تنتمي نازك العابد إلى أسرة دمشقية عريقة، كان والدها مصطفى العابد من أعيان دمشق، أما والدتها فريدة الجلاد، فقد طلبت العلم في الخمسين من عمرها .
النشأة
ولدت نازك العابد عام1887، في دمشق، ثم انتقلت إلى الموصل مع أهلها، وتلقت التعليم في المدرسة الرشيدية في دمشق والموصل، حيث تعلمت مبادئ اللغة التركية والعربية، كما تعلمت لغات أجنبية أخرى، إضافة إلى الموسيقى، والتمريض، وكانت بداية نازك مع النضال، عندما شكلت تجمعاً رافضاً لعنصرية الأتراك تجاه العرب في المدرسة، ثم نفيت مع عائلتها إلى أزمير، وعادت منها إلى دمشق .
أسست العابد مع الأديبة ماري عجمي مجلة (العروس)، التي اهتمت بقضايا المرأة وحقوقها، ثم ترأست جمعية النجمة الحمراء عام 1920، أولى الجمعيات النسوية في سورية، بعد أن عادت من منفاها في إسطنبول، كما أطلقت مع صديقاتها مجلة (نور الفيحاء)، إضافة إلى كتابتها عدة مقالات في الصحف المحلية والعالمية، رافضةً من خلالها الاحتلال الفرنسي لبلادها، وقد حصلت العابد على رتبة (نقيب) فخرية من الملك فيصل ملك العراق، تقديراً لنضالها .
حياتها ونضالها
أتقنت العربية، التركية، الإنكليزية، والفرنسية، كذلك الألمانية، تلقت علومها في عدة مدارس في دمشق، لاحقاً نُفيت عائلتها إلى إزمير التركية، فتابعت علومها هناك، كما ألحقت دراستها بتعلم فن التصوير والعزف على البيانو، واهتمام كبير بالتمريض والإسعاف.
حين عادت من منفاها بدأت بالكتابة في عدة صحف مثل "لسان العرب" و "العروس"، ترأست جمعية "نور الفيحاء" لمساعدة ضحايا الثورة السورية الكبرى، كما شجعت على حق المرأة على الانتخاب، كل ذلك في مرحلة زمنية باكرة حين كانت سوريا ما تزال ترزح تحت وطأة تأثير الحكم العثماني الظلامي .
منحت رتبة عسكرية فخرية "نقيب" في الجيش زمن الملك فيصل نتيجة لمواقفها البطولية والوطنية. حيث قام الملك"فيصل بن الشريف حسين" بتعيينها في وقت سابق رئيسة لجمعية النجمة الحمراء 1920 لتقوم لاحقاً بإصدار أول مجلة أدبية اجتماعية تحت اسم "نور الفيحاء" .
لم تقف مكتوفة الأيدي أمام زحف الجيش الفرنسي إلى دمشق في بداية الانتداب الفرنسي على سوريا. الجميلة نازك العابد بدأت بتنظيم المظاهرات للفتيات السوريات تنديداً بالانتداب، وجاهدت سرّاً و جهراً، إلى أن قامت فرنسا بإغلاق مجلّتها وضيّقت عليها الخناق مانعةً إياها من إلقاء المحاضرات وإقامة الندوات. فما كان منها إلا أن اتجهت إلى المقاومة السرّية.
بلباسٍ عسكري، شقّت نازك العابد طريقها وسط الجنود منشأةً المشفى الميداني لمداواة الجرحى، ولتنشر في صفوف الجيش الروح المقاتلة القوية التي لا تهاب أحد.
كان لها موعد مع النفي مرّة أخرى .. حيث أُبعدت إلى إسطنبول لمدة عامين، لتعود إلى الوطن وتضطرها المضايقات التي تعرضت إليها إلى اللجوء إلى الأردن، لا لكي تعتزل النضال، بل لتبدأ نضالاً من نوع آخر .
"جان دارك العرب" كما لُقّبت، قامت بنشر أسباب الثورة السورية وملابساتها، وتكلمت عن حق بلادها في الحرية والاستقلال بكل جرأة واندفاع لا مثيل له.
عادت إلى وطنها لتُفرض عليها الإقامة الجبرية في إحدى ضواحي دمشق، وليخيّل لسلطات الاحتلال أنّها قد اعتزلت العمل الثوري بالفعل، حيث عملت في الزراعة. حينها كانت نازك العابد واحدة من ثوار ثورة 1925 غير آبهة بالأخطار المحدقة بها.
بعد زواجها، انتقلت إلى بيروت، حيث تابعت عملها التنويري هناك، مؤسّسةً عدة جمعيات هناك مثل "ميتم أبناء شهداء لبنان" و "جمعية المرأة العاملة".
وفاتها
عن عمر يناهز الثانية والسبعين، رحلت نازك العابد التي كانت بما قدّمت مفصلاً هاماً في إحدى أهم المراحل من تاريخ سوريا.