ليل شتوي قارص، نار دفيئة تسري في عظامهم، وفي عقولهم وهج التحاور، أبو بكر الصولي يخاطب الجهشياري :
ذهب صمتك بك إلى أين ؟
الجهشياري:
تذكرتُ الأشعري..
يسأله إبن دريد :
أيهما ؟
الجهشياري :
أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري في المسجد الجامع في البصرة وهو يؤذن في الناس بعد عشرين سنة من الاعتزال : مَن عرفني فقد عرفني، أنا تائب ، متبرئ من المعتزلة، سأفند أفكارهم وأفضح ألاعيبهم في الجدل .
عقب أبو بكر الصولي :
كان من شيوخ المعتزلة ؟ كيف باغتنا في التحول وهو ربيب شيخ المعتزلة محمد بن عبد الوهاب الجبائي وهذا الرجل كان زوج أم الأشعري وهو من تكفَّله بالرعاية والتعليم حتى بزغ نجم الأشعري في المعتزلة ؟
تساءل أبن دريد وعيناه في عينيّ الصولي:
كأن الأشعري ولدٌ عاقٌ، وقد أنقلب على مَن أحسن مثواه ؟
تبسّم الجهشياري، تمطى وخاطبهم:
بالإضافة إلى ربيبه الأشعري، فالجبائي رزقه الله بولدٍ من صلبه سار على درب أبيه في الاعتزال .
لكن الابن والربيب :
أعني بين الأشعري والجبائي الصغير فاصلة خشنة، لذا.. أقول ربما هذا التنافر بينهما هو سبب تمرد الأشعري على مذهب الإعتزال .
عقّب الصولي :
دعونا من تأويلات الجهشياري ربما خفوت نار حجرتنا دعته لهذا القول.. تضاحكوا أجمعين فقد كانت النار فتية ً تتراقص في الموقد ومائدة الطعام والشراب عامرة .
يقول الصولي حدثنا الأشعري :
إن الخالق لفعل العبد هو المعبود الواحد الأحد، وللعبد القدرة والإرادة بصفته كاسباً، والمقدور يدخل القدرتين:
الخالق والمخلوق لكن بجهتين مختلفتين :
الفعل مقدور لله تعالى بالخلق، ومقدور للعبد بالكسب .
هنا سيحسمها إبن دريد :
يا صولي .. أفسدت ليلتنا بمنطقك وحجاجك .
أقول بالمختصر :
الأولون عترة الرسول وصحبته :
سمعوا القرآن وحفظوه في صدورهم فصارت قلوبهم محاريب عبادة فهم كلهم
آمنوا بعيدا عن سفسطة الروم... ثم التفت بن دريد نحو صاحب المائدة، فنادى الرجل عبيده وجواريه للعزف والغناء.
فتراجع العلم ليكمن في عقولهم، وتفتحت القلوب الظمأى للموسيقى والمرح >