شئ مفرح حقاً حينما تلتقي أناس يسألون عن الكوليسترول والدهون الثلاثية ،الدهون الضارة والأخرى النافعة ،وهذا مؤشر يبعث على الأرتياح ،فالثقافة الصحية التغذوية مهمة جداً قد تفوق معرفة الأدوية والعلاجات على أهميتها، كون نحن معشر الأطباء مقتنعون تماماً أن العديد من الأمراض أسبابها تغذوية وعادات أجتماعية ضارة.
ويبدو أن التوعية الصحية مهمة جداً بحيث بدأ الناس يتحاشون مواد غذائية ضارة أو يسألون عن المفيد والضار منها.
ولكن قبل الولوج في الموضوع علينا أن نلقي نظرة على الكوليسترول وعلى الدهون الثلاثية.
الكوليسترول مادة دهنية شمعية تدخل في تركيب جدران الخلايا وكذلك في عمليات التمثيل الغذائي وفي تصنيع عدد من الهورمونات وفايتمين دي، أكتشفه العالم فرنسوا بولوتييه دولاسال سنة 1793 في حصى المرارة، وفي سنة 1815، أطلق عليه الكيميائي الفرنسي ميشيل أوجين شوفرول اسم "كُوليستيرين" وقد أشتقها من اللغة اليونانية حيث "كولي" تعني عصارة المرارة و"ستيريوس" تعني الجسم الصلب. الكوليسترول نوعان أحدهما مفيد والأخر ضار للصحة. النوع المفيد وهو بروتين دهني مرتفع الكثافة يعرف اختصاراً عن الانكليزية(HDL) والنوع الضار هو بروتين دهني منخفض الكثافة ويعرف اختصاراً (LDL).
تتم عملية التمثيل الغذائي للكوليسترول في جسم الأنسان في الكبد والأمعاء، وأحد مصدره هو الطعام الذي يتناوله.
الكوليسترول عال الكثافة يحمل الكوليسترول منخفض الكثافة الى الكبد لغرض تمثيله وحماية الجسم من مضاره ،الاً أن ليس بأمكان الكوليسترول مرتفع الكثافة نقل كل الكوليسترول الضار الى الكبد ،والنتيجة فأن المتبقي من الكوليسترول الضار يترسب على جدران الشرايين.
مقدار الكوليسترول في الدم يجب أن لا يتجاوز الـ (200ملغم/100 مل)، وهو الحد الأعلى بطبيعة الحال.
يترسب الكوليسترول منخفض الكثافة على جدران الأوعية الدموية فيتسبب في تضييقها وتصلبها، ترتفع نسبة الكوليسترول الضار في الدم جراء التغذية غير الصحية لمواد غنية به، كالدهون الحيوانية (الزبد، القيمر ،القشطة والألبان كاملة الدسم)، واللحوم الحمراء والأطعمة المصنعة منها(الكباب، الباجة ،الهمبركر، الصوصج، مارتديلا، الباسطرمة)وكذلك الأعضاء الداخلية لتلك الحيوانات(المعلاك ،الكلى وبيض الغنم والمخ)، أضافة الى جلد السمك وجلد الدجاج والأجنحة، وهو موجود في الصدفيات(المحار،الروبيان ،سرطان البحر)، كما أن دهن جوز الهند غني بهذا النوع من الكوليسترول.
ويرتفع مستوى الكوليسترول الضار في الدم لدى المرضى الذين يعانون من قصور الغدة الدرقية، داء السكري، أرتفاع ضغط الدم والأضطراب الوراثي لتمثيل الكوليسترول بسبب خلل جيني.
أن المستوى الطبيعي المقبول للكوليسترول منخفض الكثافة (الضار) في الدم هو 100 ـ 130 ملغم/ مل ،وهو على أنواع ،وثبت مؤخراً أن ليس كل أنواع الكوليسترول منخفض الكثافة ،ضاراً ،إنما أنواع محددة منه ،وقد توصل العلماء الى تحليل أطلقوا عليه تحليل (فينوتايب phenotype) لمعرفة النوع الضار تحديداً من الكوليسترول منخفض الكثافة.
أما الكوليسترول عال الكثافة فهو ليس بضار ويمكن تحفيز فعاليته بممارسة الرياضة وهو موجود في بعض الزيوت النباتية كزيت الزيتون وزيت عباد الشمس والأذرة ،مستواه الطبيعي يتراوح بين 35 ـ 55 ملغم/ مل.
أما الدهون الثلاثية (تراي كليسيرايد) ـ TAGـ ، فهو مركب عضوي يتكون من (الكليسيرايد) وثلاثة مجاميع من الأحماض الدهنية ،وهو مصدر رئيس للطاقة في جسم الأنسان ،هذا المركب يعد عاملاً مهماً في تنظيم أفراز الهورمونات.
الدهون الثلاثية هي نتاج التمثيل الغذائي في الكبد ويمكن كشفها بتحليل الكوليسترول.
الدهون الثلاثية ترتفع في حالة زيادة الوزن وأحتساء الكحول أو جراء خلل الغدة الدرقية ،كما أنها ترتفع جراء أستخدام بعض الأدوية (كمضبطات بيتا التي تستخدم في معالجة أرتفاع ضغط الدم وبعض أمراض القلب ،أضافة الى منتجات كورتيكوسترويد ـ كورتيزونات ـ).
مستوى الـ TAG يجب أن لا يتجاوز الـ 200 ملغم/ مل ،بل أن تجاوز هذا الرقم يعني يجب الأبتداء بالحمية الغذائية فوراً وتغيير الطباع والعادات التغذوية.
أصبحت الثقافة التغذوية اليوم مهمة جداً لتفادي الإصابة بأمراض يمكن للإنسان عدم التعرض لها ،ونتيجة لزيادة أعداد المصابين بأرتفاع الكوليسترول والدهون الثلاثية في دمائهم ،فقد توصل العلماء الى أنتاج أنواع عديدة من العلاجات لتخفيضها، ومع ذلك فتبقى التغذية السليمة أفضل وسيلة لتحاشي أرتفاع هذه المواد الضارة في الجسم.
أن وسيلة التخلص من الكوليسترول الضار تكمن في أتباع أتجاهين مهمين في التغذية ،الأتجاه الأول ،تحاشي تناول الكوليسترول الضار ،والثاني تناول أطعمة تساعد الجسم على التخلص منه.
ينصح علماء التغذية بتناول الأطعمة ذات الصفات التالية:
أولاً ـ تعطي سعرات حرارية قليلة،(لأن كلما زادت السعرات الحرارية ،كلما أكتسب الإنسان وزناً).
ثانياً ـ تقلل من مستوى الكوليسترول.
ثالثاً ـ تحتوي على الألياف.
والألياف نوعان ،الذائبة بالماء ،وهي موجودة في (الشعير،الشوفان ،الفاصوليا، اللوبياء ،الباقلاء ،العدس ،الباميا ،الباذنجان،الحمضيات، العرموط/الكمثرى ،الخوخ، الأجاص والتفاح)، فهي:ـ
1. تبطّئ تفريغ المعدة والأمعاء من الطعام وبالتالي لا يشعر الشخص الذي يتناولها بالجوع بسرعة.
2. وتبطئ من سرعة إمتصاص السكريات وتقلل الكوليسترول لذا فهي مفيدة للمصابين بداء السكري وتفيد في معالجة الإسهال.
أما النوع الثاني من الألياف فهي غير الذائبة في الماء (مادة سليلوزية) والتي لا تتولد عنها طاقة (أي بلا سعرات حرارية) كونها لا تُهضم ولا تُمتص ،تساعد على حركة الأمعاء فتمنع الأمساك وسرطان القولون بالأضافة الى أنها تقلل الكوليسترول، هذا النوع من الألياف موجود في الخبز الأسمر.
نوعا الألياف يعملان على الأرتباط بجزيئات الكوليسترول ومواده الأولية فيتم سحبها الى خارج الجسم قبل وصولها الى الدورة الدموية.
هناك عدد من المواد الغذائية تساعد على تخفيض مستويات الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية ،ومنها:ـ
1. الأسماك ،فهي مفيدة جداً وتحتوي على الأوميكا 3 وينصح خبراء التغذية بتناول (التونة، السردين والسالمون) مرتين أو ثلاثة مرات بالأسوع، مشوياً أو مسلوقاً.
2. البندق، اللوز ،الجوز ،الفستق والفول السوداني ـ يُنصح بتناول 40 غرام(حفنة صغيرة) منها يومياً، ولا يُنصح بتناول كمية أكبر كون هذه المكسرات تعطي سعرات حرارية كبيرة وبالتالي تؤدي الى أكتساب الوزن، وبنفس الوقت فأنها مفيدة بطرد الكولسترول الضار.
3. زيت الزيتون مفيد لأحتوائه على مضادات الأكسدة ،يُنصح بتناول ملعقة طعام منه يومياً مع السلطة ويُفضل زيت الزيتون غامق اللون.
4. التفاح ،ويُنصح بتناول تفاحتين باليوم مع قشورها لأن القشور تحتوي على مادة البكتين التي تزيل الكولسترول الضار،كما يُنصح بالتفاح الأخضر أفضل من الأحمر أو الأصفر.
5. الجزر ،مهم جداً ويُنصح بتناول (1-3) منه يومياً ،ويُفضل تناوله كما هو بدون طبخ.
6. الثوم والبصل ففوائدهما غير محدودة وخصوصاً في التخلص من الكولسترول الضار والدهون الثلاثية.
7. الشوفان وينصح بتناول طبق منه يومياً صباحاً مع الحليب قليل أو خالي الدسم.
8. الموز ويُنصح بتناول موزة او إثنتان يومياً.
9. الشعير،يتداخل الشعير في عمل الكبد ويمنع إنتاج الكولسترول الضار.
10. الفاصوليا مهمة جداً في تخفيض مستوى الكولسترول الضار.
11. الباذنجان ويفضل تناوله مشوياً او بالمرق لكن بدون قلي.
12. الفلفل الحار،له القدرة على إذابة الخثرات الدموية.
13. الروب او اللبن خالي الدسم.
14. كريب – فروت ،عصيره يساعد على تخفيض الكولسترول.
15. فول الصويا ،رغم عدم شيوع تناوله في العراق ،ألاّ أنه مهم جداً لإحتوائه على مادة الليستين الطاردة للكولسترول الضار.
16. السبانغ ،يُنصح بتناوله مرة أو مرتين بالأسبوع.
17. ينصح خبراء التغذية بتناول الفجل ،الكزبرة ،الكركير،البقدونس، البربين.
18. البرتقال ،تناول برتقالة أو أثنتين مفيد جداً في تخفيض مستوى الدهون الثلاثية الضارة فيما لو زادت عن مستوياتها الطبيعية.
ملاحظة: ما ورد أعلاه لا يلغي النظام الغذائي للمصابين بداء السكري.
الغذاء الصحي
لتوفير فرص جيدة كي تحيا حياة صحية ،وبعيداً عن الأمراض المحتملة عن الطعام غير الصحي والعادات الضارة عليك أتباع ما يلي:ـ
أولاً ـ التوقف والامتناع عن كل العادات الضارة ،تشمل :
1. التدخين.
2. تناول الكحول.
3. تناول الطعام الى حد التخمة.
4. شرب السوائل أثناء تناول الطعام.
5. تناول الطعام في أوقات متأخرة من المساء.
ثانياً ـ الابتعاد قدر المستطاع عن العادات التغذوية الضارة ،وتشمل:
1. تناول اللحوم الحمراء(قطع من اللحم ،القوزي ،الكباب ،التكة ،الكص ،الباجة ،مارتديلا ،الباسطرمة..الخ)، أضافة الى الأحشاء الداخلية كالكبد ،بيض الغنم ،الكلاوي ،المخ ، اللسان.
2. أكل جلد السمك ،جلد الدجاج.
3. المقليات، وخصوصاً بأستخدام الدهن الصلب (المهدرج) فهو ضار جداً، والذي يستخدمه أصحاب مطاعم وعربات الوجبات السريعة (كالفلافل مثلاً).
4. المشروبات الغازية وبكل أنواعها أضافة الى مشروبات الطاقة ،علماً أن مشروبات ما تعرف بالـ (دايت) لم تنجز عنها دراسة علمية.
5. الدهون الضارة جداً كالزبد والقيمر والقشطة.
6. عادات تغذوية مشهورة في العراق(كالمخلمة) ،(الكاهي والقيمر) ،(تشريب الباقلاء والبيض) ..الخ
7. أن الوجبات السريعة مضرة جداً وهي السبب الرئيس في اكتساب الوزن وزيادة مستوى الدهون الضارة في الدم.
8. المعلبات لما لها من أضرار صحية وللأسباب التالية :
أ) مرور مدة زمنية على تصنيع تلك المواد الغذائية الموجودة في داخل العلبة.
ب) المواد الحافظة وهي مواد كيمياوية.
ت) طريقة حفظ المعلبات بتعريضها الى الشمس والحرارة ...الخ.
ث) المادة التي تصنّع منها المعلبات نفسها ،واقصد المادة المعدنية أو البلاستيكية.
ج) عموماً فأن الطعام الطازج هو المفضل من الناحية الصحية.
ثالثاً ـ وبالمقابل ننصح بما يلي:
1. التقليل الى الحدود الدنيا من كميات الملح والسكر،بل ينصح الأطباء بالابتعاد عنهما كونهما من السموم البيضاء.
2. تباعد تناول وجبات البيض المقلي(مرة بالأسبوع تكفي) ،وأن أراد المستهلك تناوله فعليه استخدام كمية قليلة جداً من الزيت، علماً أن المفضل هو البيض المسلوق، أما ما يرد بخصوص صفار البيض ،فالدراسات الحديثة أظهرت أن تناول بيضة أو بيضتين مع الصفار أسبوعياً غير ضار.
3. التقليل قدر المستطاع من شرب الشاي والقهوة، والمعلومات الحديثة تشير الى أهمية شاي الكوجرات، وكذلك فأن طريقة تصنيع الشاي (الأسود) في العراق فهي طريقة غير سليمة، لذا يُفضل استخدام شاي الأكياس الصغيرة.
4. الابتعاد عن تناول الدقيق (الطحين الأبيض ـ والذي يُصنع منه الخبز والصمون والعَيش والكعك والبسكت والكيك وكافة أنواع المعجنات)، والاستعاضة عنه بالشعير ومنتجاته.
5. التقليل من البقوليات الجافة والتعويض بما يقابلها من البقوليات الخضراء(الفاصوليا الخضراء، اللوبيا الخضراء ،الباقلاء الخضراء..ألخ)
6. نشير الى أن الحلويات(البقلاوة والزلابية وزنود الست ..الخ)، تحتوي على ثلاث مصادر مؤذية حقاً لصحة الأنسان ،الاّ وهي (الدقيق والسكر والدهن)، نعم الحلويات تمتاز بطعم طيب وشهي ،لكن مضارها أكثر وأكبر من فوائدها ،ومع ذلك فأن تناول قطعة واحدة أسبوعياً تكفي، وبالمقابل فننصح بتناول الفاكهة الطازجة للتحلية، وهنا ننبه المصابين بداء السكر فأن تناول الحلويات محظور بالنسبة أليهم.
7. من الأكلات الشعبية في العراق وفي فصل الشتاء ،"الشلغم" ،والذي يتم تناوله مطبوخاً مع "الدبس"، ورغم الأهمية الصحية للشلغم ،ألاً أن إضافة الدبس أو التمر أثناء تحضيره يجعله مرتفع جداً بالسعرات الحرارية.
8. الخضر التي تزخر بها الأسواق في الشتاء(اللهانة ،القرنابيط ،البروكلي ، الزنجبيل، السلق، اللهانة..الخ)، فأن طبق تتم تهيئته ببخار الماء يعد وجبة غذائية متكاملة.
رابعاً ـ ممارسة الرياضة
كل المراجع والدراسات والبحوث تشير الى أهمية الرياضة في صحة الإنسان، فالرياضة مفيدة جداً في التخلص من السعرات الحرارية الزائدة وهذا يعني، لا إكتساب للوزن وبالتالي فأنها تعمل على التخلص من الكولسترول الضار ،والمحصلة النهائية أن القلب والأوعية الدموية ستكون جميعاً في صحة جيدة، كما أن الرياضة مفيدة جداً للمفاصل والتخلص من آلامها ،الرياضة مفيدة جداً في تنشيط عمل الدماغ ،بمعنى أن كل أنشطة الجسم ستكون تحت سيطرة دماغ سليم معافى.