرعلى المنحنيات أو المطبات وما أكثرها على الطريق بين الفاو وأبي الخصيب.
وحين يترك (الحاج عطية) سيارته فترة القيلولة في الساحة، يعتلي الصبيان غطاء المحرك ويمتطون سقفها وحين يلمحونه قادماً يتزحلقون فارين كالأسماك الصغيرة حين تفاجئها (السلّية) شبكة الصياد إلا (خويلد بن بتيّه) فبعد أن عدّل من هيئته ومسح أنفه بباطن كفه وقف قائلاً:(عمو الشايق ..عمو الشايق الفروخ ركبوا عالشيارة)، ومن دون أن يرد عليه سوى بإبتسامة خفيفة .. يتوكل على الله ويدخل سيارته بعد أن عالج الباب بـ (مَفَك البراغي) القديم.