منذ فترة طويلة وأنا أتابع ما يجري على الساحة من مهاترات بخصوص قضية قيادة المرأة للسيارة, حتى أنها أصبحت حديث المجتمع والساعة معاً.. تلك القضية ما أن تخبت جذوتها حتى يعاد إذكاء نارها مرة أخرى من قبل البعض.
وذكرني ما يجري الآن بخصوص هذه القضية, ما كان البعض يستعذب طرحه في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى, حين يعييه البحث عن موضوع للنشر ولا يرى أمامه إلا الرواية المستهلكة التي عفا عليها وطالها غبار الزمن, ألا وهي قضايا المرأة وما يصاحبها من تداعيات كغلاء المهور مثلاً, ذلك الموضوع لا يزال حديث الساحة رغم أنني لا أراه حديثاً مستهلكاً وحسب بل ومن الآثار التي يجب زيارتها والتمعن بها بين فترة وأخرى.. لو تم وضع ما قيل وتم نشره عنها في الصحف في متاحفنا المتواضعة!..
إذ أنني أهوى قراءة الصفحات القديمة من جريدة (اليـوم) ووقعت عيني على الأعداد التي تم نشرها في بداية الثمانينات الهجرية عن موضوع من قارئ يتحدث فيه عن معضلة غلاء المهور وأثرها على المجتمع... وحالياً وفي عصرنا الحاضر مازال البعض يلجأ إلى هذا الموضوع (الأثري) بين فترة وأخرى ليتم نشره في صحفنا.. وفي زمن تغيرت فيه المفاهيم وجدت فيه قضايا أخرى أعظم شأناً وأكبر من قضية غلاء المهور.. هذا إذا كان مازال هناك من يغالي في المهور في ظل انعدام الوظائف للشباب, وما يصاحبها من غلاء فاحش في متطلبات الحياة الأخرى ومن ضمنها السكن ووسائل المعيشة الأخرى!..
وفي وقت باتت فيه المرأة تعمل بجد وتبحث عن وظيفة ما تسد رمقها وأسرتها وتمكنها من العيش بسلام مع زوج لا يستطيع الوفاء ومجاراة الازدياد المطرد في أسعار كل الاحتياجات الضرورية للعيش مستورين, مازال هناك من يعيش في كهوف حجرية مظلمة ليطالب المرأة بالجلوس في البيت ومتابعة شؤون أسرتها بدل مزاحمة الرجال في سوق العمل.. وأعتقد أن هذا الأمر هو مطلب كل امرأة سوية في الحياة تود الحفاظ على وضعها كأنثى ومربية للأجيال.. ومن هي التي ترفض الجلوس في منزلها معززة ومكرمة يأتيها كل ما تطلبه وهي مرتاحة النفس والبال, لا تشكي إرهاق الوظيفة وما يترتب عليه من ضغط نفسي وعصبي وقبل كل هذا ما تتعرض له أحياناً من ابتزاز لراتبها الذي يراه البعض غنيمة من السهل الانقضاض عليه!.. وقد يرى ! الآخرون أنها ليست جديرة بأن يكون لها مصدر مادي مستقل لتتمتع به فهي مازالت (حرمة)!..
ولأنني أنا أيضاً حرمة فقد كنت بصدد دخول إحدى كبائن الصراف الآلي والمنتشرة بكثرة في مدننا وأحيائنا.. وبينما أهم بالدخول إذ أتى أحدهم مسرعاً ولا أدري من أين أتى!؟ و (حط رجله قبلي!) وكأن لسان حاله يقول (ما بقى إلا الحريم يدخلون مكائن الصرف الآلي!!؟).. وهناك الكثير من المواقف الشبيهة لما حصل!.. وقد واجهتها العديد من النساء المغلوبات على أمرهن أثناء انتظار دورهن أمام صناديق الدفع وفي أي مكان.. وأنا لا أنكر أن هناك العديد من الرجال في مجتمعنا من ما زال يتمتع بالشهامة والمروءة التي تجعله يفسح للمرأة دوره في أي مكان ويؤثرها على نفسه, ولكننا نود أن يأتي اليوم الذي تتغير فيه المفاهيم المغلوطة عن المرأة من الجميع, وتعطى حقوقها المعنوية والمادية قبل أن نطالب بقيادتها للسيارة.. ومنها حق إبداء الرأي وعدم تسفيه آرائها حتى في الأشياء التي تخصها كالميراث.. وحق اختيار الزوج.. والتمتع براتبها كاملاً دون الاستيلاء عليه من قبل الأب أو الزوج, وحق النفقة, وغيرها من الحقوق الشرعية.. فما زلنا نعاني مشاكل موغلة في الجاهلية كالعضل والتحجير وغيره!..
ولن أنسى يوماً ما حضور أحدهم برفقة زوجته للعلاج وكانت هي المريضة وما أن شرعت في الحديث وأنا أستفهم منها حتى أتاني رده مباغتاً:"دعيني أجيب عنها فهي لا تفهم (بقرة)!!.." وعليكم تخيل كل ألوان الطيف على وجه تلك المرأة وما اعتراني من شعور حينها بفداحة ما يحتويه مجتمعنا من (أشياء) على غرار (مخ وعقل) هذا الرجل بحاجة إلى وقت طويل للصيانة والترميم حتى يصبح قادراً على العمل بكفاءة!..
وفي مجتمع مازال البعض يبادر إلى قوله (أعزكم الله) قبل ذكر اسم المرأة.. وما زال من يرى الإعلان عن اسم زوجته وأمه وابنته عاراً كبيراً.. هل نتوقع منه تبني أمور أخرى تعد من البديهيات في عصر العولمة والتقنية؟؟.. وفي عهد بلغت فيه المرأة أوج عزها العلمي والأدبي وأصبحت نداً للرجل في شتى الوظائف ما زلنا نرى البعض ممن يتقلد الوظائف العليا وبشهادات متواضعة لا ترقى إلى علو مؤهلاتها وهو يتحكم في سير العمل ونشاطاته ولا بأس من بعض الدسائس وسلب الحقوق لو تقلدت يوماً ما منصباً أعلى (بالغلط!).. فقط لأنها (امرأة)!.. وهذا ما حصل لدينا إذ سرعان ما سحب البساط من إحدى الأكاديميات الوطنيات ذوات الكفاءة ولصالح (أجنبي) لديه نفس المؤهل ليدير المؤسسة فقط لأنه رجل!!؟..
وأيضاً وقبل أن نسمح لموضوع قيادة المرأة أن يطرح مجدداً علينا تثقيف ...