مع علي السوداني في محنته
" اني أتَّهم"
( زولا )
في قضية الضابط الفرنسي اليهودي : درايفوس ، علق الجرس كاتب واحد، نعم كاتب واحد فقط ، هو : اميل زولا . فتكاتف الادباء والفنانون والمثقفون الفرنسيون ، واستطاعوا دحر الكراهية والعنصرية ، والانتصار لقيم الحرية الفرنسية ، وتبرئة درايفوس من التهم التي وجهت اليه .
كان ذلك في مقال واحد عنوانه : "اني اتهم "
نحن ، ادباء العراق وكتابه وفنانيه ، نستطيع ان نقف مع علي السوداني ، في محنته الحالية. عندما نحول قضيته الخاصة الى قضية كل واحد منا ، مهما اختلفت انتماءاتنا واهتماماتنا السياسية ، ومهما تعددت اعراقنا القومية .
الان ، في هذا الظرف بالذات ، وفي هذه القضية ذاتها ، وفي هذا المكان عينه ، اريد فقط ان يُحترم علي السوداني بكونه كاتبا عراقيا ، يقيم خارج وطنه ، في الاردن . وهو عبّر عن قناعته الفكرية ، وانخراطاته السياسية ، علنا ، وعلى الملأ ، وعلى رؤوس الاشهاد . سواء في عموده بجريدة الزمان ، او في الحانة التي يرتادها ، او المقهى التي يختلف اليها .
العلانية ـ ايها الزملاء الاعزاء ـ براءة وطهرانية .
والعلانية ـ ايها الاخوة والاخوات في الاردن ـ شيمة من شيم الانسان الحر. وخيار من اختيارات قدرة ثقافية ، هو علي السوداني ، في هذه الحالة ، لا يعدلهما الا علي السوداني ، حرا ، من دون اي عنت او ضنك ، وبلا اي رقابة على نزوعاته الضميرية .
اذا كان ثمة ذنب اقترفه علي السوداني ، فانه احب الاردن ، بعدما ضاق به وطنه ، وعبر عن قناعاته ، مكتوبة ، او مفكرا بصوت عال.
ان كل وصف خارج هذه " الحقيقية السودانية " ، يطلقه البعض ، فردا او مؤسسة ، ومن اي جنسية ، وفي اي ارض ، هو تعبير عن كراهية انسان ، وكاتب عراقي، اولا وقبل كل شيء.
انهاعدم التزام بميثاق الامم المتحدة ، وعدم احترام للائحة حقوق الانسان ، التي وقعت المملكة الاردنية الهاشمية ، على بنودها كافة ، علنا ، وعلى رؤوس الاشهاد ايضا .
فكيف يطرد السوداني من الاردن ؟
لقد اهتم العراقيون كثيرا بمهاجرهم ومنافيهم ، حين قدموا اليها مضطرين ومكرهين . حيث انخرطوا في انشطتها الثقافية والاجتماعية ، او تسنموا مناصب معلومة في وسائل اعلامها ، او قدموا خبراتهم الاكاديمية المتقدمة لمؤسساتها التربوية والتعليمية .
بل ان هذه الملايين العراقية بين الاردن وسوريا ، مثلا ، لها حضور قوي في مجتمعي البلدين العزيزين ، تمثلت على اكثر من صعيد اجتماعي واقتصادي وثقافي . واقول : بل ثانيا ، ان مدخرات العراقيين ، هي من مصادر الاقتصاد الوطني للبلدين الشقيقين ، فضلا عن تلك الهبات والقروض التي خرجت من الدولة العراقية ، الى الدولتين العربيتين ، على امتداد سنوات قرن او يزيد .
وفي حالات معروفة ، امتزجت دماؤنا في ساحات الدفاع عن الكرامة الوطنية .
فلماذا ينبري بعضنا لتخريب هذا السجل الشريف .
بل ، لماذا يريد موظف عراقي تخريب هذه العلاقات الاخوية ، عندما يخطيء مواطن اردني ويقتل مواطنا عراقيا ، في الانبار او النجف الاشرف ؟
ولماذا يتصرف موظف اردني ، بصرف النظر عن مقامه ، ضد علي السوداني ، في المخفر ، او على قارعة الطريق ، او في حانة ، وكأنه يجعل مواطنا عراقيا يكفر بالعروبة والاسلام ، ودفاتر العلاقات المشتركة ، وخطب الملوك والرؤساء ، وخطابات المفتين في المساجد؟
نعم . هذه هي الحقيقة .
انكم ، ايها الاخوة من المحيط الى الخليج ، تعملون على جعلنا نكفر بما حفظناه في اساتيذ تراثنا وحاضرنا ، عن تقصد وسبق اصرار .
نستطيع ان نضع امامكم ملايين الملفات . ونستطيع ان نبقى نعيد رواية قصص وحكايات في شان ما تعرضنا له في البلدان العربية ، من قبل جهات متعددة ، حتى خيل لبعض العروبيين مثلا ، ان المطلوب هو ان ينبذ العراقيون بلدان العرب ، وان يتنصل عرب العراق من انتمائهم العروبي ..!
لماذا تكرهوننا ، ايها الاشقاء ؟
لماذا طردتم فلانا وفلانا بطريقة ظالمة من اراضيكم ؟
ان صدورنا مثقلة باضخم الالام ، واننا نعيش الى هذه اللحظة ، كوابيس تلك السنوات التي امضيناها في سجونكم او معتقلاتكم .
نرجوكم ، انْ كفّوا عنا .
وها هو علي السوداني ، القضية الملحة الان ، امام بيوتكم في عمان اوغيرها . وعند اعتاب اقدامنا حيثما نكون في بلدنا اوفي غيره . اننا نريد عليّا ان يبقى بين اسرته ، وان يمارس كتابته ، وان يبتهج او يحزن ، على طريقته . في المقاهي ، او الخانات ، او الحانات ، التي اجازها القانون الاردني ، ويرتادها ـ ربما ـ بعض الذين يعملون على تقويض الكيان الاردني !
انها فضيحة ، بل فضيحة ذات اجراس ، أنْ يتم طرد علي السوداني ، ويسلم الى الشرطة العراقية في هذه الظروف . اذ ربما يقتله ارهابي ، او اصولي متعصب ، او طائفي متطرف ، او حتى قاتل بالاجرة . لان علي السوداني ، اعلن صوته عاليا ضد الارهاب ، وضد الاحتلال ، وضد التعصب ، وهو في عمان . وهذا ما ينبغي ان يشكر عليه ، لا ان يقال له : اخرج من ديارنا ّ
لماذا يحدث هذا ، يا جلالة الملك ؟
ولماذا يحدث هذا يا صاحب العطوفة ؟
ولماذا يحدث هذا يا صاحب السماحة ؟
ولماذا ، نعم لماذا يحدث هذا، ايها العراق ؟
سندع اجابات غيرنا لغيرنا .
لكننا معنيون بتقديم اجابة حقيقية ، ولتكن قضية علي السوداني ، بدايتها المستمرة ، مفادها ان مثقفي العراق ، وفنانيه ،وادبائه ، في الخارج كما في الداخل ، لهم كلمة واحدة ، او هكذا يجب ان تكون ، في اي قضية من قضايا الفكر والراي والضمير ، وفي كل التاكيدات التي وردت في شرعة الامم المتحدة ومواثيقها .
ينبغي على كل واحد منا ان يقف الموقف الحقيقي والواقعي ، حيال قضية علي السوداني . في ضوء قدراته ، واوضاعه . وعند هذه النقطة نستطيع التقدم خطوة واحدة ، صحيحة ومبدئية ، لبناء موقف اخلاقي رصين .
ان مواطنا عراقيا واحدا ، شهما وشريفا يساوي اغلبية ، كما يقول الكاهن الامريكي : ايمرسون . فاي اغلبية سوف تمد جذورها عميقا في الارض ، وتنشر اغصانها في الاعالي ، عندما يتد عشرة ، او مئة ، او اكثر ، اقدامهم في الارض ، وحيث هم ، ويتابعون قضية علي السوداني ، حتى ان ينقطع النفس ..؟
فكيف اذا كانت هذه الاغلبية من الادباء والكتاب والفنانين ؟
ان ساعة الحقيقة تدق الان عند كل مدينة عراقية ، اواي مدينة فيها صوت لاي طفل عراقي .
ان هذه الساعة ، التي هي قيامتنا جميعا ، تعني ان نتحرك متضامنين ، ونذهب الى ماهو في متناول ايدينا ، وما يكفله لنا الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ونجعل قضية علي السوداني في كف كل واحد منا .
ان ظروفي الصحية لا تسمح لي الان بسفر بعيد . وانا ممنوع من التعرض لاي انفعال ، حسب اوامر اطبائي . ولكنني على استعداد للذهاب الى امكنة بعيدة من اجل قضية علي السوداني . كما انني سوف اكتم غضبي ـ وليكن ما سوف يكون ـ من اجل ان يبقى علي السوداني واسرته ، في سلام وامن .
اني اثق ايضا ، ان اصدقاء وزملاء علي ، وبعض اصدقائي وزملائي ايضا ، هم اكثر مني فاعلية وقدرة ، على ايلاء قضية علي السوداني ، اهتماما يفوق تصوري وتوقعي .
واني انتظر هؤلاء الاصدقاء والزملاء
جمعة اللامي
Juma_allami@yahoo.com
www.juma-allami.com