وصلتني قبل أيام مقالة تحمل عنوان "الحرية كلمة أكبر من رئيس جمهورية"، أراد كاتبها أن يبيّن أهمية الحرية للأديب وأن الأديب لا يمكن له أن يكون مبدعاً بحق ما لم يكن حرّاً، وإن الإنسان المبدع لا ينبغي أن ينحني للسياسي أو الحاكم حتى وإن كان رئيس جمهورية.. ولا خلاف في ذلك؛ بيد أن في ثنايا المقال الجميل جاءت روايات تثير التساؤل والاستغراب حتى ليبدو الأمر للقارئ الفطن أن ظلال المقال هي الرسالة التي أراد الكاتب أن يمررها أكثر من جوهر المقال عن أهمية الحرية للمبدع والإبداع الذي لا يختلف عليه إثنان، فما الذي حصل؟
فلو تجاوزنا الحكمة أو الرواية التي أخذها عن " الأستاذ مصطفى أمين رحمه الله" التي استهل بها مقاله، وهو يعرف من هو مصطفى أمين وإذا لم يعرف فدونه كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل " الصحافة والسياسة" وفيه من الحقائق والوثائق ما يشيب له الولدان تثبت خيانته لبلاده وتعاونه مع المخابرات المركزية الامريكية، ولأجل ذلك أدين بالحبس، فما مبرر الاستشهاد به والترحم عليه؟
نقول لو تجاوزنا هذا الأمر الى هذا المقتبس: "وفي العراق كان أبو "القراءة الخلدونية" ساطع الحصري وزيراً للمعارف. مات الحصري وماتت المعارف، وبقيت "القراءة الخلدونية" التي تعلمنا منها ألف باء اللغة العربية."؛ كيف ماتت المعارف بموت الحصري يا أستاذ؟ ليت الحصري ما كان وزيراً للمعارف ولا مسؤولاً كبيراً فيها، لما عُرف عنه من طائفية مارسها عملياً بإبعاد كل من لا يتفق معه طائفيا عن المسؤولية؛ يشهد على ذلك الكثيرون بمن فيهم الجواهري في مذكراته، وكذلك واقعة النصولي،،، وليست القراءة الخلدونية بمعجزة يعجز عن مثلها الآخرون رغم ما فيها من شطحات!
ثم يقول الكاتب أن طه حسين قد وصف الزهاوي بمعري العصر، وفي الحقيقة وبتواضع أنني قد قرأتُ كل كتب طه حسين ونقده للشعراء المحدثين من البارودي الى خليل مطران الى شوقي الى أحمد زكي أبو شادي الى العقاد الى الرافعي الى إيليا أبو ماضي ؛ بل قرأت مراسلات الزهاوي مع سلامة موسى، لكنني لم أقرأ له ما جاء على لسان الكاتب: "وهناك الشاعر جميل صدقي الزهاوي، شاعر العقل ومعرّي العصر، مثلما وصفه طه حسين. انتخب عضواً في مجلس "المبعوثان العثماني مرتين.."، وحتى لو قالها طه حسين الذي نال العالمية المصرية عن أبي العلاء وهي رسالة ضعيفة من الناحية الفكرية لو قورنت برسالة بنت الشاطيء الدكتورة عائشة عبد الرحمن عن المعري أيضاً، لَجنحَ عن الصواب أيما جنوح، فبماذا نقارن قصيدة الزهاوي: "لماذا تحركتِ الأنجمُ – كأنك مثلي لا تعلم" أو " أسفري فالحجابُ يا ابنةَ فهرٍ- هو داءٌ على الأنام وخيمُ" من شعر شيخ المعرة؟ مع ملاحظة المعنى التقدمي للقصيدة الأخيرة.
ثم جاءت كلمة في المقالة التي وردتني دون مصدرها وهي:"وكان الفقيه العالم والشاعر محمد رضا الشبيبي وزيراً للمعارف في وزارة الشهيد نوري السعيد لا زلنا نتغنّى بقصائده الثورية التي ألهمتنا الحماسة." أقصد بها "الشهيد" التي لم أجدها في المقالة المنشورة على "المشرق"، فإذا كانت من صلب المقالة الأصلية فتلك طامة كبرى، فقد ذكر في المقالة الزعيم عبد الكريم قاسم من دون أن تسبقها كلمة " الشهيد" وهنا تكون المفارقة مرّةً ومَرَّرت كلّ طعم العسل! ولقد لاحظت مثل غيري في السنوات المتأخرة هذا المنحى في الإشادة بنوري السعيد في كثير من المرات تُذكر فيها "مناقبه" وقد يسبق اسمه "الشهيد" ويبدو أنها محصلة لزمننا الذي ماانفك يسؤ أكثر...
شخصياً لست أحمل موجدة في روعي ضد شخص نور السعيد بل أستظرف شخصه لما يتمتع به من سرعة بديهة وحب دعابة وتواضع، كما لست مع مقتله والتمثيل به، كنت أتمنى محاكمته أسوة برجال العهد الملكي، إنما أجد أن السياسي نوري السعيد كان عميلا بريطانيا وأحد أقطاب المعاهدات الاستعمارية والأحلاف بما فيها حلف بغداد، وارتكب جرائم بشعة في كَاورباغي وفي وثبة كانون ( كان نده صالح جبر رئيس وزراء ) وسجن الكوت وفي واقعة الجسر.. وإعدامة للمناضلين يوسف سلمان وزكي بسيم وحسين محمد الشبيبي ويهودا صديق وساسون دلال..لا لشيء إلا لأنهم يحملون فكراً مضاداَ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو أن أسياد نوري السعيد الأنكليز لهم ديمقراطيتهم وفي بريطانيا نفسها حزب شيوعي علني، فلمَ لم يقتدِ السعيد بأسياده في هذه الناحية على الأقل؟!
وأخيراً أقول لو كانت هذه الهفوات قد جاءت من صحفي مبتدىء لالتمسنا له العذر ولَما كلفنا أنفسنا بهذا الرد؛ إنما أن تكون من صحفيّ متمرس كالأستاذ رباح آل جعفر فالأمر يبعث على الاستغراب والتساؤل:
أفبعد هذا يسمى نوري السعيد شهيداً؟
عِش ترَ عجباّ!!
خالد جواد شبيل