موحيات جواهرية في الحياة والتنوير

2011-01-14

ما أن يروح الباحثُ في حياة الجواهري المديدة، أو المتابع لشعره وقصيده العميم، متأملاً في حال هنا، أو شأن هناك، حتى تروح الحالات تترى، والشؤون تتوالى، ويكاد المعنيّ ان يتوه في ذلك الفيض، ويفقد المحور في ما أراد الاهتمام به من أمر، أو يركز عليه...

ولا يدور الحديث اليوم عند مناحي الابداع، أو الثراء الفني، أو الغوص في غمار الوقائع التاريخية، بل نحاول أن نلتقط نيرات ونماذج من بين حشود الأبيات الشعرية الجواهرية التي تراوح عند الخمسة والعشرين ألفاً، بحسب ما ندري... ويا لها من مهمة استثنائية، تدفعنا للجوء إلى الزعم بأننا نريد اختياراتٍ معبرة وحسب،وليس بهدف التوثيق الكامل، أو الدراسة الممنهجة...

وبداية الاستشهادات التي نريد، بعد تلكم المقدمة الموجزة كما نرى، أو المستفيضة كما قد يراها آخرون، نتوقف عند بعض موحيات الجواهري في نظرته لسمات الحب الانساني للنصف الآخر، الذي تفرضه الطبيعة البشرية، غير المشوهة، او التي يراد لها ان تكون بمثل ذلك... فكلا الطرفين عارفان بما حوت الثيابُ، وضمت الأزرُ كما قال شاعرنا ذات حين... ولنستمع له موجِزاً عن تلكم الحال:

اني ورب صاغهن كما اشتهى ، هيفاً ، لطافا

وادقهن وما ونى ، واجلهن ، وما احافا

لارى الجنان اذا خلت منهن اولى ان تعافا

لو قيل كيف الحب ، قلت بان تـُداء ولا تشافى

... أما ما تبناه الجواهري من مواقف ورؤى في الشموخ والإباء، والتي برحت عنواناً لشخصيته الاستثنائية، فلعل في اختيارنا لبعض ما جاء في مقصورته المدوية عام 1948 ما يلخص ويفيد، وفي ذلك تفرد الشعراء وتميزهم، فما بالكم بمثل ذلكم الشاعر المتفرد بحسب مريديه، وكذلك بحسب من حاول ان يطالَ منه:

بماذا يخوفني الأرذلون ... وممن تخاف صلال الفلا

أيسلب منها نعيم الهجير، ونفح الرمال وبذخ العرا

بلى ان عندي خوف الشجاع وطيش الحليم وموت الردى

متى شئت أنضجت الشواء جلوداً تعاصت فما تشتوى

وبذلك المنحى تتجه فلسفة الجواهري وتتواتر حكمه في اختبارات الحياة، التي ذاق حلوها ومرّها، وخاض "غمارها حرباً سجالا" فرأى فيها ..."معاناة وتضحية ، حب السلامة فيها أرذل السبل"... رائياً في "هتك الرياء مخاضة، فأبى إلا ان يروح مخوضا فيها " كما سجل ذلك شعراً ، مؤكداً وبذات الاتجاه، او قريباً منه في نونيته عام 1955:

يا أم عوف وكاد الحلم يَسلبنا، خير الطباع، وكاد العقل يردينا

خمسون زمت مليئات حقائبها، من التجاريب بعناها بعشرينا

يا أم عوف وما كنا صيارفة في ما نحب، وما كنا مرابينا

لم ندر سوق تجار في عواطفهم، وبائعين موادات ، وشارينا

يا أم عوف ولا تغررك بارقة منا، ولا زائف من قول مطرينا

انا اتيناك من ارضٍ ملائكها ، بالعهر ترجم او ترضي الشياطينا

ومن الاستشهادات الأخرى ، ما له صلة بهذا القدر، أو ذاك، بمفاهيم ومقاييس الجواهري في النوازع الانسانية التبريرية، أو الانتقالات والتغيرات في المواقف، او" التقلبات" بحسب بعض المتشددين، من دعاة الغلو... ولربما ما سجله الشاعر الخالد في قصيدة "قال وقلت" عام 1977 يعطي بعض صور عما يؤمن به من ضرورات وتصورات...

قلت مهلاً يا صاحبي، ظلمات الليل في عين حالم أضواءُ

أرأيت الكواز أنفس ما يملك ذخرا ، طين خبيث وماءُ

صانعا منه ألف شكل ٍ جراراً، قائلاً في جراره ما يشاءُ

يتغنى بـ "كوزه" ... وكان الكوز في الحسن، كوكب وضاءُ

وكذا كل خالق يترضى ما تبنى ، وهكذا الشعراءُ

اخيرا، آمل أن نكون قد استطعنا ان نعرض لبعض مباديء ومسارات ذلكم الجواهري الذي لا يتردد في البوح بما يؤمن به، وما يريد، بهدف التنوير والارتقاء، بعيداً عن المجاراة والتردد متبنياً لمقولته:

خيرُ الشفاعة لي بأني كاشف حرّ الضمير ، وقائل:هذا أنا

المقاطع الشعرية اعلاه ، بصوت الجواهري على الرابط التالى

http://origin.iraqhurr.org/content/article/2185465.html

مع تحيات مركز الجواهري في براغ

www.jawahiri.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved