"لكل شيء ظل، وظل الله العرش. غير انه ليس كل ظل يمتد.
والعرش في الألوهية غير ممتد، لكنه غيب"
(الرسائل - ابن عربي)
نصنع أقفاصنا، أقفاصنا الخاصة، بدراية وبتصميم، ونتوسع في البذخ عليها، من الداخل والخارج، وفي أذهاننا أننا بنينا فراديسنا الخاصة، وجناتنا غير المكتشفة، وكواثرنا اللامأهولة.
ولي صاحب يرتجى منه الخير، حدثني ذات يوم، فقال: "تعرف عليّ شاب، هو الآن في الخمسين من عمره، وكان يطلب عملاً، فقلت له: العمل موجود، إلا أنك لا بد أن تخرج من قفصك الذي ستصنعه حول روحك، بعدما سجنت جسدك".
قال الشاب الذي هو في الخمسين من عمره الآن، لصاحبي عندما كان عمره خمساً وعشرون سنة: "لا تهتم يا عمر، إن هي إلا سنوات، وستراني من حال الى أحوال.
أيكون الحال قفصاً؟
يقول صاحبي: "تحدثت الى صاحبي الخمسيني، الذي كان عمره خمساً وعشرون سنة، قبل خمس وعشرين سنة، في شأن عمل لشاب عمره الآن خمس وعشرين سنة، فقال: "آسف، لا أستطيع.. الفرص قليلة جداً، حتى لكأننا نعيش داخل اقفاص".
وسألني صاحبي: "وماذا تقول أنت أيها الكاتب؟".
عندما كنت أتملى صاحبي، داهمني خاطر، ملخصه أن صاحبي يجاهد لتحطيم قفصه الخاص، أو أنه حطمه فعلاً، وها هو يحلق في فضاء الله اللامتناهي.
وفي الحالتين فإن صاحبي، الذي يدخل الآن أوقيانوس أرذل العمر، خارج القفص تماماً.
إنه خارج قفص جسده.
وهو خارج قفص "الآخر".
وهو غير مملوك لأحد، لأنه لا يملك شيئاً.
وهو وحيد لأنه حر. وهو حر، لأنه عرف معنى العبودية لله وحده.
وهو استوى نقطة، بعدما كان خطاً.
وهل تتقفص النقطة؟ محال.
والنقطة ظلها فيها، كالنور تماماً، حيث ظل النور في النور، كما يقول الشيخ ابن عربي.
أيها الفانون: لقد استولى الله على قلب المصطفى الأمين (ص)، فاتسع قلب محمد (ص) لله تعالى.
أليس رب العزة هو القائل: "ما وسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي"؟