وإذا كانت قوانين الأحوال الشخصية ايضا في كثير من الدول العربية تمنع زواج الفتاة دون السادسة عشرة والولد دون الثامنة عشرة فان الكثير من اولياء الامور يتحايلون علي ذلك الامر بما يسمي ب التسنين وهو ان تعطي شهادة للفتاة تفيد بأنها اكبر من سنها الحقيقية لكي تكون الامور قانونية ولكي يوافق القاضي أو المأذون علي اتمام العقد.
وتستمر تلك الجرائم الاجتماعية التي تشارك فيها الاسرة مجتمعة بأن يدفعوا إلي الحياة اولادا صغارا ويحملوهم فوق طاقتهم الكثير من اعباء الحياة بل ويدفعوا إلي الحياة اطفالاً صغارا يخرجون لا يجدون آباء ناضجين بما فيه الكفاية ليربوهم ويتعهدوهم التعهد الصحيح.
ونشرت وكالات الانباء مؤخرا دراسة مفادها ان 39% من النساء اللاتي تزوجن في سن مبكرة يعانين اثاراً انفعالية ونفسية.
وكشفت الدراسة - التي اعدها الدكتور عادل الشوربجي الاستاذ بعلم الاجتماع في جامعة صنعاء - ان معظم هؤلاء السيدات لا يذهبن إلي الاطباء النفسيين وانما إلي المشعوذين والمعالجين التقليديين، وان 10% فقط يذهبن إلي الاطباء النفسيين و15% يذهبن إلي المشعوذين والمعالجين التقليديين.. اما النسبة الباقية فلا يسعين للحصول علي أي نوع من الخدمات العلاجية للامراض النفسية.
المشكلة في الزواج المبكر نفسه، وإنما تكمن في الطلاق الذي يحدث أسرع من الزواج، حيث أن معظم الشباب في هذا العمر لا يستطيعون تحمل مسؤولية أنفسهم فضلا عن مسؤولية أسرة، كما أن معظمهم لا يدركون ماهية عقد الزواج وقداسة هذا الرابط وأهميته في الحفاظ علي هذا المجتمع، أضف إلا أن المادة تشكل عبئا كبيرا يثقل كواهل الشباب، فالشاب في هذا العمر لا يستطيع ( فتح بيت ) كما يقال ولا النهوض بأعباء طفل واحتياجات عائلة من دراسة وصحة ومصاريف معيشة تؤججها حالة الغلاء المتزايدة التي تلتهم الأخضر واليابس...
والنتيجة تزايد نسبة الطلاق في الفئة العمرية ( 15-20 ) كما أن معدلات الطلاق في الدولة بلغت أعلي نسبة بين دول الخليج حيث تمثل 40% في حين يبلغ متوسط معدلات الطلاق في دول الخليج ككل 26% ..
فاذا كان هناك من يقول إنه لا ضير ان تزوج الفتاة مادامت صالحة لممارسة الحياة الزوجية بشكل طبيعي من الناحية الطبية والعلمية، إلا ان دراسات اخري تؤكد اهمية تحديد سن الزواج من اجل حفظ كرامة المرأة وتركها تعيش طفولتها ومراهقتها في هدوء وسعادة.
تقول الدكتورة عزة كريم - استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة :أعرف فتيات تزوجن للمرة الثانية وهن دون العشرين وهذا ايضا من عيوب الزواج المبكر الذي يسبب مشاكل كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، واذا كانت الضحية الاولي هي الفتاة المتزوجة مبكرا فان الضحية الثانية هي اولادها خاصة بعد ان تطلق وبالتأكيد سيكون مصير هؤلاء الصغار غامضا ومخيفا.
وتناشد د. عزة الآباء والأمهات بأن يراعوا الله سبحانه في بناتهم وان يتركوهن حتي يحصلن علي نصيبهن من العلم والمعرفة والخبرة المعرفية بالحياة قبل ان يلقوهن بأيديهم إلي التهلكة.
وتقول د . سامية الساعاتي - استاذ علم الاجتماع : الواقع العملي اثبت اننا شعب نعرف كيف ومتي نتحايل ونلتف علي القانون، خاصة فيما يتعلق بأمور خاصة بديننا وثقافتنا ووتركيبتنا الاجتماعية، فالعادة والعرف الاجتماعي يعد من أهم المقومات التي يستند عليها الأهل عند اتخاذ قرار تزويج الفتاة الصغيرة وكذلك أهل الشاب فهي أفكار تحمل العديد من المعاني التي قد نجد لها ما يبررها أحياناً، كالفقر أو الرغبة في اسعاد الابناء والفرحة بوجود الاحفاد وهو ما يتطلب تفعيل دور المتخصصين والاعلام ومؤسسات المجتمع المدني لتوضيح تلك المخاطر الناشئة عن الزيجات في وقت مبكر .
وتشير إلي القصور الفكري لدي بعض الشبابالذين يبحثون دائما عن عن زوجة صغيرة يمكن تشكيلها أو حتي يكون لديها القدرة البدنية علي الإنجاب وتحمل الأعباء المنزلية أو مساعدته في عمله الزراعي كما يحدث في القري وهي أمور من الصعب تجاوزها واستبعادها عن الواقع العملي ويجب مواجهتها بحملات التوعية والضوابط القانونية اللازمة.
ويري الدكتور صلاح الفوال - استاذ علم الاجتماع ان المقارنة بين حالات الزواج المبكر للمرأة بالأمس واليوم لا يمكن الاستشهاد بها، فبالرغم من ان خبرة وثقافة الفتاة في الماضي ضئيلة مقارنة مع فتاة اليوم والمتاح أمامها إمكانية الحصول علي المعلومة بل ان تعقيدات الحياة قد تكون من الأسباب التي تدعو إلي ضرورة عدم تحديد سن الزواج والذي لن يستطيع ان يوقف هذه الظاهرة فهناك قناعة راسخة في أذهان الأهل بضرورة تزويج الفتاة لذا فلن يعدموا الوسيلة التي يمكن ان تحقق لهم ذلك والأساليب كثيرة والهيئات النسائية المطالبة بضرورة رفع سن الزواج تعرف تلك الأساليب مادام الزواج عندنا قائماً علي الإيجاب والقبول وموافقة الولي فهذا قد يكون كافياً للأهل لتزويج الفتاة.. أو السفر إلي دولة مجاورة من اجل إتمام العقد أو اللجوء إلي تقدير السن.. وغيرها من الأساليب لذلك فنحن بحاجة لتغيير العديد من المفاهيم الاجتماعية الخاطئة لدي الاهل لمواجهة تلك الظاهرة المتأصلة في المجتمعات العربية.