الشعر مثال حي للاحاسيس التي ليست تواجه بصريا، بل يكون هناك ايحاء يرسمها لنا بصورة اخرى، وبدل أن تكون عضوية فتصبح ايقونية، وهذا احد مضامين الشعر، والصورة الشعرية ترتبط مباشرة بالبعد الاقوني، والذي هو يتفق مع تفوق اللغة الشعرية وتعديها الشكل الاجتماعي الثابت الزمن، حيث زمنها اكثر تحررا، لكن لايتأثر المعنى بل يتطور من معنى مباشر الى اخر غير مباشر، لكن لايقف عند هذا الحد، انما ترسيم جودته وبعدها الجمالي يكون في مستوى متميز في قصيدة النثر، حيث هناك بلاغة شعرية غير مرتبطة بعمق ايحائي، بل تجاور وجود حساس للمعاني الشعرية المباشرة واحيانا تتداخل معها لضرورات شعرية، ويقابل هنا الحس الاجتماعي حس القصيدة، والشاعر الذي يسعى للجودة يناور بقصيدته هنا بفضاء تراكبي، واقع – معانقة وجود – التعبير عنه – تأويله، ويكون التأويل بأحالات شعرية تكون هي شفرات الشاعر، ويكون المضمون الفلسفي معيارا اساسا لها، وقصائد مقداد مسعود في ( حافة كوب ازرق )، تتباين فيها كيانات القصائد بين معنى عام واخر- اوسع واخر – وثالث اعمق، وهي تجربة حيوية لتجاوزها السياق النمطي للكتابة، اي أن تقصي الشاعر يبدأ من الحقيقة الى الدلالة الشعرية، لكن يتجاوز ذلك الحد الدلالي بتصاعد ايقاع القصيدة نحو معنى اعمق وخالص الذاتية، وهناك معنى مقابل للشعر في القصائد، وهو فلسفي البعد، وسنبدأ من دلالة العنونة او ما يسمى الان النص الموازي .
النص الموازي اللون والأيقونة – أن دلالة العنونة في اطارها بلغة عضوية هي مباشرة سيموطيقيا، لكن هنا علامة لغوية وايقونية ليس من السهل استيعابها نصيا، وهي بسياق نثري في معطاها بتأكيد مباشر، فأن عنونة مجموعة شعرية كما ( حافة كوب أزرق )، عربيا تحيلنا الى وعي الحاج او بيضون او الماغوط، حيث هم كأقطاب مهمة وعلامات فارقة في قصيدة النثر العربية، يميز وعيهم العنونة كقيمة جمالية اضافة لما تتصف به كعتبة نص نثري، وايضا تشير العنونة بأحالتها من جهة الى مدرسة النثر الفرنسي التي تهتم بالايقونات، كونها علامات سيموطيقية اذا جاز التوصيف هي دائرية، حيث ممفردة ( حافة ) لاتحيلك الا لذاتها، وكذلك مفردة ( كوب ) ايضا هي كذلك تحيل الى ذاتها، ولانها غير متصلة كون لايشير الكوب الى ماء او عصير، فيعني هنا أنه فارغ، وبهذا يشير الى نفسه، لكن مفردة ( ازرق ) وهي لونية فأذن هنا هي تشير الى بعد رمزي، فلدينا السماء بلون ازرق، وفي الفن التشكيلي تعبر المرحلة الزرقاء اهم مراحل بيكاسو، ونقف هنا على اساس اللون الذي هو رمزيا ايجابي، فالكوب الفارغ قبالته اللون الازرق يمثل السماء التي تمطر فتمنح الحياة الديمومة، وخلاصة تتداخل الافكار ازاء العنونة فتنتج بعدا فلسفيا، ويقابل محتوى الكثير من القصائد، والعنونة هنا لا تؤكد بذاتها البعد الفلسفي، لكن عبر الاطار الدائري في التفسير المطلوب من هكذا عنونة، نجد هناك تكريس لبعد فلسفي، واخيرا نقف على ناصية البعد الاستاطيقي في العنونة، حيث لونيا هناك وحدة جمالية وايقونيا ايضا، وطبيعي تنفذ الى كيان النص الشعري من خلال التعالق النصي بين العنونة ومتن القصائد .
المثال الشعري ورؤيا الشاعر- يقدم لنا مقداد مسعود في قصائد ( كوب أزرق )، امثلة شعرية هي ليست مجملها من الخيال الشعري، وأن يكن ذلك فأن رؤيا الشاعر حاضرة بوعي غير نمطي، وتجد اغلب الصور الشعرية لا تخلو من ذلك، واقصد بالمثال الشعري هنا، هو موضوع مركز يجعل الصورة الشعرية تنتقل من هيمنة النص في تفسيرها، الى ادراك الشاعر بها، لكن ليس بتحكم شخصي، بل برؤية ابداعية، والمثال الشعري ايضا بوصفه نتاج تجربة بين وعي الشاعر وذائقته الشعرية، وكذلك النص رمز بين شخص الشاعر ووعيه الشعري، ففي قصيدة ( سيرة .. غير شخصية )، تبدي العنونة ابعاد دالة، حيث مفردة – سيرة – لم تتصل مباشرة بالمفردتين التاليتين، والنقاط تمثل موقف تحديد دال، والعنونة تتوافق مع المبدأ الشعري في المعنى الذي سعت اليه .
كان الليل: مصباحنا اليدوي في البحث عن اسباب الشهيق
نهارنا.. في ليل كهفنا نبصره ونغزل صبرا
بلغ طوله مليون سنة ف