أنواعُ العنفِ وآثارِه على الأنثى بشكلٍ خاصّ

2010-04-20

إنْ //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/2e203392-925d-415d-8ba6-588a895749e3.jpeg كنّا نتحدّثُ عن العنفِ كظاهرة، فهذه الظّاهرة متفشّيةٌ في البلدان المتقدّمة والمتحضّرة والنّامية على حدٍّ متزامن، بأشكالٍ تتنوّع، ولكن بتفاوت، والعنفُ انتهاكٌ خطيرٌ لحقوق الإنسان، وتمييزٌ متعسّفٌ ضدّه، وقد يكونُ العنفُ جسديًّا يؤدّي إلى إعاقةٍ أو تشويهٍ أو موت، والأنثى منذ الولادةِ وحتّى الممات، في السّلم والحروب، تتلوّنُ أشكالُ الانتهاكاتِ التقليديّةِ بحقِّها في عدّة حلقاتٍ تتشابكُ وتتداخلُ، مِن وأدِ البنات، وختان البنات، إلى العنفِ الاقتصاديِّ والفقر، الّذي يدفعُ بالوالدِ إلى العنفِ التعليميّ، فيمنعُها من التّعلّم، بل ويُكرهها على العمل، ومن ثمّ الاستيلاء على دخْلِها، ويليهِ العنفُ النفسيُّ وتوجيهُ الشّتائمِ والتّهم والتّسبّبُ في إحراجها، ثمّ العنفُ الاجتماعيُّ ومنعها من القيام بأدوارِها تجاهَ أهلها وصديقاتها وجيرانها، ويجعلها منبوذةً معزولةً عن المجتمع القريب إليها، ويحرمُها مِن المشاركة في اتّخاذ أبسط قراراتٍ تخصّها وتخصُّ مصيرَها، ومن ثمّ العنفُ الجنسيُّ من زواج مبكّر، واغتصاب، واستغلال في الجنس، واتّجار بها في أسواقِ الدّعارة، واتّجارٍ بأعضائِها وبيْعها، والإكراه على ممارسةِ الدّعارةِ والتعقيم، أو الرّق الجنسيّ، أو التعرّض للإجهاض الانتقائي، فأجنّة الإناث تُجهَض، ويُكتَب لأجنّة الذّكور البقاء، كما حدثَ في آسيا، فخسرتْ ستّين مليون أنثى، ومِن ثمّ العنف الجسديّ بأشكاله، من ابتزازٍ وتهديدٍ بالقتل والخطفِ والفضائح، وملاحقة ومطاردة وتجويع وحبس، أو القتل تحت شعار شرف العائلة، أو الضّرب والعضّ والخنق والحرق والتّنكيل، وممارسة العقاب بأشكاله الجسديّة والنّفسيّة والصّحيّة والاجتماعيّة والماديّة!

*الآثارُ الّتي تتركُ بصماتِها على حياةِ المرأةِ المعنَّفةِ، وعلى أسرتِها ومجتمعِها سوداويّةُ، وسلبيّةٌ وقاتمةٌ وعميقةٌ:

*مِن ناحيةٍ، قد تتعرّضُ المرأةُ المُعنَّفةُ للطّلاق، وتتضرّر أُسرتها وتتفسّخُ وتتفكّك، ويُعاني أطفالُها مِن العدوانيّةِ وعدم الاتّزان والتّنظيم، وربّما إلى الجنوح والتسرّب!

*من ناحيةٍ أخرى، فإنّ امتهانَ حقوق المرأةِ والحطِّ مِن كرامتِها وتهديدِ سلامتِها، يُشعِرُها بالتوجّس والتخوّفِ وعدم الأمان والاستقرار، بل تظلُّ مغلّفةً بإذلالها وإحساسِها بالمهانةِ والإحباطِ والعجز، ممّا يوصلُها إلى وضعٍ صحّيٍّ سيّءٍ وجسديٍّ مُتردٍّ، بسببِ فقدانِ الشّهيّةِ وسوءِ التّغذية، كشكل مِن أشكالِ العقاب الذاتي والانتحارِ البطيء!

*ومن ناحيةٍ ثالثة، قد يُرافقُ المرأة المُعنّفةَ اضطرابٌ في الصّحّةِ النّفسيّة، فتلازمُها حالاتُ اكتئابٍ شديدٍ، ربّما تودي بها إلى الانتحار، أو الانخراط في سِلك المخدّرات والدّعارة، وبالتالي إلى نقلِ الأمراض الجنسيّة المُعدية والخطيرة كشكلٍ من أشكال الانتقام من المجتمع ككلّ، أو أنّها قد تتعرّضُ لصعقاتٍ نفسيّةٍ حادّة غير واعية، تدفعُها لارتكاب جرائم بحقّها وحقّ أفرادِ أسرتها!

*ولو تابعنا جيّدًا ما يدورُ في الشّرق (محور النزاعات وبؤرة المطامع)، ورغمَ ازديادِ المنظّماتِ والمراكزِ والجماعاتِ النّسويّةِ الّتي تدافعُ عن المرأة، إلاّ أنّنا نلاحظ أنّ مأساةَ المرأةِ مستمرّةٌ، وأنّ حالاتِ القتل والانتحارِ والحرقِ لم تتوقّفْ، لماذا؟

العنفُ السّياسيُّ هو أقسى أشكالِ العنفِ والتمييز ضدّ المرأة، فهي المستضعَفةُ في النّزاعاتِ المُسلّحةِ إذ لا سلاحَ لديها، وممارسةُ العنفِ السّياسيِّ والإرهابِ الحربيِّ القاسي ضدّها، يسوقُ إلى ضياعِها وإلى اهتزازِ روحِها المعنويّة، وبالتالي إلى ضياعِ جيلٍ بأكملِهِ إنْ لم يكنْ أجيال!

بريقُ السّلامةِ وعطرُ الكرامةِ لا يُوفِّرهُما إلاّ الأمنُ والأمان، وبالتّالي؛ وجودُ المنظّماتِ النّسويّةِ لن يكونَ فاعلاً وناشطًا، طالما أنَّ هناكَ انفلاتًا أمنيًّا لا زالَ متفشِّيًا في البلاد، وطالما أن ليسَ هناكَ أمانٌ على سلامةِ النّساءِ في تحرّكاتِهِنّ وتنقّلاتِهنّ، بل هناكَ أطرافٌ تتخبّطُ بشكلٍ عشوائيٍّ، لا تأبهُ بالقانون ولا تحترمُهُ، بل وتعلو عليه، ودونَ تمييزٍ تهدرُ دمَ هذا وكرامةَ ذاك، ممّا يجعلُ مِنَ المنظّماتِ النسائيّةِ مجرّد مكاتب تغرقُ في سُباتِ الفجائعِ المتلاحقةِ، والخوفِ المستفِزِّ الّذي يُلاحقُ النّساءَ، للاختباءِ مِن عيونِ القراصنةِ، والتّصفياتِ الّتي تعصفُ وتحومُ في كثيرٍ مِنَ الأماكن!

الضّغوطاتُ النّفسيّةُ والاقتصاديّةُ والاجتماعيّةُ الّتي تلمّ بالمرأةِ إثْرَ الحربِ والفقْدِ لأحبّائِها ولأهلِها ومعيلِها، إضافةً لشعورها بالخوفِ والعجزِ، يَدفعُها إلى الانتحارِ بشتّى أشكالِهِ والتخلّص ممّا هي فيه، وبناءً عليه، تحتّمُ مسؤوليّة المنظّماتِ الوصولَ إليهنّ ومساعدتَهنَّ قبلَ فواتِ الأوان، إن كان مِن ناحيةِ جلساتٍ وعلاجٍ نفسيّ وإرشادٍ واستشارةٍ وتوجيهٍ، وإن كانَ مِن ناحيةٍ اقتصاديّةٍ، وتوفيرِ دورِ رعايةٍ ومخصّصاتٍ وإعاناتٍ للأراملِ والأيتامِ والمطلّقات والعازباتِ، ودمجهنّ بالحياةِ والعملِ لاحقا!


*من الصّعب جدًّا استئصال آفة العنف، ووأد هذه الظاهرة، لتنتهي وتنمحي كليًّا عن وجه البسيطة، فقد ظهرتْ بأشكال كثيرةٍ منذ الأزل، ومن الصّعب تتبّع خطواتٍ ثابتة وعامّة، إنّما ينبغي التماشي مع خطواتٍ ديناميكيّة مدروسة، وقابلة للدراسة والتحسين والتغيير بما يتلاءم مع البيئة نفسِها، من أجل الحدّ مِن هذه الظاهرة وتخفيفها تدريجيًّا، وطبعًا، هذا لن يكون إلاّ؛ إن توفرت النيّة والإرادةُ والإيمان بجدوى ذلك، لأنّ (الله لا يغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم)، فالتغيير لن يكون جذريًّا، ومن الخطأ الفادح أن يأتي ملزمًا من الخارج، أو بفرض القانون والإجبار المؤقت والترهيب، وإلاّ كانت الردّة أصعب، ولكن يحتاج إلى أن ينبعَ مِن حاجةِ المجتمعِ نفسِه ومن الداخل، ويحتاجُ إلى إيمان واقتناع بضرورة التغيير للأفضل، لو كان القانون فعلا يسعى إلى الأفضل، كما يجب وضع استراتيجيات حكوميّة ومؤسّساتيّة، وبرامج عمل، ويَلزمُ النجاحُ متابعةً متلاحقةً على أرضِ الواقع العمليِّ لا الشّكليِّ الورقيّ، وذلك؛ من خلال تجنيد طواقم عمل وكوادر مؤهَّلة، وميزانيّات داعمة لهذه المشاريع البنّاءة، والسّاعية في اتّجاهِ المصلحةِ العامّة للمرأة المواطِنة، فلا تكونُ مصلحةُ المنظَّمات النّسويّة والنّساءِ العاملاتِ فيه، على حسابِ النّساء المعنَّفات.

يتبع

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved