( قبل فنجان القهوة) نكسة 1967 وذكريات الشجر

2011-12-08

تح//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/04ea2a52-398b-4195-9ada-9b93767d33ae.jpeg رك المدنيون الى المناطق الشرقية من الضفة الغربية علهم يبتعدون عن ساحات الحرب المتوقعه ليسمحوا للعسكريين العرب , مقابلة العدو من الغرب , خاصة ان مدينة طولكرم يحيط بها الخط الأخضر من الجهة الغربية , وجميع من هو في المدينة وأحسب كذلك في المدن الأخرى يرى نصف المشهد ان لم يكن أقل من ذلك .
كنا نبتعد عن مدينة طولكرم باتجاه الشرق نسير بمحاذاة حقول وبساتين وارفه , لديها من الجمال ما يشدك للبقاء فيها ولكن جموعا من البشر تقول انهم قادمون , فيجب ان نخلي المنطقة لهم - ويقصدوا الجيوش العربيه , فضاع البعض عن البعض وتشتت بعض العائلات فهناك من أضاع جزءا منه ونحن كذلك فقد خرجنا دون ان نعرف أين الوالد رحمه الله ولا هو أيضا , ولكن القافلة تسير.
استعان جدي أكرمكم الله بدابةٍ ليضع عليها جزء من متاع , وليحمل عليها اربعة أطفال , يتناوبا كل اثنين حسب الحاجة , كنا قد شعرنا جميعا بالجوع فشاهدنا بستانا لثمار الصيف الجميله بفلسطين (البطيخ والشمام والخيار ) , ما أجمل ذاك البستان اكلنا منه بمتعة الخوف وسعادة النصر المتوقع .
في آخر الليل نام الجميع تحت الشجر , وأحسب أن جدي لم ينم , وأصبح الصباح وبدأت خيوط الشمس الجميله تبدو وكأنها تتزين لنصر قادم , ما أجملها حين تسللت الينا من خلال شجر الزيتون المحيط بنا في جبال مرتفعه كرفعة الأرض المقدسة التي نحن عليها , تحركنا ساعتئذ ونتشتم رائحة خبز الطابون في القرية , فالشهامة في فلسطين لم تخطئ أحدا والكرم كذلك , لكن الهدف المنشود هو النصر وفي سبيله يهون كل شيء , وكان هناك تعبير لوالدتي رحمها الله فهمناه متأخراً مؤكدة انها لن تغادر نهائيا كما حدث معها في النكبة قبل تسعة عشر عاما , لذلك حفرت حفرة صغيرة بحديقة بيتنا بجانب شجرة كبيرة ودفنت ما تملك من ذهب وجزء من مال كي تعود لانها أقسمت على ذلك .
رأيت الأرض تمر من حولنا وكأننا ذاهبون لنصر جميل كنا سعداء برغم الخوف , في غار ليس بعيد عنا سقطت قنبلة فاستشهد جزء من الأطفال والنساء , رأيت في الطريق من هَدَّهُ التعب , شاهدت رجلاً كهلاً وقد لدغته أفعى ويتلوى من الألم هذه المشاهد حُفِرَتْ في عقول الأطفال قبل الكبار.
وتحرك الركب شرقا ايضا مرورا بقرية (سفارين) والتي منها رجال عظماء سطروا تاريخ امتنا وأمتعوا حين كتبوا , وهي الى الشرق من قرية شوفه , وأكمل جدي المسير الى ان وصلنا قرية بيت ليد وهي تابعة لمنطقة طولكرم وكما يروي جدي أننا أيام النكبه كنا نعيش في بيت ليد الغربية والقريبة من البحر الأبيض المتوسط وهاجرنا الى بيت ليد الشرقية لذلك هناك ارتباط بالأسم والجسم والأرض .
ما زلت أتذركر تلك الاشجار التي مررنا بها حتى ذهبتُ - وبعد سنين طويله - لمعظمها , ووجدتها وقد هرمت ولكنها ثابته وفرعها يعانق السماء كثبات حقنا وان قصر بها المقصرون , لتُحيِي في نفوسنا الذاكرة , ذاكرة تقشعر لهل الأبدان ونحن أطفال آنذك , يختلط علينا حين استشعارها , الفرح مع الحزن مع ألم الذكريات , مشهد متراكم لا تدري بأي الصور انت , الا ان الاحداث شكلته , وصنعت منه موقفا سجله التاريخ مغيرا للجغرافيا مشكلا واقعا آخر , ولكنه الزمن يمضي على عادته ليزور الجميع فإما غالب أو مغلوب , أما وقد مرت السنين فالنصر بثبات الحق أبلغ من الحق ذاته - سأكمل في مقال آخر.
أؤكد إن من يملك القرار لا يعرف ومن يعرف لا يملك القرار, ليعرف كل من في الأرض أن هناك شعب يستحق الحياة . مهلاً تستطيع شرب القهوة

 Dr.mansour_sal@yahoo.com

 

د. منصور سلامة

الارض المقدسه -  طولكرم

Dr.mansour_sal@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved