أحَبَّ خالد العراق بشعبه وبيئتِه وتُراثه الثقافي. وتَركَ فناًّ ثرياً من لوحات وتخطيطات تمتدّ من جبال كردستان الى أهوار الجنوب يعكس هذا الحبّ والاخلاص .
وكان خالد فنّاناً نادراً في اقتداره التعبيري والتقني المتنوِّع: فقد رسم وجَوَّدَ، خطاً ولوناً وتكوينات وصور فنية، في مختلف المجالات: المنظر الطبيعي، القرى والمدن القديمة وأزقتها ومآثرها المعمارية، الأسواق والمزارات والاحتفالات وحشود الناس، الوجوه " البورتريه "، وجسد الأنثى العاري ...
وتركّزَ فن خالد على جماليات المنظر الطبيعي، وعلى فقراء النساء والأطفال، الذين هم أول وأشدّ ضحايا الظلم والحروب.
كتب ( منير العبيدي، نظرة تحليلية في أعمال خالد الجادر، في الذكرى العشرين لرحيل خالد الجادر علم من أعلام الثقافة العراقية، إيلاف الالكترونية، 7 ديسمبر 2008 ):
" ليس هناك أي شك في أن الجادر كان عَلَما من أعلام الثقافة العراقية لم يأخذ دوره الذي يتناسب مع ما يتمتع به من إمكانيات كما إنه لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه حتى الآن، وإذا ما تم التضييق على دوره والحد منه بسبب أنظمة القهر والطغيان التي سادت معظم التاريخ الحديث للعراق، فإنه بقي مُتجاهَلا رغم ما يفترض وما يُدّعى من أن أزمنة القهر قد انصرمت وولت، فلم تقم حركة سياسية، أو سلطة ما، برد بعض الاعتبار له بشكل من الأشكال. كانت الهجرة القسرية هي أسلوبه في الاحتجاج، فقد أشّرت توقيتاتها إلى الانعطافاتِ المأساوية في تاريخ العراق، فالهجرة الأولى كانت في أعقاب انقلاب الثامن من شباط الدموي الذي انتهى به الى معتقل خلف السدة وقد أدمي ضربا من قبل بعض أفراد الحرس القومي يشاركه الزنزانة نخبة من خيرة العقول العراقية، كانت هجرته القسرية الثانية في العام 1980 التي شهدت المزيد من تدهور الأوضاع في العراق، والتي تُوّجت بالحرب العراقية الإيرانية التي كانت معلما في تاريخ الخراب العراقي. وقد روى الجادر لي حين كنا في المرسم الحر إنه غادر العراق في الخمسينات قبيل ثورة تموز لفترة قصيرة تهربا من رسم بورتريه للملك .
أما ما كتب عن الجادر، فلم يكن سوى مجهود فردي نبيل يتضمن قسمٌ منه العرفان بالجميل، والقسم الآخر كتب مدفوعا بالمسئولية الادبية امام ضرورة التوثيق لهذا العَلم الثقافي الذي لم يحظ بما يستحق من الاهتمام، إلا ان هذا الجهد هو للأسف جهد مشتت، على أن مهمة جمع المقالات التي كتبت عنه ربما ستكون عملا ممتازا قادرا على أن يحيط ببعضٍ مما في شخصية الجادر من فرادة وجدية وتكريس، فهو من النادرين الذين جمعوا بشكل وثيق ومترابط بين الثقافة بمعناها العام والشامل والفن والموقف في وحدة لا انفصام لعراها .
لم يكن الجادر يجامل أو يهادن على موقفه رغم أن من الثابت حسب أغلب الكتابات عنه ( وهي نادرة في كل الأحوال ) إنه لم يعمل في أي حزب سياسي ولكنه لم يكن يوما بدون موقف واضح فدفع بذلك ثمنا ليس بالهين، فقد أقصيَ بعد اعتقاله بعيد الثامن من شباط من عمادة أكاديمية الفنون الجميلة التي تسنّمها بعد ثورة 14 تموز، والتي كما سمعت منه إنه كان أحد مؤسسيها، بعدها اكره على أن يقضي في الغربة بعيدا عن الوطن وقتا أكثر مما في وطنه أو انه شغل حين عودته للوطن مركزا دون ما يستحقه بكثير. "
وكتب ( حسين الهلالي، خالد الجادر / الطائر المهاجر وصاحب التعبير الغنائي،
الحوار المتمدن، 17/12/2007، العدد 2132 ):
" خالد الجادر أحب وطنه العراق وأحب الناس بلا حدود أينما كانوا، أحب الإنسانية التي تتعاطف معه ومع وطنه بسخاء وبلا مكافأة، كان يقدم روحه ويفتح قلبه المعطوب لكل صديق تعاطف معه أو بادله الابتسامة .
خالد صاحب رسالة فنية، لذا يحق لنا أن نقول انه الإنسان الذي نذر نفسه الى هذه الرسالة التي تحمل رمزاً إنسانيا وبعدا فنيا عاليا في عمله الفني الذي يتصف بقدرته على التعبير تفوق التقنية الاعتيادية، كونه يملك لغة خاصة تتخطى هذه التقنية الفنية وتختزلها الى أفضل ما يراد للتعبير أن يفصح عنه . انه رسام يرسم كل ما تقع عليه عيناه، القرى في الجنوب والشمال، الصحراء والمياه، الإنسان اينما وجد ولكن بصورة غير تسجيلية ولا فوتوغرافية ولا مبهرجة الألوان، لا وأنما يبدأ من الداخل يغور في داخل الأشياء ويظهر بواطنها وايحاءآتها وألوانها ودلالاتها وهذه هي العملية الأبداعية للفنان، التي تحدد رؤياه وهدفه وتخلق الأسلوب الذي يمثل الفنان نفسه. "
كان خالد يتفاعل مع النفط كأساس لثروة العراق، ومصدر تمويل نهضته وحريته واستقلاله وسعادة شعبه. ويتألم، كما باقي العراقيين، بتحويل النفط، من قبل آلهة الأرض وعملاؤها الى كوارث وأحزان نزلت بالناس وبالبلاد .
وعبّر خالد عن جانب من مآسي العراقيين وفقرهم ب " تَنَكَة " / صفيحة النفط الفارغة، التي لم يكن ليتحدّث عنها علناً. خاصة في الوقت الذي كان فيه الانجليز الرؤساء العاملين في النفط هم أصحاب النفوذ الأقوى في حكم البلاد، والذين لم يكن ليتساهلوا مع مَنْ يمسّ قُدْسية النفط لديهم .
وقد وضعَ خالد " التَنَكَة الفارغة " في نسيج لوحاته وتخطيطاته. حيث رسمها واضحة، أو مُبَعَّجَة ... في زوايا اللوحة، مهملة في زقاق قرية رثّة، عند بئر ماء، مقعد في مقهى، دكّة في واجهة حانوت توضع عليها مواد غذائية، سلّة على رأس قروية ... ومهما ارتفعت أسعار النفط فان هذه ال " التَنَكَة " تبقى فارغة للعراقيين، وسط حقوقهم المسلوبة والضائعة. بينما آبار النفط تفيض ... والعدّاد سرّ مخفي ... وكذلك العوائد التي تدرُّ ذهباً في جيوب آلهة الأرض، ورفاه الغرب، ورشاوي العملاء المحليين ... ومزيداً وتواصلاً لظلم وتخلّف العراقيين الذين لم يحصلوا من ثرواتهم غير السواد الذي تتشح به البيئة ... والنساء .
ورسم خالد لوحة " سواعد السلام "، بملامح جدّي المرحوم محمد الجادر. وذلك تفاعلاً مع مشاريع ثورة 14 تموز 1958 لتأميم النفط الذي تُوِّجَ بالقانون رقم 80 لعام 1960 الذي انتزع من شركات النفط الأجنبية حق التنقيب في جُلّ أراضي العراق لمنع القوى الخارجية من التحكّم بنفطه. وعكس خالد في هذه اللوحة العراقي الذي كسّر قيوده وأغلاله ... وهو يرنو للسلام، كما للدفاع عن ثروته وحقوقه مادامت الشرعية الدولية بمواثيقها ومعاهداتها عن حقوق الانسان لاتنظر لها النخب الغربية الاستعمارية بأكثر من حبرٍ على ورق .
أما بالنسبة ل " لوحة التأميم " الواقعية الرمزية التي تربط بين النفط، والرافدين، والتراث الغني لثقافات العراق، وآمال بعثِهِ وإحيائه ... فعن ( د. وليد الجادر، خالد الجادر راحل لم يرحل، بغداد، 1991، ص. 51 –53 ): " ... عام 1972 ... عام التأميم، حيث أعلن العراق تأميم ثروته النفطية التي اغتصبت طوال أكثر من نصف قرن. هنا كان خالد الجادر في طليعة الفنانين الذين وقفوا الى جانب قضية شعبهم، فأبدع " لوحة التأميم ".
يقول خالد عن عمله:
" ان حدث التأميم عمل حضاري ينضم الى الحضارات القديمة ابتداءً من السومريين والأكديين والبابليين فالآشوريين ثم الحضر والحضارة العباسية فالحضارة المعاصرة.
وكذلك فان قرار التأميم كان قراراً تاريخياً وضع حداً لمأساة طويلة الأمد كان العراق فيها مسلوب السيادة السياسية والاقتصادية وكانت ثرواته النفطية بشكل خاص هدفاً للاحتكاريين الذين ماانفكوا يبتزونها بأبشع الصور.
وبعد اعلان تأميم النفط العراقي في شهر حزيران من عام 1972 استثار النبأ جميع الواعين بأبعاده السياسية والاقتصادية وأنجز خالد لوحة التأميم التي حاز عليها جائزة تقديرية .
وكان خالد قد ضمَّن لوحته رموزاً استلهمها من حضارات وادي الرافدين السومرية والآشورية والعباسية وحضارة الحضر. وتمثل اللوحة – الفكرة الفيلسوف السومري دودو واقفاً تحية لقرار التأميم . وظهر الأسد رمزاً للقوة والتحدي، فيما أشار خالد لازدهار الحضارة العباسية وحضارة الحضر برمز الملوية والصولجان والنسر. "
و كتب ابراهيم عبدة الخوري في مجلة الجمهور اللبنانية يقول:
" لقد استطاع بعض هؤلاء الفنانين ان يجمعوا بين التراث الفني لحضارات العراق المتعاقبة وبين رؤيا القرن العشرين وطرقه التقنية فأنشأوا مدرسة فنية امتازت بأصالتها وقوة تعبيرها. ان تعبيريات خالد أوجدت مدرسة متميزة احتواها عن طريق تقنياته المتنوعة وأفكاره المزدهرة المدعمة بدراسة أكاديمية عالية. وتعدُّ لوحة التأميم التي أطلق عليها أيضاً اسم وقف دودو، واحدة من اللوحات التي مفرداتها رموز التراث الحضاري العراقي، التي تجمع بين الابداع السومري المتواصل الى فترات ماقبل الاسلام والحضر والحيرة والامتدادات العمودية للأشياء، بما فيها امتدادات دجلة والفرات، فهما ذراعان يمثلان غزارة الحياة والحضارة وهما الخصب والخضار والغزارة ".
" وفي الفترة نفسها واستلهاماً من لوحة التأميم، أنجز خالد نصباً يمجد ذلك الحدث التاريخي المهم في تاريخ وطنه، قال عنه فيما بعد شارحاً أهمية الحدث وافعاله به، وتعبيره عنه في حديث ضافٍ قال فيه:
" يستشف الفنان، عبر العصور، الآفاق البعيدة للاحداث ويجلو مايمتد وراءها بفضل مايمتلك من حس مرهف وتحديد دقيق للمعطيات الانسانية التي يعبر عنها بجرأة وصراحة، فهو اذن خير شاهد، يسرد لنا قصة عصره وخير من انبرى لتسجيل التأريخ وأبعاده، في مختلف بقاع الأرض، يغرس بعمق أساليبه الفنية في اطار العمل الحضاري الذي يعايشه، ويتأثر به ويتصارع في ذهنه، ثم يندمج فيه ليستنبط ويفرغ مجسداً باصرار ماتمثل عنده من نصوص وتفاسير، طالما ابهرتنا بقدرته على التعبير عنها، ودونت في صفحات خالدة، أحداث مجّدها الفنان، ولم يقف مشلولاً أو متفرجاً أو منتشياً بمتعة المناسبة، أو مطوقاً بانعكاسات وردود فعل سطحية، كوسيلة عابرة لايعتمل فيها ضميره. "
تكوين النصب:
انها مسلّة تذكرنا بالمصطبة، أولى المنشآت العامة في وادي الرافدين، والتي تطورت منها الزقورة في العصور التاريخية الأولى، في العراق الجنوبي. وعليه ففكرة النصب ذات علاقة وثقى باصولنا الحافلة بالأمجاد والمآثر الانسانية ... "
وإنْ كانَتْ " لوحة التأميم " قد تجسّدتْ طابعاً يجوب العالم؛
فلا نعرف بعد مصير " نصب التأميم "؟.
وفي الغربة القسريّة الأخيرة لخالد، فقد كان يعكس حنينه للعراق برسم مناظر من ذاكرته: أهوار الجنوب، وأزقة المدن التقليدية ... لكنه لم ينس ملحمة النفط ودوره في تاريخ العراق الحديث والمعاصر. فوضع تخطيطاً بالزيت للوحة دراماتيكية: سِجْنُ الشعب العراقي داخل علب لِيُبادَ بحرقهِ حياً بنفطهِ .
ولوحة زيتية تأسيسية أخرى لثورة عارمة تمتد من المحيط الى الخليج. في واجهتها أسد رافديني قوي يزأر ويَنْفُثُ حمماً وألهبة من النار من وسط ركام الحروب والتخلف والقسوة والظلم ... على خلفيّة أولى: طاق كسرى. وثانية: أقواس بأسلوبَيْ المغرب، و المشرق.... بينما تتدحرج براميل النفط الفارعة أمام الأسد .
ولوحة ثالثة هي آخر مارَسَمَ كتأسيس للعمل اللاحق عليها. وهي رمز للخراب الشامل للعراق: الانسان الفقير، والحيوان الجائع، والبيئة التي دمرتها حروب آلهة الأرض وعملاؤهم . وتثير الصورة الفنية لهذه اللوحة حساً بالكارثة، وشعوراً بالحزن والألم.
وقد كان خالد شديد الحرص على إخفاء هذه اللوحات عن زوّار الاستهداف. ومنهم من كان يُطلق عليه لقب " المشبوه "، أي الجاسوس. جاسوس لِمَنْ؟ فهذا تفصيل. وهل يتجسّس لجهة واحدة أم أكثر، أي " دَبَلْ " / مزدوج؟ فهذا تفصيل آخر. فقد كان من مهام هذا الجاسوس الدوام على الاستهداف، ومنه الترهيب باثارة الخوف: يقتلوكم ... يسجنوكم ... ولا شفيع لديكم ... وقد سَرَقَ هذا الجاسوس من خالد لوحات، بينما يدّعي هنا وهناك بصداقته للضحايا!. هداه الله وأمثاله الظالين للطريق القويم وخلّصهم من شرور أنفسهم.
يقتلوننا ... ويسجنوننا ...لأننا نرفض الانخراط في سلك العمالة!. ولا شك فالانسان اليوم يعيش في عالم يقف بالمقلوب: يُكَرَّمُ فيه الجواسيس، ويُمنع الأوكسجين عن الوطنيين الأحرار. ففي قاموسهم المخابراتي فَرْضُ الفقر على المستَهْدَفِين أملاً في استسلامهم حتى لو طالت جرائم الاستهداف هذه عقوداً!.
تُرى مالذّة أن يكون الانسان الذي كرّمه الله وسَيّده على الأرض جاسوساً و عميلا؟: ملوك وأمراء وشيوخ وحكام ووزراء ومستشارون وأساتذة جامعات وموظفوا مؤسسات عربية واسلامية وعالمية ... وأطباء وصيادلة ... ومترجمون ... وتجّار ومقاولون ... وقحاب وقوّادون ... وغيرهم من الفَجَرَة بيّاعي شعوبهم وأوطانهم وثقافاتهم ... كمّاشات وعكّازات وعبيد لأجهزة المخابرات العالمية، بضاعتهم الكذب والخبث وتدمير حياة الآخرين مقابل المال والشهرة والعقار ... وأن يَفْسَحوا لهم في مجالس ومؤتمرات وندوات ... الخونة من أمثالهم ... يتساندون ويوزعون أدوار السفالات والنذالات والاستهداف؟.
ياللتجسس من مِهْنَة مُهِينَة بانسانية الانسان تحرمه وتحرم ضحاياه من حقّ ولذّة الحياة ... وذلك لخدمة مَنْ هم بشرٌ مثلهم، بل أشرّ منهم، تربّعوا على هرم الظلم والقهر والطغيان ... وما الناس عندهم أكثر من جنود وخدم وجواري ورقيق وقِيان.
ما من كارثة وخراب حلّ بالعراقيين والعرب والمسلمين إلاّ والعملاء والجواسيس والطابور الخامس أُسٌ أسُسِ أسبابها.
وكما هو الحال بالنسبة لمثقفي العراق الشرفاء النزيهين الأكفاء ... فقد عاش خالد الجادر مظلوماً في حياته، مما انعكس على مزاجه. وفي ذلك كتب ( خالد القصاب، ذكريات فنية، دار الحكمة – لندن، 2007، ص.110 – 111، في باب: تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين. ): " ... باهتمام وحماس، لبى الجميع دعوة الدكتور خالد الجادر للاجتماع في داره يوم 7 تشرين الثاني 1955م لبحث النظام الأساسي لهذه الجمعية. وقد حضر الاجتماع معظم الفنانين التشكيليين في ذلك الوقت، ثم تكرر هذا الاجتماع في دار كل من جواد سليم وخالد القصاب.
كان الدكتور خالد الجادر ( 1924 – 1988 ) ذا سحنة سمراء وقامة متوسطة، ويغطي وجهه شعر كثيف أشعث كالح السواد، ولا تفارق وجهه ابتسامة تنم عن حزن عميق لازمه طوال حياته. كان مثالا للرسام المستقل، يعمل بجد في مشغله ( الاستوديو ) الخاص به. لم يعرض مع أحد، وكانت حياته مغلقة بعيدة عن الجميع. اهتم برسم الطبيعة والقرى الفقيرة والأكواخ المتداعية بألوان رمادية معتمة، وبمشتقات السواد. وفي تصويره للوجوه ( البورتريت )، كان يستخدم ألواناً أكثر إثارة وطراوة. درس الحقوق في بغداد، ونال الدكتوراه بتاريخ الفن من جامعة ( ليل ) في فرنسا. درّس في جامعة بغداد، وكان محبوبا من طلبته. كما كان له موقع كبير بين أساتذة الجامعة. ولعل لخلفياته القانونية والأكاديمية أثرا في مبادرته بتشكيل جمعية الفنانين ( 1956م )، وفي تأسيس أكاديمية الفنون ( 1962م ) .... ".
وقد التقيتُ باحدى طالبات خالد، التي تذكّرتْهُ قائلةً: كان الحزن بائناً دوماً على وجهه، إلا عندما يجلس ليرسم .
وكما ورثتُ عن خالد بعضاً من لآليء تراثه، فان الظلم والاستهداف الشنيع لا يزال يلاحقني إبّان حياته، وبعد وفاته . وكما كتبتُ سابقاً في: معكم.كوم الغرّاء: ( مواجهة الاستهداف المخابراتي بالكتابة الفاضحة )، فان آلهة الارض من خلال عملائهم الأشرار لايزالون يوصدون جميع الأبواب ما لم أتعاون معهم وأنزل الى دهاليز المخابرات العالمية وأجهزتها الماسونية التي يسترزق منها السَفَلَة المُسْتَهْدِفون. ومن ذلك الحَجْر على أموالي ظلماً وعدواناً ونذالةً. ورفض عرض أي عمل فني لخالد، مِنِّي، في دور المزاد بهدف أن أعيش في فقر وعوز أملاً منهم بالضعف والتعاون!!!.
وعن هذا الرفض هناك عدّة حكايات. منها أنّ أحد دور المزاد العالمية إياها طلبتْ منِّي، وبالكلمة الصريحة الواضحة، إنهم مستعدون لعرض لوحتين من أعمال خالد الجادر للبيع على أنْ أجلب لهم موافقة من مشبوهَيْن عراقيَيْن. أي من جاسوسَيْن. مما ذكّرني بتراث حكّام العراق العملاء الذي توارثوه عن أسيادهم الاستعماريين. ومنه ما درج عليه الراحل بهجت العطية، مدير الأمن العامة في العهد الملكي، والذي نكّل بالوطنيين الأبرار الذين وهبوا حياتهم، وما ضعفوا وما استكانوا لنفع ورفع وعي العراقيين وخدمة العراق، والذين لم يستطع انتزاع " براءة ذمّة " منهم .
والحكاية الثانية، إنهم بعثوا لي مرسولاً مُفاوِضاً من عالم الأنتيك الذي زفّ اليّ بشرى بيع أي لوحة أختارها من أعمال خالد الجادر ليضعها في أي مزاد أختارهُ، وسيضمن بيعها بسعر لا يقل عن ثلاثمئة ألف دولار.
طبعاً رفضتُ.
وحكاية ثالثة، أن أحد دور المزاد هذه وافق على عرض واحدة من لوحات خالد، ولكن بسعر مُشين. ومع ذلك وافقتُ على هَدْي المثل: " إتبع الكذّاب لباب الدار ". وسلّمتُ لهم اللوحة واستلمتُ الوصل. ولم يمضي حتى أسبوعاً واحداً اتصلوا هاتفيا يعتذرون عن بيع اللوحة. فذهبتُ لاسترجاعها واحتفظتُ بالايصال. وبعد فترة حضرتُ مع صديق الى دار المزاد إياها لمشاهدة المعرض الذي يُقام عادة قبيل انطلاق المزاد. فوقفتُ في وسط قاعة المعرض وقلتُ بصوت عال: ألا يوجد متراً واحداً لعرض لوحة واحدة لخالد الجادر وسط هذا الحشد الكبير من الأعمال الفنية؟!.
تحيا ديموقراطية النخب السياسية الغربية. والمجد والخلود والعار والشنار للعملاء المباعين من " المثقفين والفنانين " ... الأثرياء!.
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض.