تنتشر ظاهرة التحرش الجنسي بالمجتمعات العربية كالسرطان ، ومؤخراً ظهرت المشكلة بالمجتمع اليمني ، وبات الانتهاك ملاحظ بالشوارع والمتاجر والجامعات ، ومعه تترقب الأعين أجساد بنات حواء بكل تفاصيلها من قامة ،مشية وضحكة، حتى وأن كانت الفتاة مغطاة بالكامل لن تسلم من مواجهة سيل الألفاظ النابية ، الأمر الذي ينعكس سلباً على نفسيتها ويزعزع ثقتها بالناس.
وتؤكد أحد طالبات الجامعة ز.س أنها لا تسلم من المعاكسات الحقيرة ، المليئة بالألفاظ الخارجة عن الأدب ،وأن سيارات النجدة المنتشرة بالشوارع هي المصدر الأساسي لمضايقات البنات .
ويذكر د.عبد الباقي شمسان الأكاديمي بجامعة صنعاء لبرنامج "صباح الخير ياعرب" على فضائية "الإم بس سي" : أن ضعف الوازع الديني والعامل الثقافي هم أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الظاهرة ، مع غياب حقوق الإنسان والقوانين ، والتربية السليمة ، وبذلك يصبح الفضاء العام المتمثل في الشارع ساحة مفتوحة للانتهاكات ويساعد في ذلك النظرة الدونية للمرأة .
أيضاً هجرة الشباب من الريف للمدينة كان أحد العوامل ، فالشباب يريدون التمدن بالشكل الذي يصور المرأة فى مخيلته بأنها جسد فقط ، وبالتالي لا يحترم القيم والمبادئ وبالتالي لا يحترم قيمة المرأة .
فعل فاضح .. ولكن
وتبدو التحرشات في المجتمع اليمنى عادة أو تقليد يقوم به الشباب للترويح خلاله عن أنفسهم ،أما المرأة المتعرضة للتحرش ليس لديها الشجاعة الكافية لتقدم شكوى أو بلاغاً على المتحرش بها خوفاً من إلحاق الضرر بسمعتها .
يذكر أن القانون اليمني يعاقب على هذه الأفعال ، وتقع فى القانون تحت بند الفعل الفاضح ، ويعاقب ممارسه بالسجن لمدة ستة أشهر أو بالغرامة ، والفعل الفاضح يشمل الفعل أو الإشارة أو القول.
أمل الباشا رئيسة منظمة الشقائق العربية لحقوق الإنسان بصنعاء تشير إلى أنه لا توجد أي دراسات ترصد حجم مشكلة التحرش بالمجتمع اليمني ، لكنها ظاهرة ملحوظة بكل مكان وكل وقت ، ولا تري أن المجتمع بحاجة لرصد هذه الظاهرة خلال دراسات ، فكل من يخرج إلى الشارع يلحظ أن النساء سواء كن منقبات أو محجبات أو متبرجات يتعرضن للتحرش الصارخ .
وأرجعت الباشا الأمر إلى انعدام قيم المساواة وتزايد النزعة الذكورية داخل المجتمع اليمني ، الذي ينتهك الفئات الأقل ، وبالتالي يتم النظر للنساء بأنهن أقل من الذكور ، وعلى هذا الأساس يتعرضن لكل أنواع الانتهاك فى الشارع بدءاً من التحرش بالقول إلي الفعل إلى نظرة الاحتكار والازدراء على اعتبار أن كل من تخرج إلى الشارع لا توضع في مكانة الاحترام و ليس لديها أسرة أو عائلة ، وحتى الطالبات بالحرم الجامعي يتعرضن للتحرش وأحيانا من هم من المفترض أن يقوموا برعايتهن .
وأينما كانت تتعرض الفتاة اليمنية للتحرش ، ولم يمنع الحجاب أو النقاب أو اللبس المحتشم الذكور من اختراق جسد النساء بالنظرات الثاقبة أو اللمسات والاحتكاك أو التعليقات السخيفة ، لأن الرجال يجدون بالتحرش الجنسي للرجال متعة ذهنية.
وأكدت الباشا على عجز جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات النسائية عن حل المشكلة ، في ظل وجود مشكلات أخرى أكثر خطورة لم يصلوا بها إلى حلول منها اغتصاب الأطفال والنساء من كل الأعمار حيث وصلت أعداد الاغتصاب خلال شهر أكتوبر فقط إلى 19 حالة في محافظتي الحديدة وأد.
في مصر
ظاهرة التحرش لا تقتصر على المجتمع اليمني فقط ، ولكنها تنتشر بصورة كبيرة جداً في مصر ، وذكرت دراسة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن المظهر العام للأنثى ليس معيارا للتحرش الجنسي، وأن 83% من المصريات تعرضن لمعظم أشكال التحرش الجنسي بدءا من الصفير والمعاكسات الكلامية، ومرورا بالنظرة الفاحصة لأجسادهن، ثم اللمس والتلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، فالملاحقة والتتبع، وصولا إلى المعاكسات التلفونية، وكشف المتحرش لبعض أعضاء جسده، وذلك بالرغم من ارتدائهن الحجاب في وقت واقعة التحرش.
دراسة أخرى أعدها "المركز المصري لحقوق المرأة" كشفت أن التحرش الجنسي في مصر لا يهدد فقط بعض النساء، ولكنها قضية منتشرة في المجتمع المصري بأكمله، فنتائج الفحص تؤكد أنه لا يقتصر علي عمر أو طبقة اجتماعية معينة حيث لم تسلم العاملات وربات البيوت وصاحبات الوظائف المرموقة من تعرضهن للتحرش الجنسي كشفت أيضاً أن معظم الأشكال الشائعة هي أشكال غير مناسبة مثل اللمس التي بلغت نسبته "40%"، يليه التحرش الجنسي بالألفاظ البذيئة بنسبة"30%".
كما أوضحت النتائج أن "30%" من المعتدي عليهن يتعرضن له بشكل يومي، ونسبة أخري تصل لقرابة "12%" تتعرض للانتهاك في أغلب الأحيان يومياً، وفقط "12%" من المعتدي عليهن يلجأن للشرطة والسبب في ذلك هو عدم الثقة في النظام القانوني لحمايتهن من المتحرشين بهن.
سوريا
أما سوريا تخلو من أرقام أو دراسات محددة تشير إلى ظاهرة التحرش الجنسي ، عدا دراسة صغيرة قدمتها الصحفية رندة حيدر من خلال تحقيقها عن العاملات في سوريا ، تناولت فيه عينة شملت 140 عاملة في القطاع الخاص في اللاذقية، أظهرت نتائج خطيرة وبينت واقع حال معظم العاملات المشتغلات في 758 منشأة مسجلة في مديرية الصناعة في اللاذقية، تمثل جزءاً من إجمالي 167 ألف سيدة وفتاة يعملن في القطاع الخاص السوري بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء في سوريا.
وتبين أن نسبة العاملات غير المسجلات في التأمينات الاجتماعية وصلت إلى 83%، في حين بلغت نسبة العاملات اللواتي وقّعن على استقالات مسبقة 67.8%.
وفي المقابل تعرضت 22.8% من العاملات لشكل من أشكال التحرش كالتحرش اللفظي مثل إطلاق النكت البذيئة الجنسية والتلميحات الجسدية ووسائل الكلام المباشرة شفهياً أو كتابياً عبر المسجلات ورسائل الهاتف النقال، إضافة إلى التحرش المادي وهو الذي يتخطى التعبير اللفظي ليصل إلى التحرش باللمس.
الأردن
وفي الأردن كشفت دراسة حول أبعاد النوع الاجتماعي "الجندر" أن 14 % من النساء اللواتي يعملن "يتعرضن لتحرش جنسي لفظي في مكان عملهن، وأن 0.7 % منهن يتعرضن لتحرش جنسي جسدي في مكان العمل".
كما كشف الدراسة التي أعدها فريق بحث من الجامعة الهاشمية لصالح برنامج دعم مبادرات تكافؤ الفرص/ الوكالة الكندية للتنمية الدولية وحملت عنوان "دراسة العوامل التي تشكل الأدوار الجندرية في الأردن"، "أن 8 % من النساء العاملات يتعرضن لعنف لفظي "ألفاظ نابية أو مهينة"، مقابل 2.3 % يتعرضن لترويع وتهديد نفسي من رئيس العمل".
تفعيل القوانين
وتؤكد اختصاصية علم النفس د. ليندا صقر أن التعرض للتحرش يشعر المرأة بالذنب ، وكأنها هي السبب في تصرفات الآخرين ، وهي غالبا لا تجد تعاطف عندما تنتهك حريتها الشخصية .
وتري أن تكاتف المجتمع هو أهم السبل للقضاء على الظاهرة، لأن الخوف يفقد الثقة ويضيع معه الحق الذي يؤخذ ولا يعطى ، مشيرة إلى ضرورة تفعيل القوانين حتى تشعر المرأة بالحماية ، لتكون بمثابة عقوبة رادعة للمتحرشين من الرجال ، ليفعل بشكل جدي، كما يجب أن تتمتع كل امرأة بالقوة للإبلاغ عن مثل هذه الحوادث والتبليغ عن الجاني