تتخذ أمراض الكبد أنماطاً عديدة، وتعزى إلى العديد من الأسباب، بل إن البعض يعانون أمراض كبد لا يتمكن الأطباء المختصون من اكتشاف سببها أبداً وهذا ما يسمى بالأمراض مجهولة المنشأ أو الحالات الشاذة.
وأكثر أسباب أمراض الكبد شيوعاً هو الإفراط فى تناول الكحوليات، والالتهابات الفيروسية (الناتجة عن الفيروسات A، B، C، وفيروسات أخرى)، والإفراط فى تناول الأدوية (وخصوصاً عن طريق الأوردة)، والآثار العكسية لكثير من أدوية الصيدليات (مثل المسكنات والأدوية المضادة للالتهابات، وبعض المضادات الحيوية والأدوية المضادة للفطريات ومثبطات المناعة).
إن أسباب أمراض الكبد هى أكثر من أن نحيط بها؛ وبرغم ذلك فقد عاينت حالات أمراض الكبد ناتجة عن أمراض الجهاز المناعي مثل القرحة الجلدية والكثير من الأوبئة مثل الإيدز، الملاريا، والسل.
وتنتج أمراض الكبد من التعرض للمواد السامة باستمرار فى بيئة معينة أو مواقع العمل، مثل المبيدات الحشرية، أو مواد مكافحة الآفات، أو المحاليل العضوية. فالكثير من المحاليل العطرية أو المضاف إليها الكلور تعتبر مواد مسرطنة. وهى تتجمع فى الأماكن الدهنية من الجسد مثل الكبد والمخ. كما أن بعض مواقع العمل قد تعرضك للمواد الكيميائية المسممة للكبد بتركيز أعلى، ومن أمثلة هذه المهن صانعو الأحذية، مكافحو الآفات، مستخدمو المبيدات الحشرية، عمال الصناعات البلاستيكية والمطاطية، مصنعو الأثاث والخزائن الخشبية، مصففو الشعر، العاملون فى التنظيف الجاف، والنقاشون.
يعد الكبد موطناً مستقبلاً للسرطان، والكثير من حالات السرطان الأولية تنتشر من عضو آخر إلى الكبد حيث تنمو هناك، وتدمر أنسجة الكبد حولها. والكبد كذلك موطن خصب لبداية مرض السرطان، وهو أمر منطقي نظراً لأنه يتحمل الجهد الأكبر فى حرق جميع الأطعمة المسممة والكيماويات التى نلتهمها طوال عمرنا. وقد عاينت أيضاً إحدى حالات تضخم الكبد والتى يتضخم فيها الكبد بأكياس كبيرة بشكل خطير، وتملأ هذه الأكياس الجوف بكامله. ويرجع مرض تضخم الكبد إلى خلل فى الجينات الوراثية وهو ينتقل بالوراثة، ومع ذلك فهو غير واسع الانتشار.
هناك الكثير من أمراض الكبد قصيرة الأمد أو غير المزمنة، ويعود هذا إلى أن الكبد له قدرات متميزة على تجديد نفسه وإصلاح قصوره بنفسه، وعادة ما يؤدى هذا إلى شفاء كامل له. ورغم هذا، فإذا أصيب الكبد بضرر بالغ أو تأثر بحالة تسمم شديد أو مزمن، كما فى بعض حالات الإصابة بالالتهابات الناتجة عن فيروس (B) أو (C)، أو المداومة على تناول الكحول بإفراط، عندئذ يضعف احتمال شفاء الكبد تماماً من تلقاء ذاته. وبعد سنوات عديدة من التهابات الكبد المزمن والتعرض للمواد السامة، يصاب الكبد بحالة شديدة من التشوه الحاد وهذا ما يسمى بالتليف.
إن أحد الأسباب الشائعة نسبياً لأمراض الكبد (مجهولة المنشأ) التى تظهر فى مجتمعات اليوم المرفهة هو النظام الغذائى الذى يحتوى على كثير من الدهون المشبعة والسكريات المكررة. وبعد عدة سنوات من اتباع نظام غذائى كهذا قد تحدث حالة “الكبد الدهني” حيث تبتلع الرواسب الدهنية الكبد. إن الكبد الدهنى من الأمراض المتلفة للكبد حيث تصاب الخلايا بصدمة مميتة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عن طريق كريات المواد الدهنية بداخلها. ويفقد مرضى الكبد الدهنى كل قدرة على التمثيل الغذائى وحرق الدهون ويعانون الزيادة المفرطة للوزن.
اختبارات الكشف عن أمراض الكبد
إذا كنت تشك أن كبدك لا يعمل بكفاءة أو مصاب بمرض، فاطلب من طبيبك فحصه. يمكن معاينة الكبد بتقنيات تصوير متعددة، مثل الأشعة فوق الصوتية أو أشعة (CAT)، والتى يقوم بها أطباء الأشعة. إن المسح بالأشعة فوق الصوتية للجزء العلوى من البطن سيظهر حجم وشكل الكبد، والمرارة، والطحال، والبنكرياس. وتستخدم أشعة (CAT) للكشف عن السرطان أو الأورام بالكبد.
ويمكن لاختبارات الدم أن تكشف عن مصل البيليروين وأحماض الصفراء التى قد ترتفع نسبتها فى الدم نتيجة لأنواع معينة من أمراض الكبد والمرارة. إذا كانت نسبة البيليروين شديدة الارتفاع قد يلاحظ أيضاً أن إفرازات الأمعاء مصفرة للغاية، وأن لون البول قد صار داكناً لأن البيليروين يتسرب من الأمعاء إلى البول.
وقد تظهر اختبارات الدم لقياس معدلات إنزيمات الكبد ارتفاعاً غير طبيعى لمعدلات خلايا الكبد التى أصابها التمزق أو الفتق، مما يؤدى إلى إطلاق الإنزيمات من داخل الخلايا إلى تيار الدم.
وإنزيمات الكبد التى يمكن قياسها هي كالتالي:
Alkaline phosphatase – ALP
Gamma-glutamyl transpeptidase – GGT
Serum glutamic oxaloacetic transaminase – SGOT
Serum glutamic pyruvic transaminase – SGPT
وخلال المراحل الأولى من مرض الكبد حيث يكون تلف خلايا الكبد مازال عند الحدود الدنيا، غالباً ما لا يكون هناك سوى درجة طفيفة من إفرازات لإنزيمات الترانسامينات (SGOT – SGPT) فى اختبارات الدم.
وبالنسبة لهؤلاء الذين يتعاطون الكحوليات بإفراط، فغالباً ما يكتشفون وجود ارتفاع فى الإنزيمات المسماة بترانسببتيدات جاما جلوتامى (Gamma GT) عند إجراء اختبار، وغالباً ما يصعب التوصل إلى هذه النتيجة، وذلك لأن إنزيمات الكبد الأخرى عادةً ما تكون عادية، على الأقل فى الحالات المتوسطة من تلف الكبد الناتج عن الإفراط فى تناول الكحول.
وقد وجد أن من يعانون أمراض كبد مزمنة وفى بعض حالات أمراض المرارة تكون هناك زيادة كبيرة فى معدلات الدهون فى الدم، وفى نسبة الكوليسترول الإجمالية وثلاثى الجليسريد. كل هذا متوقع بناءً على حقيقة أن الكبد هو أهم أعضاء الجسم التى تضطلع بمهام التمثيل الغذائي والحفاظ على توازن نسبة الدهون. إن بعض هؤلاء المرضى يصابون بالكبد الدهني وقد يتكون لديهم أيضاً أكياس دهنية صفراء تنمو فى الجلد حول العينين وبالأطراف كذلك. وتلك الأكياس الدهنية التى تنمو تحت الجلد تسمى (الأورام الصفراء). وإذا بدأت هذه الأكياس تنمو تحت الجلد، فغالباً ما تتجمع فى أجزاء أخرى من الجسد مثل الكبد والقلب والكلى والبنكرياس والعقد الليمفاوية، والشرايين (تصلب الشرايين). وتؤدى تلك الأمراض الناشئة عن الدهون إلى تدهور الحالة العضوية وتخنق أعضاءك الحيوية وأوعيتك الدموية وتعزى جميعها إلى عدم قدرة الكبد على القيام بعملية التمثيل الغذائي وتكسير الدهون الزائدة والمشبعة التى تناولتها على مدى فترة طويلة.
وهناك اختبارات أخرى يمكن إجراؤها على الدم للكشف عن قدرة الكبد على إنتاج بروتيناته الضرورية مثل بروتينات الألبومين، والبروثرومبين، وأيضاً بروتينات الجلوبولين المختلفة، وهذه الاختبارات لها القدرة على الكشف عن حالات اختلال وظائف الكبد.
قد يبدو هذا كله عملاً معقداً إلى حد ما، ومع هذا فبوسع طبيبك الخاص أن يجرى كل تلك الاختبارات باستخدام اثنتين أو ثلاث قوارير صغيرة لعينة دمك.
فى المراحل الأولى لأمراض الكبد قد لا تظهر الأعراض الحاسمة والمميزة، وهكذا قد لا تدرك أنت ولا يدرك طبيبك أن ثمة مشكلة أساسية. وغالباً ما تظهر المراحل الأولى لأمراض الكبد بالمصادفة فى اختبارات تحليل الدم الروتينية، والتى تتضمن اختبارات لوظائف الكبد. وتمر أمراض الكبد المزمنة بفترة طويلة من ظهور الأعراض غير الواضحة وفى حدودها الدنيا، حتى تصل إلى المراحل المتأخرة وظهور الصفار (اليرقان) والتشوش الذهنى.
وخلال ممارسة عملى الطبى أقوم بإجراء الكثير من اختبارات تحليل الدم الروتينية للكشف عن مستويات الهرمونات ووظائف الكبد عند المرضى المصابين بالبدانة، وغالباً ما أجد زيادات طفيفة فى إفرازات إنزيمات الكبد الدالة على وجود خلل غير حاد بوظائف الكبد وتلف طفيف به. وقد وجدت أنه من الصعب جداً للكثيرين ممن يعانون الزيادة المفرطة فى الوزن أن ينقصوا وزنهم حتى ولو كانوا يتناولون المقادير العادية من الطعام فقط، ما لم نحسن من وظائف الكبد لديهم أولاً. نعم، إن الكبد هو العضو الحاسم لهؤلاء الذين وجدوا صعوبة بالغة فى إنقاص وزنهم، أو فى مجرد الاحتفاظ بوزن صحى خلال تقدم أعمارهم.