جبار...!
في طفولته كان يحلم بسرير مثل الأطفال وفي صباه بدراجة خضراء ( ماركة روج ) كدراجة إبن الجيران، وحين إبتدأ يافعاً وجِهت إليه لكمة حرّكت أسنانه وأبصرته دمه فوق يد أحد تلاميذ صفه ومع الوقت هجر المدرسة وأنخرط مع( الشلة التعبانة ) رقص في حفلات الزواج..خمر وقمار وو..وإستمرت المهزلة، ومع إنّ أيامه تمضي وأحلامه القديمة تتبخر إلا إنه حين ينزع حواسه من هذا الصخب ويركن إلى قلب الليل الوحيد وبإبتسامة لا يعرف مغزاها يعيد حساباته ويقرر شيئاً، وعندما تنغلق بوابات الليل ويبدأ صباح جديد يجتاحه الغم والهم وتظل روحه عاجزة ولا تقوى على إزاحة ذلك.
إنه الحظ العاثر والذي يتجه بي نحو المجهول، هكذا كان يقول، حتى إلتقاه أحدهم وفاجئه بالقول: عليك أن تبني حياتك من جديد!، أجاب: وكيف!،
ـ لن تتسمم حياتك بعد اليوم والليل كفيل بذلك.
لم يفهم ومع ذلك أجاب بحزم،
ـ إثنان لا أقربهما، السرقة والتهريب.
ـ لا هذه ولا ذاك، تلبس وتتأنق وتقف أمام باب الملهى، تتعرف على أصحاب المحفظات المنتفخة وتُلقي بمن يشاكس خارجاً، تنام نهارأ وتسهر ليلاً، غرفتك في الفندق المقابل للملهى مدفوعة الإجرة وفي الوقت نفسه عينك على (فنانات) الملهى واللآئي يسكنّ في الفندق نفسه.
ومع تطورات الوضع العام بين الأمل والهزيمة والممتلكات المباعة لسد رمق الحياة ظهرت على السطح الحملة الإيمانية بقيادة المؤمن بالله، عاد (جبار) إلى قريته منبوذاً!.
أحد أبناء القرية والذي يعمل سائق إسعاف بوحدة الميدان الطبية والمتمركزة عند خيط البر سرّ بإذنه ولكونه أصبح من عشاق الليل فعمله الجديد لا يحتاج إلا قلب ميت وبطانية و(تورج) وبندقية أوتامتيكية مخبأة تحت الثياب ،يخرج مرتين في الإسبوع إلى البر عند غروب الشمس وينسحب عند خيوط الفجر.
بعدها بأسابيع تجمد صوت (جبار) على الرمال ليظهر في ذاكرة القرية مثل كل الأشياء الباطلة، غير إنّ أسمه الغائب الحاضر ما زال يرن قرب مرسى
الزوارق بجانب مشروع إسالة الماء القديمة في (اللباني)، حيث المد الذي لن يتوقف وهو يدفع بالزَبد وبقايا القصب والزيت العالق وروائح بقايا الأصداف والقواقع ورمل الساحل.
قيل إنّ أفعى لدغته أو ذئاب إغتالته بل زادوا في ذلك بقولهم إنه وبالتواطئ مع سائق الإسعاف سرق(الحلال) وعبر البادية إلى غير رجعة.