"يُقاسُ ذكاءُ الحاكم بذكاء رجاله"
(سنيكا)
قبل ان أبسط بين يديك - كشف الله أمامك المستور والمسكوت عنه - دعني أضع بين يديك ما كتبه الروائي الأمريكي سكون فيتزيجرالد، حين تحدث في شأن البطولة.
قال كاتب "جائسبي العظيم" أبرز لي بطلاً، وأنا أكتب التراجيديا.
والبطل من ملك نفسه، وأمتلك هواه حتى المحو. وهو ما أقدم عليه صاحبي ذلك الذي من "حي الفضل" البغدادي. وقد صاحبته دون أن أراه. ورافقته ولم ألتق به.
لكن ذكراه كتاب البطولة.
وهو خضر. وكل من عاش في بغداد، في خمسينات القرن الماضي، من نوري السعيد إلى أصغر شرطي في حماية الوزير الكردي الصلب سعيد قزاز، يعرف بحكاية خضر.
خضر - يا ناس - شجاع
وهو صاحب رأي، وصاحب قبضة إن ضربت جداراً خرسانياً، انفطر الصخر على هوى خضر وإرادته.
والحق كان خضر كما الشجاع الحق، الذي يحتفظ بمخاوفه لنفسه، ويشرك غيره في شجاعته. هذا يعني - ومن الله التوفيق - أن تكون في المقدمة إذا ما كنت قائدا حقاً. وأن تكون الأول في التضحيات، والأخير في المكاسب، إن كنت مناضلاً حقاً.
وشرف المناضل الفكر والجسارة.
كيف يكون المناضل غير جسور؟ وأمامك أسماء الأبطال، وبين يديك صفحات البطولة، فمر ببصرك على أولئك وهذه، وسترى الأفعال تتحدث عن نفسها.
ولكن، أين أنت من أولئك وهذه؟!
الشجاعة - أخي - أن تنظر إلى وجهك في المرآة، صباح كل يوم، وتقول مع شكسبير: ليس من الشجاعة أن تنتقم، بل أن تتحمل وتصبر.
والشجاعة - أخي - أن تقول بصوت عال، كما كان أرسطو يعلن، ليست الشجاعة أن تقول كل ما تعتقده، بل أن تعتقد بكل ما تقوله.
وكان صاحبي خضر، لا يجيد القراءة والكتابة. وكان خضر فتوة عرف معنى الرجولة وهو في الثانية عشرة من عمره. ولما بلغ الخامسة عشرة كان في مصاف الرجال حقاً. وفي تلك الأيام كان الرجل كلمته.
وكان خضر صديقاً لنجل رئيس الوزراء نوري السعيد، وحدث أنه قتل شخصاً آخر يناوئ ابن رئيس الوزراء، وحكم عليه بالإعدام شنقاً.
لم تفد الوساطات بتخفيف حكم الاعدام، الى الحكم بالسجن المؤبد. حتى كان يوم عرف فيه خضر أنه سوف يعدم بعد ثلاثة أيام، فطلب من الشرطي أن يجلب إليه (حلولاً)، أخذ يتجرعه مع انتصاف كل ليلة، مع انه امتنع عن الأكل، واكتفى بالماء الزلال.
وفي ليلة شنقه، طلب من الجلاد أن يأتي إليه بدشدشته البيضاء المفضلة.
لمَ الدشداشة تلك؟!
قال خضر: حتى تعرف بغداد نظافتي.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com