صورة من الحجم الصغير بملامح باهتة إلا إنها كانت لا تنقصها هيبة رجل عصري .. صديق سفر وأنيس رحلة تبدأ بعد الفجر على ظهر ( الدردبيس) العائد لشيخ خزعل أمير المحمرة وهو يمخر عباب الشط في الطريق إلى جنة عدن .. يلتحق بهم أحد مشايخ المنتفك.
صاحبنا الذي عرف أسرار النجوم وتواريخ الأسرارالنائمة في بطن الهور والذي كانّ حارساً أميناً وصندوقأ مغلقاً لكل ما كان يدور على ظهر (الدردبيس) بإستثناء القليل الذي تساقط من نافذة روحه المفتوحة على المرح أحياناً.
خبر الدنيا بعد أن أكلته السنون، هاهو مستوحد مطمئن لا يلتفت لمن حوله بل تلهيه مكتبته الكبيرة والعامرة بكل صنوف المعرفة، فَرِحٌ لما وصل إليه من حضوة لدى العامة وصوت مسموع في سوق الديرة ومختار لقرية (باب سليمان).
بإيقاع هادئ ينقل (محمود التماري) مختار قرية باب سليملن خطواته الواثقة بين داره الواقعة في (باب دباغ )إلى المقهى التي إعتاد أن يحتل أحد جوانب تخوتها وهي مقهى(حميد)والتي تحتل هي الأخرى الزاوية اليمنى من مدخل سوق أبي الخصيب من ناحية الشارع العام، وكلما إزداد عدد رواد المقهى إرتفعت حماسة لاعبي (الدومنة) بضرب الصايات على وجه المناضد من (الفورمايكة) اللامعة والملونة، هذا في الداخل أما في
الخارج فقد صُفّت تخوت المقهى بمواجهة الشارع العام ، بعد لحظات يقترب (البيك)2 خلفه شرطيه (أبو زهرة) الجميع يقف والبعض يشير بكلمات الإعجاب إلا صاحبنا لا يقف ولا يعير إهتماماً وهذا ما أزعج (البيك) فأستدعاه إلى ديوان القائمقامية وحاول تقريعه لكن نظرات صاحبنا بذكائها الحاد نفذت إلى أعماق(البيك) فلجمت لسانه وحولته من تلك اللحظة إلى صديق لصاحبنا لا يأنس إلا بالقرب منه ولا يجالس غيره فقد كانت لا تطيب ليالي السمر إلا بوجوده حين يكشف عن وجهه الثقافي ، كان ذلك في نادي أبي الخصيب العريق أو في الدعوات المتكررة على ضفاف الشط أو في بساتين أبي الخصيب وما أكثرها يومذاك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ فصول من كتاب يصدر العام القادم ، إرتأيت نشرها على الموقع تباعاً.
2 ـ لقب أُطلق على قائمقام القضاء آنذاك.