كان على الحكومة العراقية الحالية ، أن تتريث كثيراً ، وتفكر أكثر ، وأن يتمنى كل عضوفيها أن تكون له رقبة بعير ، قبل أن يدلي بتصريح حول اوضاع الحدود مع اي دولة عربية شقيقة ، أو صديقة ، او عدوة .
فلماذا قصّر الذين يعلنون أنهم يتأسّون بسيد الخلق عليه افضل الصلاة والسلام، من طول رقابهم ، وجعلوا السنتهم في غير مواضعها ؟.
ونحسب أن قولنا هذا ، مرتبط بقناعات ونداءات سابقة، أّسّس لذاته نقطة في خطّ قول امير المؤمنين ، علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : " الحكمة شجرة، تنبت في القلب، وتثمر في اللسان ،
وهذا لساني عراقي ، عربي ، لاميّ ، طائيّ ، قحطاني : " انا ابرأُ الى الله من كل حاكم ومحكوم
لا يحافظ على حفنة تراب واحدة من ارض العراق " .
أقول هذا ، بلحاظ أن الحكومات التي حكمت العراق في عهود الأنظمة السابقة ، كما في عهد هذه المنظومات التي تشكلت منذ الاحتلال الامريكي للوطن سنة 2003 ، غير مؤهلة للبتّ في قضايا توازي الشرف الوطني ، نذكر منها التفريط بأقسام من التراب الوطني لبلادنا ، لصالح دولة ـ أودول ـ أجنبية تحت اي ذريعة يحتمي خلفها الذرائعيون ، واصحاب الذرائع .
إن الموقف حيال فتر واحد من أرض العراق ، لا يبتُّ فيه إلا الشعب العراقي بجميع اطيافه ، في إستفتاء وطني شامل يمارسه كل مواطن عراقي، وكل مواطنة عراقية ، بلغا سنّ الحلم ، وفي أوضاع داخلية سياسية وحقوقية يتمتع فيها العراقيون جميعا، بالحقوق التي كفلتها القوانين الإلهية ، وأقرتها المجموعة البشرية .
إن من يتنازل عن شبرمن الأرض العراقية لشقيق او صديق أو عدو ، إنما يقوم بتمزيق جسد كل مواطن عراقي ، وكل مواطنة عراقية ، عن عمد وإصرار مسبق ، ومعرفة بخطورة ما إرتكبه ، وعليه أن يتعظ من حوادث التاريخ القريب ، وليس الاقرب أو البعيد فقط !
وكانت مسبرة العمل الوطني والرسالي في العراق ، منذ تأسيس الدولة العراقية ، قد حفلت بأسماء الذين لم يفرطوا بالحقوق العراقية الثابتة وغير القابلة للتصرف في ترابهم الوطني ، وفي مياه وطنهم ، وكذلك في أجوائه ، وكانت دماؤهم مداداً لأساتيذ الثقافة العراقية التي تحفل بها مكتبات العالم .
فكيف يجوز لفرد ، أولحزب ، او لأحزاب مؤتلفة ، في الحكم أوخارج الحكومة ، الإقرار والتسليم بحقوق عراقية ثابتة في التراب والمياه وألأجواء، لصالح غير العراقيين أفرادا وحكومات ؟!
وقديما قال إبن الرومي :
وَلِي وَطَنٌ آليتُ ألاّ أبيعهُ
والاّ أرى غَيري لَهُ الدَّهرَ مالِكا
بل إن تحرير أي ذرة من التراب الوطني ، عدْلٌ لتحريرشعب كامل . وإن هذه العملية الراقية في كل المعايير ، فرصة لأن نصبح فيها ، نحن المواطنين الأحرار، افضل حالاً . لأن المواطنين الاحرار هم الذين يبنون أوطانهم الحرة ، ويستحقون العيش فيها ، كما قال فولتير.
وعلينا أن نتذكر مصائرأبناء وطننا الشرفاء ، وما إنتهى اليه مآل الذين لم يصونوا كرامة مواطنيهم ، وفرّطوا بحقوق ابناء بلدهم . إن جراح شرفاء الاوطان تنضح بعطور الجنة .
ألا فليتذكر من يتنازل عن ذرة تراب عراقية قول طاغور : " تُرى ، أتذهب دماءُ الشهداء ودموعُ الأمهات في تراب الارض هدراً ؟ ألا تُشترى بها الجنة ؟ "
وقديما قال الشاعر الروماني هوراس : " الوطنية ، أن تموت من أجل وطنك " .
وأنا اعرف أن في اوساط الطبقة السياسية العراقية ، الآن ، من كان التطبيق العملي لقول شاعر روما الفذ .
ويعرف بعض هؤلاء ايضا أننا ـ من موطيء أقدامنا على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة ، وعلى إمتداد ربع قرن ونيف ـ كنا قاب قوسين أو أدنى من التصفية الجسدية. لأننا قارعنا الظلم بمداد قلمنا ، واشهدنا الله والناس على صدق قولنا وفعلنا . ولا تزال كلماتنا خضراء.
أليس كذلك يا" بعض " سكنة المنطقة الخضراء ..... اليوم ؟
إننا من أجواء تلك الايام الرائعة في حياة العراقيين الذين إختاروا النفي الطوعي طلباً للحرية ، وهم يتمسكون بحقهم في الحياة الكريمة . ولم يتعاطفوا مع حزب أو طغمة او نظام أو طائفة، على حساب وطنهم ومصلحة شعبهم ، نحذر الذين يتنازلون عن أي حبة رمل واحدة من تراب العراق ، لأي كان من العرب وغير العرب .
إن نداءنا الذي وجهناه من ابو ظبي ، إلى ادباء العراق ومثقفيه في الداخل والخارج ، بتاريخ 17 نيسان ، 1990 وبثّته وكالة الأنباء الكويتية في حينه ، لا يزال عندي هو ميزان الشرف والكرامة الوطنية . وإنني أعيد تلخيص مضمونه في كل حرف من كلمات هذا الإعلان .
إن هذه الكلمات دعوة الى اليقظة والإستيقاظ ، والعمل المبرمج للحفاظ على المصالح العراقية العليا .
وهي عمر كامل على طريق كلمات من جبران خليل جبران :" إذا رايت نائما ، ايقظهُ وحدّثه ُ عن الحرية " .
إنني بإعتباري كاتباًَ يعرف حقوقه وواجباته تجاه وطنه وخيار الحرية ، اعلن أنني سوف أبقى أعارض أي تضييع لأي جزء من التراب العراقي ما دمت حياً . وإن موقفي هذا هو وصيتي إلى من يبقى على قيد الحياة من اهلي ، بعد رحيلي من هذه الدنيا الفانية .
وهوـ كذلك ـ إعادة لسرد الموقف الوطني الصحيح حيال السيادة العراقية على الارض والمياه والهواء ، بين أيدي الخاصة والعامة في عراق الألم والامل .
فلربما أنست قصور المنطقة الخضراء ، كثيرا من فقراء الامس ، فقرهم وعوزهم وقلّة ناصرهم. كما أنست غيرهم من الذين طالما اعلنوا أنهم عنادل شعبهم عندما كانوا في صفوف المعارضة ، فإذا بهم ـ بعدما تنازلوا عن حق شعبهم في ارضه ومائه وهوائه ـ تحولوا الى غربان نعّاقة .
يا سبحان الله (!!)
ولكن ، ...
لعل في المنطقة الخضراء من لا يزال يستمع الى القول الحسن ، فيتمسك بالعروة الوثقى . وينصت الى كلمات الحرية ، ويتذكر مصير ماريشال فرنسا ، فيليب بيتان ، المتواطيء مع اعداء فرنسا، على سيادة فرنسا. فهل نفعته نياشين معاركه في الحرب العالمية الاولى ؟.
ونهاية موسوليني كذلك ، لا تزال تضج بين عمدان الحضارة الرومانية !
أليست نهاية كل دكتاتور وظالم .... واحدة ؟!
جمعة اللامي
القاص والروائي
إمارة الشارقة
** ــــــ **
26 أيلول 2010