أكوامانيل أندلسي من الفضة ، على هيئة أسد ، الارتفاع 13.2 سنتيمترا . وهو تحفة فريدة من نوعها ، اذ ان ماهو معروف من مصنوعات الاكوامانيل منفّذة بمعادن بخسة ، كالنحاس والبرونز والحديد . أنظرPeter Barnet, Pete Dandridge, Lions, Dragons,& Other Beasts, Aquamanilia of Middle Ages, Vessels for Church and Table, New York 2006 ).
وهذه التحفة المنشورة هي من ( مجموعة سعد الجادر لفنون الصياغة الاسلامية )
استخدام المعادن النفيسة في القصور والمساجد:
استخدمت المصنوعات الصياغية الأندلسية في تزيين القصور. ويصف المؤرخون حياة حكام قرطبة الذين ولعوا بالترف وانغمسوا بالبذخ وحب الجمال والزينة وتنعّموا بالقصور، مثل الكامل، والروضة، والزاهر، والتاج، والبديع، والمبارك، والرشيق، بعضها صُفّحت أبوابها بالنحاس، وزُيّنت بالذهب والفضة، وتكدّست فيها التحف من المعادن النفيسة والأحجار الثمينة، والزرابي ( السجاد ) المخروزة بأسلاك من الذهب والفضة، والأثاث المحلّى بالفضة .
ويظهر أن طاقة دار صناعة قرطبة لم تكن كافية لانتاج ما يفي بتزيين منشآت عبد الرحمن الناصر، فأقام في مدينة الزهراء داراً ثانية لصناعة الأسلحة والحلي ومواد الزينة . ويذكر " جوزيف ماك كيب " أن سقف قصر عبد الرحمن في الزهراء كان مزيناً بالذهب والفضة وكانت جدران قبّته من العقيق اليمانى. وكان عدد حرس الخليفة الخاص 12.000 من خيرة الجنود لهم مناطق مذهّبة وأجفان سيوفهم كانت كذلك مذهّبة ومقابضها مطعّمة بالأحجار الثمينة.
ويصف السيد عبد العزيز سالم عن المقري وآخرين، قصر عبد الرحمن الناصر هذا أنه: " كان يضم مجلسين رئيسيين : المجلس الشرقي ، ويعرف بقصر المؤنس ويشرف على الرياض، وهو بيت المنام الخلافي، وكان مزوّداً بمحراب أو مجلس يجلس فيه الخليفه الحَكَم بحيث يشرف على السطح المعلّى وعلى الروض، وكان بيت المنام يزدان بحوض من الرخام الأخضر نُصب في وسطه، وقد زُيّن بنقوش تمثل صورا آدمية مذهبة، كان قد جلبه أحمد اليونانى وربيع الأسقف من القسطنطينية، ونقل هذا الحوض بحراً إلى الاندلس، ثم وضعه الناصر في بيت منامة، وأدار حوله اثني عشر تمثالا من النحاس مطعمة بالــدر النفيس من صناعة قرطبة، ورتّبها على النحو التالى : على أحد الجانبين الطويلين من الحوض نصب تمثال أسد بجانبه غزال ثم تمساح، و فى الجهة المقابلة ثعبان وعقاب وفيل، وعلى أحد الجانبين القصيرين حمامة وشاهين وطاووس، وعلى الجهة المقابلة دجاجة وديك وحدأة ونسر، وكانت هذه التماثيل تمج المياه من أفواهها . أما المجلس الغربي : ويسمى أحياناً بالمجلس البديع أو مجلس الذهب، فقد كانت جدرانه مزينة بتربيعات مذهّبة ومفضّضة، وكسيت أرضيته بالرخام الملون الصافي، وكان يتوسط هذا المجلس اليتيمة التى أتحف بها " اليون " صاحب القسطنطينية الناصر، وهي حوض مذهب كبير كان الناصر يملأه بالزئبق، "وكان فى كل جانب من هذا المجلس ثمانية أبواب قد انعقدت على حنايا من العاج والأبنوس المرصع بالذهب وأصناف الجواهر، قامت على سواري من الرخام الملون والبلور الصافى . وكانت الشمس تدخل على تلك الأبواب فيضرب شعاعها فى صدر المجلس وحيطانه ، فيصير من ذلك نوراً يأخذ بالأبصار، وكان الناصر اذا أراد أن يفزع أحداً من أهل مجلسه أومأ الى صقالبته، فيحرك ذلك الزئبق، فيظهر فى المجلس كلمعان البرق من النور . ويأخذ بمجامع القلوب، حتى يخيل لكل من في المجلس أن المحل قد طار بهم مادام الزئبق يتحرك" .
وهناك حادثاً طريفا يروى عن اكثار الناصر من زخرفة البناء وتزيينه، وذلك بخصوص قبة زينت قراميدها بالذهب والفضة كان الخليفة يجلس فيها ذات يوم "وقد جمع حوله كبار رجال دولته ووزرائه وقرابته، وأخذ يتباهى بما صنعه فيها من التأنق والزخرفة، فقال : " هل رأيتم أو سمعتم ملكاً قبلي فعل مثل فعلي أو قدر عليه ؟ قالوا : لا والله يا أمير المؤمنين، وانك لواحد فى شأنك كله، وما سبقك فى مبتدعاتك هذه ملك، وما بناه ولا انتهى الينا خبره . فأبهجه قولهم وسرّه ثناؤهم، وبينما هو كذلك سادراً ضاحكاً، دخل عليه القاضي منذر بن سعيد البلوطى واجساً ناكساً رأسه، فلما استقر به المجلس قال له كالذي قال لوزرائه من ذكر السقف واقتدراه، فأقبلت دموع القاضى تنحدر على لحيته ، وقال : والله ياأمير المؤمنين ، ما ظننت أن الشيطان أخزاه الله يبلغ منك هذا المبلغ ، ولا أن تمكنه من قيادك هذا التمكين ، مع ما آتاك الله ، وفضلك على العالمين حتى أنزلك منازل الكافرين . قال : فاقشعر عبد الرحمن من قوله وقال : انظر ما تقول كيف أنزلني منازل الكافرين .قال : نعم ، أليس الله تعالى يقول : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون " الآية . فوجم عبد الرحمن ، ونكس رأسه ملياً ودموعه على لحيته تجري خشوعاً لله تعالى تذمماً اليه ، ثم أقبل على منذر، وقال جزاك الله خيراً عني وعن جميع المسلمين وكثر في المسلمين أمثالك فالذي قلت والله الحق . وقام من مجلسه وهو يستغفر الله . وأمر بنقض سقف القبة ، وأعاد قراميدها تراباً " .
أما بالنسبة للمنحوتات ، فقد أنتجت دار الصناعة بقرطبة فى عصر الخلافة تماثيل برونزية لحيوانات وطيور كانت توضع حول البرك والأحواض تمجّ المياه من أفواهها. ويذكر أن بعضها كان من الذهب الأبريز والفضة الخالصة. وكان فى قصر الناعورة بقرطبة بركة نصب عليها أسد عظيم الصورة مطلي بالذهب وعيناه جوهرتان لهما بياض شديد يمج الماء من فيه .
وكانت في قصر الزهراء حنفية على شكل أسد يحيط بها ظبي وتمساح وصقر ونسر وتنين من الذهب المطعم بالأحجار الثمينة يخرج من أفواهها المياة . وكان في قصر المعتمد بركة ماء نصب عليها فيل من فضة يمج الماء من فمه وهو الذي يقول فيه عبد الجليل بن وهبون من قصيدة :
ويفرغ فيهـا من النصل بـــدعٌ من الأفيال لا يشكو ملالاً
رعي رطب للجين فجاء صلداً تراه قــلّما يـخشـى هـزالاً
وفي قصر الرصافة في غرناطة ، الذى شيد بحدود عام 850 م ، أحواض مزينة بمنحوتات حيوانية من الفضة . ويصف إبن بسام تماثيل الأسود المنتصبة على بحيرتي قصر الناعورة بطليطلة بقوله: " ولهذه الدار بحيرتان قد نصت على أركانهما صور أسود مصوغة من الذهب الابريز أحكم صياغة ، تتخيل لمتأملها كالحة الوجوه فاغرة الشدوق ، ينساب من أفواهها نحو البحيرتين الماء هَوْناً كرشيش القطر أو سحالة اللجين " .
ولم يكن الأمراء وحدهم يحيطون أنفسهم بالمصاغ من المعادن النفيسة ، إذ يذكر " دوزي " في كتابه ( معجم الملابس ) أن أحد أغنياء الأندلس شيد قصراً في طليطلة كانت بعض أبوابه مغطاة بالذهب . هذا علاوة على زينة قصور أخرى سواء في بلاد الأندلس ام بلاد المغرب ، مثل الدار التى شيدها المنصور بن أعلى الناس ببجاية ، في الجزائر، والتى أقام فى بستانها بركة وزينها بأشجار وأسود مذهبة ومفضضة .
وعن جرجي زيدان فى ( تاريخ التمدن الأسلامى ) ، أنه قدم على المنصور بن أبى عامر فى أواخر القرن الرابع للهجرة " رسول ملك الروم ، وهو أعظم ملوك النصارى فى ذلك الزمان ، ليطلع على أحوال المسلمين وقوتهم . فأراد المنصور ان يبغته بما يطلعه عليه من عز الدولة وثروة المملكة ، فأمر أن يغرس فى بركة عظيمة ذات أميال نيلو فر ، ثم أمر بأربعة قناطير من الذهب وأربعة قناطير من الفضة فسكبت قطعاً صغاراً قدر ما تسع النيلوفرة ، وملأ بها جميع النيلوفر وبعث إلى الرسول فحضر عنده قبل الفجر في مجلسه بالزاهرة فأجلسه بحيث يشرف على موضع البركة . فلما قرب طلوع الشمس جـاء ألف من الصقالبة عليهم الأقبية والمناطق من الذهب والفضة ، وبيد 500 منهم أطباق من ذهب وبيد 500 أطباق من فضة ، فتعجب الرسول من جمالهم ولم يدر الغرض من مجيئهم . فحين أشرقت الشمس ظهر النيلوفر في البركة و بادروا لأخذ الذهب والفضة منه وكانـوا يجعلون الذهب في أطباق الفضة و الفضة في أطباق الذهب ، حتى التقطوا جميع ما فيها وجاءوا به فعرضوه بين يدي المنصور حتى صار كوماً ، فتعجب الرسول من ذلك وطلب المهادنــة ."
وهناك بعوث أمراء المغرب من الادارسـة والزناتييـن والاباضيين والمكناسيين وغيرهم الموالين للخلافـة الأمويـة في الأندلس ، الذين كانوا يفدون وهم محمّلين بنفيـس الهدايا والتحف، بعضها مصنوع من المعادن النفيسة، وسط المواكب المهيبة والضيافة الكريمة واستقبال الناس وتصفيقهم وهتافاتهم .
وبعد وفاة الناصر عام 350 هـ بويع إبنه المستنصر الذى استقبل بدوره عدة وفادات يصفها المؤرخون كالمقري بشكل تفصيلي ، منها ما يذكره السيد عبد العزيز سالم: " عن مظاهر الأبهة والفخامة الممثلة في قصر الزهراء وفي احتفال الجند بالعدد والأسلحة والزينة وقيامهم صفين منتظمين في السطح وفي الفصلان المتصلة به ، بأيديهم السيوف ، ويتلوهم الرماة متنكبين قسيهم وجعابهم ، ثم صفوف العبيد شاكين في الأسلحة الرائقة والعدد الكاملة ، وعلى رؤوسهم البيضات الصقلبية ، وعلى أكتافهم الجواشن و الأقبية البيضاء ، وفي أيديهم التراس الملونة ، كذلك تتمثل هذه الفخامة في تنظيم لجان الاستقبال على الأبواب الخارجية للقصر المتبعه عند دخول الرسل ، ومرورهم بين صفي الجند المرتبين في ساحة السطح وفي الروائع الفنية التى يزدان بها مجلس الاستقبال ، بجدرانه المكتظة بالزخارف المحفورة في الحجر والرخام ، والكسوات الذهبية التى تعلو سُقُفِهِ الخشبية وعتاق البسط وكرائم الدرانك التى بسطت على السطح وفي صحون القصر، وظلل الديباج ورفيع الستور التى ظُلّلَت بها أبواب القصر وحناياه ، وفي الأبهاء المذهبة التى تتلألأ عند انعكاس الأضواء عليها ، وفي التحف الموزعة في مجالس الاستقبال من وسائد الديباج المثقلة بالذهب ، ومن كراسي مرتفعة مكسوة الاوصال بالذهب ، وفي الحوض الرخامي المذهب الذى تدور عليه تماثيل النحاس تمج المياه من أفواهها في وسط المجلس الشرقي ".
وإلى جانب القصور زين المسلمون المساجد بالمعادن النفيسة ، ويذكر عن منارة المسجد الجامع في مدينة الزهراء التى تعلو قبتها ثلاث تفاحات ، اثنتان من الذهب والثالثة من الفضة وفوقها سوسنة من ذهب تتوجها رمانة ذهب صغيرة. ويشير ابن صاحب الصلاة إلى تفافيح صومعة جامع إشبيلية التى كانت مصنوعة من الحديد المطلي بالذهب .
وكان استخدام المعادن النفيسة في جامع قرطبة مثالاً نموذجيا ، فالجامع هو أعظم المساجد في الغرب الاسلامي ، وقد احتل مكانة خاصة في العمارة و الزخارف الاسلامية نظراً لروعة مبتكراته وجمال اخراجه واستمرار تأثيره لعدة قرون على العمارة الاسلامية في الأندلس وبلاد المغرب.
ولجامع قرطبة واحد وعشرين باباً مصفحة بالنحاس الأصفر المزخرف ، والف ومائتان وثلاث وستون سارية بعضها مطعم بالذهب واللازورد. ويعتبر محرابة آية زخرفية متقنة ، تحلّيها الفسيفساء الملونة ومنها المذهبة على أرضية لازوردية. أما بالنسبة لثريات الجامع فيروي المقري بانها موشاة بالذهب ماعدا ثلاثة صنعت من الفضة لعلها ثـريات قباب المقصورة الثلاث . ويذكر " ماك كيب " انه في الأعياد الكبيرة كانت توقد في جامع قرطبة 280 ثريا من الفضة والنحاس ، وأكبر ثريا منها كان محيطها 38 قدماً يحمل 1454 مصباحاً ، ولها مرآة تعكس النور فيزيد شعاعه تسعة أضعاف ، وفيها 6.000 طبق من الفضة مسمّرة بالذهب ومطعمة باللؤلؤ .
وقد وصف المؤرخون منبر جامع قرطبة الذي صنع عام 365 للهجرة والذي يعكس حذق وبراعة الفنانبن ومهرة الصناع الأندلسيين. وبينما ضاع هذا الأثر البديع لكنه ظل خالداً في كتب التاريخ. وفي وصف لمنبر جامع قرطبة في المراجع التاريخية أنه من الصندل الأحمر والأصفر والأبنوس والعود الرطب والمرجان ، وأوصاله وحشواته من الفضة المثبتة والمنيّلة . (5) ، وأنه كان مطعما بالفضة وفي بعض حشواته نفيس الأحجار . وقد كرّر الادريسي والحميري هذا القول وأكدا أن عدد حشواته 36 ألف حشوة سُمّرَت بمسامير الذهب والفضة وطُعّمَ بعضها بنفيس الأحجار والعاج، وقوام زخارفه أشكال هندسية متشابكه.
وكان عبد المومن بن علي قد نقل إلى جامع الكُتُبيّة بمراكش منبراً عظيماً كان قد صنعه في الأندلس في غاية الإتقان من الخشب النفيس المصفح بالذهب والفضة .
أما مقصورة الجامع فقد نصبت حول المحراب في زيادة الحكم المستنصر، وكانت تتوجها شرفات ، وفُتِح فيها ثلاثة أبواب بديعة الصنعة ، عجيبة النقش ، بابها الرئيسي كان من الذهب وعضّادتاه من عود الأبنوس. ولدى السيد عبد العزيز سالم أن باب المقصورة كانت مكسوة بصفائح رقيقة من الفضة . وقد نُهب هذا الباب مع بيت مال المسجد في الفتنة الأولى ، بينما سُرقت أوصال المنبر في الفتنة الثانية سنة 540 هـ ؛ كما نهبت تفافيح المنار المصنوعة من الذهب والفضة وثريات الفضة عند دخول القشتاليين في الجامع هذه السنة.
وعن مئذنة الجامع التى أمر الناصر ببنائها سنة 340 هـ ، يفيد المؤرخون بان في برجها العلوي بيت للمؤذنين تُتوّجه قبّة يصفها إبن عذارى: " وفي أعلى ذروة المنار ثلاث رمانات تغشي النواظر بشعاعها ، وتخطف الأبصار بالتماعها ، الاولى مفروغة من الذهب ، والوسطى من الفضة ، والثالثة من الذهب أيضاً ، وفوقها سوسانة من الذهب المحض مُسَدّسَة ، وفوق السوسانة رمانة صغيرة من الذهب ، ثم طرفُ الزّج ، وفيه تاريخ مكتوب بالذهب . وزنة كل رمانة من الثلاثة المذكورة قنطار واحد فما دونه ، ودَوْرُ كل واحدة ثلاثة أذرع ونصف ".
الأسلحـــة:
عُرفت اسبانيا منذ عهد الفنيقييـن والرومان بجودة الحديد المستخرج من مناجمها ، ومنه صنعت أنواع من الأسلحة . ويذكر أن العرب عندما فتحوا الأندلس غنموا ثروات ، منها سيوف قُدّرت بنحو ألف . ولابـد أن المسلمين الفاتحين حملوا معهم إلى الأندلس نماذج أسلحتهم التي عرفوها في شبه الجزيرة العربية وما غنموه من الفرس والبيزنطيين . وقد أشار المقري إلى المرية كأحد أكثر المدن الأندلسية شهرة في صناعه السيوف خلال القرن السادس للهجرة . ومرسية التي تطورت فيها صناعه الأسلحة في القرن السابع للهجرة . كما عرفت اشبيلية بجودة نصال سيوفها التى فاقت في بعض مراحلها منتجات طليطلة .
وقد أسس عبد الرحمن الثانى مصنعاً للأسلحة في طليطلـة كان ينتج سيوفاً مشهورة بِدَمْشَقَتِها، واستخدم بعضها كهدايا دبلوماسية ، ومنها تحف سلاحية أهداها الحَكَم الثانى سنة 965 م إلى ملك " ليون " " دون سانشو " Don Sanche . وللأسف لم يبق الدهر على سيوف وخناجر وسكاكين ترجع إلى عصر الخلافة الأموية في الأندلس عدا بعض المقابض العاجية للسيوف ، وهي منحوتة بمهارة صناعة علب العاج .
المسكوكات:
فتح المسلمون الأندلس في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك وتعاملوا بالعملة الاسلامية التى كانت تضرب في واسط وحرّان وفي سوريا . وفي البداية سُمِح لولاة أفريقية والأندلس بتداول نفس النقود البيزنطية ذات الكتابات اللاتينية والرموز المسيحية. كما استخدمت في بلاد المغرب عملات محلية مثل الفينيقية والقرطاجية والرومانية و الوندالية. الى جانب نقود الدول الأوربية المجاورة المطلّة على البحر الابيض المتوسط وبالذات العملات الأسبانية والغالية والايطالية.
بدأت خطوات تدريجية لاصلاح النقود منذ عهد موسى بن نصير سنة 90 هـ ، ولا شك أنها كانت متأثرة بالمفردات الزخرفية والرمزية التى تحملها العملات المتقدمة ، المحلية والأوربية ، ويظهر أن هذه المؤثرات لم تختف نهائياً الا مع ظهور دولتي الادارسة في المغرب الأقصى والاغالبة في أفريقية . وبعد استقرار موسى في طليطلة ضرب عملة ذهبية ليدفع منها رواتب الجند المسلمين ، وقد رسمت هذه الدنانير الذهبية الجديدة على شكل العملة الأفريقية ، فكانت لاتينية عربية ، كتب على وجهها : " محمد رسول الله " يحيط بها نص مقتضب باللاتينية على هيئة دائرة ، وعلى ظهرها كتب باللاتينية : " ضربت في اسبانيا " ، ويلى ذلك تاريخ سكها .
ويذكر محمد باقر الحسينى في كتابه ( تطور النقود العربية الاسلامية ) دور السك التى ضربت فيها النقود الافريقية والاسبانية في عصر الانتقال من الطراز اللاتينى الى الطراز العربي الخالص ، فانها ضربت في أماكن متعددة ، منها القيروان وإشبيلية وطليطلة. وكان يشار الى مدينة الضرب على وجه النقد بحروف مختصرة فيذكر مثلا TRPL طرابلس، و AFRC أو AFAK أفريقيا ، و SPAN اسبانيا ، و TANJA طنجة .
وفي عهد عبد الرحمن الداخل ضُربت دراهم فضية و دنانير ذهبية ابتداء من عام 142 / 759، وقد نقشت عليها بعض الآيات القرآنية ومكان الضرب " الأندلس " بالخط الكوفي ، ولم تحمل إسم الأمير . ولم تكن هذه النقود الأموية في الأندلس لتختلف عن النقود الأموية في الشام في بادئ الأمر الا بتغير واحد هو تحديد تاريخ ومكان الضرب .
وضرب الحَكَم بن هشام الأول (180 – 206 ) عدة دراهم . أما عبد الرحمن الثانى بن الحَكم الأول (206 – 238 هـ) فقد ضرب عدداً كبيراً من الدراهم الفضية المنقوشة بنفس النقش الموجود على الدراهم التى سكّها عبد الرحمن الداخل . ثم ضرب الدراهم باسمه عبد الرحمن الثاني ( 206 – 248 / 821 – 852 ) ، وخلّفه إبنه محمد (238 -273 هـ ) ، الذى ضرب دراهم باسمه كذلك.
ولم يطرأ أي تغيير على السكة الاسلامية في الأندلس حتى عام 300 / 912، لا من حيث الشكل ولا الكتابات الرئيسية . حتى كان حُكْم عبد الرحمن الثالث الذي أحدثَ تغييراً على السكة بأن كتب ألقابه عليها : " الامام ، الناصر لدين الله ، عبد الرحمن أمير المؤمنين " ، إضافة إلى اسم حاجبه (6).
شرح الصورة:
أكوامانيل أندلسي من الفضة ، على هيئة أسد ، الارتفاع 13.2 سنتيمترا . وهو تحفة فريدة من نوعها ، اذ ان ماهو معروف من مصنوعات الاكوامانيل منفّذة بمعادن بخسة ، كالنحاس والبرونز والحديد ،
أنظرPeter Barnet, Pete Dandridge, Lions, Dragons,& Other Beasts, Aquamanilia of Middle Ages, Vessels for Church and Table, New York 2006 )
من ( مجموعة سعد الجادر لفنون الصياغة الاسلامية )
(Saad AL-Jadir, Kunuz, Islamic Silver Treasures, LAK International Casablanca 1995, p.119 and p. 322 ) .
الهوامش:
( 1 ) ننقل هذه النصوص بما فيها كما نرى من مبالغات ، لكن الغرض منها هو الدلالة على تطور فنون الصياغة في بلاد الامازيغ والاندلس قبل الاسلام.
(2) السكّة، كما عرّفها ابن خلدون في المقدمة ، هى الحديدة التى تضرب بها النقود ثم أصبحت تطلق على النقوش التى اتخذتها ، ثم على الوظيفة ، وفي النهاية ينصرف اللفظ الى العملة المعدنية من دنانير ودراهم وفلوس دون سواها .
(3) الاسطرلاب : آلة فلكية ابتكرها الاغريق واستخدمها المسلمون بعد اضفاء تحسينات وتجديدات مبتكرة ودقيقة عليها . وتعرض المتاحف نماذج عديدة من الاسطرلابات الاسلامية التى كانت تستخدم في قياس مواقع الكواكب، ورصد النجوم، و أبعاد المسافات، وقياس ارتفاع الجبال، وعمق الآبار، وكذلك في تحديد أوقات الصلاة، واتجاه القبلة. وقد جعلت دقة الصناعة وأناقة الاخراج من الاسطرلابات تحفاً هندسية و فنية ذات قيمة كبيرة .
(4) جَؤذَر : صاحب الصاغة، وهو من الصقالبة وكان خادماً خاصاً للحَكَم .
(5) المنيّلة : أى الموشحة بالمينا السوداء .
(6) حاجب الدولة هو أحد كبار موظفي البلاط ، كما هوا الحال في الوقت الحاضر في المملكة المغربية. وقد كانت وظيفة الحجابة آنذاك تشبهها وظيفة رئيس الوزراء في عصرنا ، حيث كان الحاجب أكبرشخصية في القصر بعد الخليفة.
حاشية
هذا المقال مستل من مخطوطة : ( سعد الجادر، فنون الصياغة في الغرب الاسلامي ، الرباط ، 1992. ) ، ويضم العمل نصا من 795 صفحة ، بالاضافة الى صور لاكثر من ألف تحفة صياغية تعكس المشهد الصياغي في الغرب الاسلامي ، جلّها من مجموعتي الخاصة . وفي المخطوطة ثروة كبيرة من المعلومات المستقاة من مئات المصادر بعدة لغات. وهو ذو أهمية تاريخية وثقافية وفنية وصياغية وزخرفية وتقنية وجمالية : حيث يلقي الضوء على التاريخ الثقافي والفني والصياغي المغاربي والاندلسي ، بدء من ايبريا وبلاد المغرب في العصور القديمة ، عبر مؤثرات الامازيغ والفراعنة والفينيقيين والرومان والوندال والبيزنطيين ؛ ثمّ يستعرض تاريخ الوجود الاسلامي في بلاد المغرب والاندلس وصقلية وجنوب أوربا ، منذ الفتوحات الاسلامية ، ومن خلال الاسر الحاكمة : الامويون ، والاغالبة ، والرستميون ، ودولة مدرار في اقليم تافيلالت ، وغيرها من دول مغاربية مستقلة ، والادارسة ، والفاطميون ، والزيريون ، والحماديون ، وملوك الطوائف في الاندلس ، والمرابطون في المغرب والاندلس ، ودويلات مغراوة وبني يفرن وبني أبو العافية في المغرب ، والموحدون في المغرب والاندلس ، والحفصيون ، وبنو عبد الواد، ومملكة غرناطة ، والمرينيون ، والوطاسيون ، والسعديون ، والعلويون ، والمغرب والجزائر وتونس وليبيا في العصر الحديث.
وتقدم هذه المخطوطة المصاغ الحضري والريفي من حلي ، ومصوغات للاستخدام اليومي والدوري ، والاسلحة البيضاء والنارية ، والاختام ، والميداليات والقلائد والاوسمة والنياشين والانواط ؛ اضافة الى مواضيع مختارة ، مثل ، المفردات الرمزية في الفنون الصياغية ، وعلامات وسم المصاغ الاسلامي ، واستخدام المصوغات من المعادن النفيسة في الاحتفالات التقليدية والمواسم ، وحفلات الاعراس ، والختان.
وكان الغرض من وضع هذه المخطوطة هو توثيق فنون الصياغة في ثقافة المسلمين ، واشراك الناس بمصادرها ومعارفها وجمالياتها ، وتصحيح آراء شائعة عن فنون الصياغة الاسلامية ، والدعوة للحفاظ على التراث الثقافي الاسلامي ، و المساهمة في ارساء القاعدة الروحية والمادية للاحياء الثقافي الاسلامي المعاصر. اضافة الى توفير مجال واسع للعمل يمتص نسبة من البطالة ، ويوسع آفاق الصناعات الفنية ، ويطوّر تجارة منتجاتها محليا واقليميا وعالميا.