كهفُ صمتٍ في رحمهِ يحتويني.. جنيناً، يتشبث بالحبل السري.. جدرانه تسور صوتي، يبارك تلاشي وجودي في أسطورة جمودي..
لكن حلماً دافئاً يتوسل لحظة تعبر في مخيلتي، يمتص آهات وجعي..
كهفي يفتقد دفئك، جدرانه تلهو بكريات الصدى.. أفتقد المكان داخل نفسي، بيد إن الضجيج خارج الكهف يهدد سكينة روحي.. أتوسل نايات الصمت في قلبي ألا تقطع الحبل السري، ألا تطردني إلى مكان داخل نفسي.
أي امرأة أنا عشقت الحب، وقد صورَّهّ لي الوهم عصياً على التمزق في حلبات الحرب والحياة ؟!
- الحرب لعبة..
- الحياة خدعة..
- الحرب خدعة..
- الحياة لعبة..
والحب وأنت وأنا.. ضحية الخدعة واللعبة..
للحلبات طقوس لا تشبه طقوس شغفي.. صخبي.. بنائي مدرسة للعشق..
لذا أطاح عصف للريح بحلمي.. ظلاً للحزن تركني..
فرت ظلال الذكرى من فراغاتي، وتعرت أرصفة مدن الحب من خطواتي.. فغدا وجهي للطرقات النائية رماداً، وعلى طفل الحب تناثرت شظايا قلبي..
قلبي.. كان ذاك اسمه على ما أذكر..
إحدى عطايا الحرب أن تُفقد الحب ذاكرته، أو تُحّرض على تناسيه.. تحيل الحياة إلى خفقات خرساء لا تذكر ..
قلبي بعد أيام النزف أشبه بألبومٍ غطاه غبار اللعبة والخدعة..
وأنت تسألني العودة من أقصى محرابي ؟!
هناك مع الصمت يعقد حزني هدنة..
فمي.. يتبناه الصمت، يحيره تأرجح قلبي موجوعاً بين المكانين..
لا تلح عليّ بالسؤال..
امنحني زمناً أتأمل نفسي في مرايا المكانين..
دع صمتي يواجه صمتي، يحملني صوب قرار حاسم.. ربما صرخة يطلقها جنين الكهف باتجاهك.. أو.. بالحبل السري تتشبث أصابعي..
في الكهف اتركني، تصالحني نفسي أو تخاصمني.. قد اقطع الحبل بهدير ندائك.. يهرعُ الرضيع فيّ إلى ذراعيك؛ إلى داخل نفسي، أو أمنحُ الحرب وجودي، والذكريات.. وأتسور المكان خارج نفسي..
فقط، امنحني وقتاً كيما أعرف أي الأجنة أنا.
*
بأساطير الجزر النائية، هل أحلم معك؟..
هل أتشبث، وبي الحلم يتشبث، في بلدٍ مسفوح الأحلام، ونثار الرماد يتراقص فوق شظايا الاجساد ؟!
ما عاد يتسع للحلم؛ هذا الزمن !..
ماعاد يعرف عناوين تضاريسي، ذاك الفرح !
فاعجب لهمسٍ تحت ظلال الشجر.. لاختلاس لحظة عشق من زمنٍ للحرب نُذِر..
حتى جموح الفرح، يعجز عن أسري..
يغلب سؤال لحوحُ جموحَ الحلم:
أما زال الحبُ يسيرُ طليقاً بلا خشية، أم يتعكز خائفاً مثلي ؟!
أما زالت فضاءات المخيلة وشواطئ اللازورد تغري القلب بالغرق، أم حاصرها جفاف الحروب ؟!
لحظة تسرق لي بسمةً لحبٍ خجول.. بيد إن أسطورة هدوءٍ تجتاح وجودي، تمحو اللحظة، تعيدني إلى خارج نفسي، إذ تتكسر أيقونة أحلامي بدوي قنبلة.. ثمة أجساد تتناثر قريباً من مكاني !!
البركان المسعور يسحب رأسي من جسد ذكرياتي باتجاه محرابي.. يلدغ العقرب زمناً داخل نفسي وقتك لا يتسع لحبٍ أو حلم !!
وأنتَ..
رأسكَ مسمار في جدار نشرة أنباء..
غضب الجرح والخيبة يسلبك حق الحب..
هذا وقت الغضب..
طقوس الحب والحلم.. ترف وبطر..
تصرخ بي : كما قال لكِ عقرب: الساعة تعلن البكاء عن الوطن !!
تتناثر دموع الحلم على زجاج الوقت مطراً لا يبلل السعفات اليابسات، فلا يتغنج الثمر..
تلقي السماء كرتها الفضية على وسادتي، تعزيني.. تهجو اغترابي..
ويحه.. زمن الغدر أيبس الغيث فينا، فصارَ دمعنا كراتٍ تتناسل بين عقاربه..
ويحه.. الخنجر المسموم في جسد الوطن..
ويحه.. الحب ما عاد هو..
ويحه.. الحلم ما عاد هو.. ما عاد نحن..
تضاريس الوطن تغيرت.. طقوس الحياة اُستبدلَت..
ذكرياتنا في أثير الأدخنة ذوت، وبين المقابر تاهت..
تواقون نحن لحلمٍ جديد في أساطير المحيطات اللازوردية والجزر البلورية..
وتوقي رهنُ زمنِ تسمرك في جدران نشرات الأخبار..
قل: إن المسمار سيهبط قمراً على وسادة حلمي.. عندئذٍ أقول: إنّ أفقاً للحياة قد يتسع..
قل لي بصوتٍٍ يعلو هدير الموت الأحمر.. إنّ مكاني هو أنت.. عندئذٍ أقول.. إنّ مكاناً غير مكانك، غير مكان أناسي.. لن يحتل نفسي.
أسماء محمد مصطفى
asmaa_m_mustafa@yahoo.com
- قاصّة وكاتبة وصحفية عراقية، من مواليد بغداد.
- بكالوريوس إعلام بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة بغداد عام 1991
- عضو نقابة الصحفيين العراقيين والاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق
- مسؤولة النشر الصحفي في دار الكتب والوثائق العراقية
- مدير تحرير مجلة الموروث الثقافية الإلكترونية الصادرة عن دار الكتب والوثائق العراقية.
- مسؤولة صفحة (منبر المشرق) في جريدة المشرق العراقية
- عضو هيئة تحرير جريدة الجمهورية اليومية العراقية منذ عام 2000 .
- نالت جائزة أفضل تحقيق صحفي في العراق عام 1998
- نالت جائزة تقديرية من نادي الجمهورية الثقافي، جريدة الجمهورية عام 1995
- عملت سكرتير تحرير مجلة عشتار النسائية، ورئيسة لأقسام التحقيقات وصفحات المرأة في صحف عراقية عديدة كالجمهورية اليومية والإعلام الأسبوعية، وصوت الطلبة.
- أصدرت مجموعة قصصية بعنوان ( نحو الحلم ) عام 1999، عن دار الشؤون الثقافية العراقية
- شاركت مع مجموعة من الأدباء والإعلاميين العراقيين في كتاب ( جروح في شجر النخيل، قصص من واقع العراق ) عام 2007 ، عن دار الريس اللبنانية وبرعاية البعثة الدولية للصليب الأحمر
- شاركت في كتاب ( دور المرأة في عراق ما بعد التغيير) مع مجموعة من الكتاب والكاتبات ،عام 2008
- لديها كتاب قصصي مع عدد من أديبات العراق ( تحت الطبع ) .
- البريد الإلكتروني : asmaa_m_mustafa@yahoo.com