ترسخ اسمه في الذاكرة الشعبية من خلال برنامجه الشهير "قل ولا تقل" الذي كانت تبثه الإذاعة العراقية، وبسط فيه جناح اللغة العربية للعامة واللغويين على حدّ سواء، وذاع صيت البرنامج، وكذلك صيته باعتباره مقدمه ومعدّه، وصارت الفصحى ـ من بادرته هذه ـ مشاعة في البيوت والأسواق والشوارع كالماء، بل كالهواء.
مصطفى جواد مع علمه الغزير في تخصصه، كان سريع البديهة، واشتهر بذكائه الفني الذي قاده الى الاعتقاد - وانعم به من معتقد - أن قناة الاتصال ضرورة للشيوع، فاتخذ منبر الإذاعة مركبا، حتى يمرر صحيحه على كل ذي أذن واعية، فكان له ما أراد، وكسب شرف المحاولة، وان لم تأت أكلها.
وصار "سيبويه" أو "فراهيدي" القرن العشرين، وصار - أيضا - محط اهتمام حكومة البعث التي انقلبت عليه بعد وفاته عندما وصلها خبر مفاده أنه من أرومة تركمانية، فحاربته الحكومة "العتيدة" وهو متوفٍ كما عملت مع "سيبويه" الذي أوعزت بحذف اسمه من المناهج، ورفعه من المكتبات العامة حتى.
والانكى، أنها - أي الحكومة "العتيدة" عينها - رفعت تمثاله النصفي الذي كان في بوابة "الخالص" من أعمال ديالى. ولما تزل الخالص تتباهى أنها تـُنعت (مدينة الأدباء) عرفانا له.
• هو أستاذ اللغة العربية في العراق، وبزّ حتى أستاذه الأب انستاس الكرملي، فقد كان انسكلوبيديا لغوية تمشي بما حفظ وعرف ووعى، وكان يجيب صحيحا على أيّ سؤال وفي أيّ آن.
• أكمل دراسته العليا في جامعة السوربون بباريس، وقد كتب المستشرق المعروف "لويس ماسنيون" الى وزارة المعارف ببغداد خطاب شكر على إرسالهم (مصطفى جواد) لأنهم تعلموا منه الكثير، وهذه شهادة لم يحظ بها غيره.
• دخل - مرة - في نقاش مع العلامة محمد رضا المظفر حول دخول "أل" التعريف على كلمة "فوضى" فكان المظفر حذرا خشية أن يكون د.جواد مطلعا على مصادر تبيح هذا الاستعمال، فطالبه بإظهار الدليل على صحة دعواه، فرد عليه بأنه اجتهاد فحسب، فقال له المظفر: لماذا لم تقلها منذ البداية.
• كان عالماً ومؤدباً، ويذكر عنه أنه كان يأخذ طلابه المشاغبين بالشدة التي عليها أساتذة تلك الأيام، وضرب - ذا يوم - خلدون ابن مدير التعليم العام ساطع الحصري الذي يأتي بعد وزير المعارف في التراتب الوظيفي، وطرده قائلا له: "اذهب الى والدك المربي ليربيك ثم يأتي بك إلينا".
• شارك في مئات المؤتمرات الأدبية واللغوية والتاريخية، وحاضر في الجامعات العربية والأجنبية، وكان غزيرا في نتاجه حتى قيل انه لا تخلو مجلة أو جريدة من بحث له أو مقال.
• أخطرته - مرة - وزارة المعارف بكتاب رسمي، ناهية له نشر المقالات في الصحف استنادا للقوانين التي لا تجيز للموظف النشر دون دورياتها، فقام بتصحيح الأخطاء الواردة في الكتاب بالقلم الأحمر، وأعاد الكتاب الى الوزارة داعياً أن تقوم بتقويم كتابها قبل أن تقوّم الآخرين.
• اشرف على رسالة الدكتوراه للشاعرة نازك الملائكة، التي كتبت عنه: "له في حياتي الفكرية اعمق الاثر، رحمه الله، وجزاه عنا نحن تلاميذه اجمل الجزاء، ولم تزل رسالتي هذه في مكتبة كلية التربية وعليها تعليقات بالقلم الاحمر كتبها الدكتور مصطفى جواد حينه".
• خاطب عبد الكريم قاسم مرة، قائلاً له: أرجوك أيها الزعيم، لا تقل "الجمهورية" بفتح الجيم، بل قلها بالضم.
• بلغت كتبه المطبوعة عشرين كتابا بين تأليف وتحقيق ونقد، وبقدرها بلغت كتبه الخطية أيضاً بل أكثر بقليل، ومن أشهر مؤلفاته:
1. الحوادث الجامعة.
2. الضائع من معجم الأدباء.
3. المستدرك على المعجمات العربية.
4. رسائل في النحو واللغة.
5. المباحث اللغوية.
• ولد عام 1904، ولكنه استدرك على ياقوت الحموي الذي عاش قبله بسبعة قرون.
• أُعيد - قبل سنوات ثلاث - نصب تمثال (كلي) له على عتبة بلدته الخالص، ولكنه تمثال لا يمت لعالمنا الجليل بصلة، فقد جاء مشوها، مسيئا، مضحكا.
• ندعو وزارتي الثقافة والتعليم العالي لطبع كتب العلامة مصطفى جواد، المطبوعة منها والمخطوطة، حتى نحتفظ بتراث من شهد له الأباعد قبلنا.
• وحبذا لو أشركت أمانة مجلس الوزراء اسم د. مصطفى جواد مع الأفذاذ الذين تروم أن تخلدهم حجراً وورقا.
• توفي في 17 كانون الاول 1969 ببغداد التي ولد فيها، تاركاً وراءه كنزا ثمينا في شتى ميادين المعرفة. وفي رحيله قال عميد الادب العربي د.طه حسين: "أنعي فيه زميلا عزيزا مقتدرا، واديبا فذا".
• العلامة مصطفى جواد بعد أربعين جدباً ونيف يرنو لعراق آمن مزدهر خال حتى من المجازر اللغوية.
(عن وكالة ماتع الاخبارية)