إنحطاط ثقافة الاستعمار بين نهب النفط وتخريب العمار/ طوابع سعد الجادر الفضيّة -25

2016-12-08
2 – عمارُ المستعمرات وعارُ وشنارُ الاستعمار
 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/51a910bb-8bb0-4511-a5b3-e1a9f271a9ce.jpeg  
تفخرُ النخب الغربيّة الاستعماريّة بتعبير إرجاع بلاد المسلمين، كمُستعمَرة العراق، إلى القرون الوسطى بغزوها واحتلالها، وإلغاء دولها، وتدمير مُنشآتها، وتلويث بيئتها، وإتلاف اقتصادها، وتمزيق مجتمعاتها ... وجَعْلها عاجزة عن الخروج من أسار التخلّف والتبعيّة والإستغلال والإستعباد .
وتعكسُ الصور التي يبثّها الاعلام المحلي والعالمي حال شبكات الاستيطان في البلدان المُسْتَهْدَفَة من عواصم وحواضر ومدن وقرى وطرق وجسور ومصانع ومزارع ومواقع سياحيّة ومباني تعليميّة وصحيّة وإداريّة وأسواق ودُور عبادة وملاعب ... التي حوّلها الغزاة المُتحضّرين إلى خرائب وأنقاض وعمار متداعي بِنِسَبِ إهلاكٍ عالية تفوق الأمان الفيزياوي لاستخدامه : محقٌ شاملٌ وتَسَفُّل سافر شنيع وشديد الشرّ والشراسة لم يشهد التاريخ له مثيلاً .
ويتذكّر العراقيون كيف أنّ الغزاة الهَمَج الذين اجتاحتهم بشاعة وسُعار التخريب، كانوا في مطلع جرائمهم عام 2003 يَفْخرون بأنهم يُدَمِّرون قصداً منشآت حديثة تماماً وقويّة البنيان .
لقد وضع العرب والمسلمون في عمار بلدانهم قروناً من الجُهد والطاقة والابداع، وكَدّ شعوبهم، وترليونات الدولارات من عوائد ثرواتهم التي تُحَوِّلها آلهة الارض إلى خرابات في مواقعها، وإلى أرباح خياليّة لاقتصاد الغرب .
ويكفي تصوّر ضخامة ميزانيات إعادة الاعمار من مناظر أطلال البُنى الانشائية للصومال والبوسنة وأفغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن ... كما هو حال ركام عشرات الفلّوجات، مما سيُكَلِّف تعميرها ليس مئات مليارات الدولارات، بل عدداً من الترليونات 
 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/41164f8d-66ab-407c-abff-cb41ed404b36.jpeg
 
وكم مِن مرّة دمّر الغرب مدن ومنشات المستعمرات لاعادة إعمارها . يساعدها في ذلك انهيار الدول التي خُرِّبَت بلدانها، وضُعف ماتبقّى من قوى وطنيّة تدعم وتُوَجِّه الاقتصاد، خلا عن طُغَم العملاء والوكلاء والخدم المحليين الذين يُسَيِّرُون المستعمرات نيابة عن النُخب الاستعماريّة، ويواصلون تكريس تخلف الناس .
إنّ تدمير مدن المسلمين هذه المرّة مُرعب في مقاساته، ومهْلَكة للاقتصاد، ومن شأنه رهن موارد البلاد حاضراً ومستقبلاً نظراً للكلفة العالية للتعمير. وعلى سبيل المثال، وعن ( رفلة خرياطي، 2.5 تريليون دولار كلفة اعادة اعمار ثلاث دول عربية دمرتها الحرب، صحيفة الحياة 01/09/2011 ) . وماذكرته ( صحيفة الصباح التركية، 07/01/2016 ) عن مشروع إنشاء مليونَي وحدة سكنية في السعودية بكلفة 240 مليار دولار.
وبعد تهديم الغزاة المحتلين لاستيطان العرب والمسلمين، سيُعاد تعميرها بموارد ثرواتهم البشريّة والطبيعيّة ... حتى اذا بلغ العمار حدّ الإشباع النسبي، مقابل خلل اقتصادي في الغرب ... تَبْتكر آلهة الارض مؤامرة جديدة بكذبٍ معاصرٍ لها، تماماً كحجّة إسقاط الانظمة الدكتاتورية العربيّة، التي هي نفسها من صناعة الاستعمار لخدمته، بما يؤدي الى تدمير العمار القائم لاستبداله بآخر...
وهكذا، وبعد الصَوْلَة الحالية من الغزو والقرصنة والاحتلال، ستخرج آلهة الأرض في مستقبل ما بمشاريعها الانسانية جداً للمساعدة في تعمير ما دمّرته حروب العراقيين والعرب والمسلمين بعضهم ضدّ بعض ! .
وستكون حصّة الأسد في إعادة التعمير من نصيب مؤسسات الاستشارات والدراسات الهندسيّة وشركات مقاولات البناء والتجهيز ومصانع مواد البناء ومستلزمات التأثيث المعماري ... وكلها غربيّة . وهذا مدخولٌ استراتيجي ضخم ومن أهم غنائم الحروب، وبما لا يقل عن عوائد نهب النفط والغاز وغيرها من موارد طبيعية، مما يكفي لمعالجة أزمة البطالة في الغرب، وإنعاش اقتصاده، وضمان رفاهية سكّانه عقوداً من الزمن ... مقابل رهن مستقبل العراق الى أمدٍ قادم تحت ظلال الحرية والديموقراطية واحترام الغرب للمواثيق الدولية ... وللانسان !.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/1d4a86aa-bcca-4c40-a1f9-5fbb484ad284.jpeg 
 
 وتبدو ملامح هذه الأزمة على مثال إعلان محافظة البصرة العراقية عن قُرب طرح حقلين نفطيين للاستثمار وفقاً لمبدأ "النفط مقابل الاعمار" لتمويل مشاريع المحافظة بعد توقُّف تمويلها من قبل الحكومة المركزية بسبب الأزمة المالية ( "النفط مقابل الاعمار" خيار تمويل مشاريع استراتيجية في العراق، القدس العربي 10/03/2016 ) .
أما بالنسبة لجيراننا في الخليج الاسلامي، فيتوقّع اقتصاديون بأنّ ايرادات نفط وغاز دول مجلس التعاون الخليجي ستبلغ حتى عام 2020 تسعة تريليونات دولار، مما يُسيل لعاب آلهة الأرض، التي تعمل جاهدة على نهب وامتصاص هذا المدخول من خلال تدمير عمار الخليج الاستهلاكي أصلاً لاعادة بنائه، إضافة إلى فرض شراء الأسلحة على دول الخليج وبعشرات بلايين الدولارات سنويا لشن مزيد من الحروب البليدة .
وعوضاً عن استثمار الغضب المتراكم في توسيع وتعميق وعي الشعوب المقهورة وتحريكهم للتغيير الايجابي، فان الاستعمار وعملائه يأخذون زمام المبادرة ويُحوِّلون هذه الطاقة العظيمة إلى مُجرَّد فقاعات دموية تذروها الرياح، كما حصل في "الربيع العربي".
 وهكذا تمرّ عقود الزمن، والعرب ينتظرون تطبيق المؤامرات الاستعمارية حتى الموت. ولايكفيهم تراكم الغضب واشتعال النار تحت الرماد ليتحركوا للتخطيط  والتنفيذ والوحدة والاتحاد للنهوض بالوطن العربي بأنفسنا ودون "مساعدة" القوى الخارجية .
وبينما يسهل إعمار الاقتصاد وانقاذ الأرض المحروقة والمُلَغَّمَة والمُلوَّثة، وإقامة المنشآت بسرعة نسبية، كما يحصل في البوسنة، فان جَمْع التَشَتُّت الاجتماعي وتعمير النفوس المُمَزّقة وإعادة بناء تربيتها ورفع وعيها بالقيم الوطنية البنّاءة سيأخذ أضعاف ذلك .
 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/67a73c63-5235-4bab-8da1-cf874c28f383.jpeg
 
وفي عمليّة إعادة التعمير يجب ان لا يسمح المسؤولون باقامة عمار استهلاكي مُعَوْلَم . بل الاصرار على إحياء التراث المعماري – التخطيطي الاسلامي الذي يتجاوب مع الظروف المناخية، والمثمّنات الاجتماعية، والذاكرة التاريخيّة ... مما يمنع الاستعمار من تحقيق هدف محو ثقافة المسلمين ومنها القضاء على تراثنا المعماري المُمَيّز.
لقد اجتمع على تدمير العراق وشبكة استيطانه كل من أهرام العملاء المتحاصصين والغزاة المحتلين، الذين يُمَثِّلون مسرحيّات فاشيّة دمويّة تُخرجها وتُنَفِّذها آلهة الأرض لإعادة انتاج الغزو والنهب ... والمحق والافناء ... ثم البناء لدورة أخرى جديدة من الاستعباد .
نعم خسر العرب والمسلمون نفطهم وعمارهم، لكنّهم ربحوا حلقة جديدة من يقظة تاريخية من شأنها دعم تصاعد الوعي الشعبي: حجر الأساس في كل تحوّل ثقافي . فالكلمة الحاسمة ليست للنخب الاستعمارية وعملائها خونة الشعب، بل للشعب . 
وبدون مقاومة شعبيّة وطنيّة مُسلّحة شاملة تُكَسِّر وتدحر دورة الشرّ والمكر والبطش والغدْر الاستعمارية الارهابية هذه، فانه ستواصِل آلهة الأرض إعادة عرض وتحديث مسرحيّاتها المرويّة بدماء ودموع العراقيين . 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved