بقي الطب اثر حلول (عصر النهضة) الاوربية وما بعدها يحمل معه تراث الماضي ليس في الطب فقط بل في كافة الميادين العلمية، وكان التقدم يسير سير النملة اذ لايمكن قلب المجتمع الذي عاش الماضي الى عالم سوبر الا بخطوات وئيدة، بعد (عصر النهضة) الاوربية كان الطب طبا قائما عل ممارسات تقليدية تقدمت قليلا، الا ان الطب ليس ممارسات يدوية وحدها من ثم صرف الدواء، وكانت الدراسة في معاهد الطب ليست كاملة شأنها الآن، والواقع ان الطب بدأ انطلاقته من اسار الماضي في وقت متأخر من بدايات القرن العشرين، حيث ظهر ان للطب تشعبات كثيرة تلتقي فيما يسمى بالطب الحديث. عندما كنت في البصرة صغيرا لم تكن هنالك اختصصاصات في الطبن حيث كان الطب واحدا ثم ما لبث بعد انصرام الحرب العالمية الاولى، في الاول من القرن العشرين ان بدأت انطلاقات التخصصات في الجراحة والتوليد والاطفال والشيوخ والامراض العقلية والتغذية وعلم الاحياء الدقيقة وغيرها. وفي عصرنا بدأت انجازات القفزات في كل مناحي الطب خاصة في كشف دقائق خوارط الجسم الوراثية الدقيقة وكذلك السرطانات وميادين كثيرة متعددة لاتعد ولا تحصى. وفي هذه الدراسة السريعة كشف في بعض ما حدث من (ثورات طبعلمية) خلال القرون الخوالي.
*في التشريح في عام (1538) شرح (اندرياس فيزاليوس) جثة انسان لاول مرة في التاريخ في واقع قائم مع الانسان، مصححا الكثير من الاعتقادات الخاطئة التي كانت قائمة، وهو بعمله اكد ان تشريح جثث الانسان لم تكن ممارسة قبل (فيزاليوس) كما اكد بان تشريح الجثث مهم في اداء العمليات الجراحية. في عام (1543) نشر اطلسه المصور (نسيج جسم الانسان De Humani Corporis Fabrica) الذي غدا مرجعا وخلق موضوع التشريح كمادة مهمة في كليات الطب. وهو الأطلس الاول من نوعة في تاريخ الطب يوضح بالتفاصيل الجهاز العصبي والجهاز الدموي واصبح مرجعا لطلبة كليات الطب، استنسخه الناشرون مرات عديدة مما اضطر (اندرياس فيزاليوس) الى مراجعته في اوقات عديدة.
* في علم وظائف الاعضاء، في عام (1628) اكتشف (وليم هافي) الدورة الدموية التي تروي الجسم وقال ان القلب عضو مسؤول عن ضخ الدم في (1628) نشر عمله المجدد والخارق في الطب (بحث تشريحي في حركة القلب والدم في الحيوانات) الذي وضع فيه اساسات (الفسلجة الحديثة modern physiology) اي علم وظائف الاعضاء في حالاتها الطبيعية.
* في الدم السائل الحي الكثير من الاسرار في عام (1902) اكتشف عالم علم الاحياء وجماعته المجموعات الاربع لاصناف الدم ومن ثم ابتكر نظام تصنيف الدم. معرفة اصناف الدم المختلفة ساعد على قيام عمليات نقل الدم التي غدت الآن عنصرا من عناصر المساعدة على تمديد الحياة.
* في التخدير بين اعوام (1842 - 1846) اكتشف عدد من العلماء مادة كيمياوية تستطيع الاتيان بالتخدير مما يمكن اجراء العمليات على المرضى بدون الم. التجارب الاولى جرت على بعض المخدرات وهي (غاز الضحك النايتروس اوكسايد nitrous oxide) و (اثير الكبريت) وكان يستخدمها بشكل خاص اطباء الاسنان في القرن التاسع عشر
*في اشعة اكس التي كان اسمها (الاشعة المجهولة) اكتشفها )ولهلم رويتنكن( بالصدفة عندما كان يشتغل على الاشعاع المنبثق من الكاثود (الكترون) لهذا اسموها (الاشعة المجهولة) في عام (1895). لاحظ )رويتنكن( اشعة تخترق ورقة سوداء تغلف انبوب اشعة الكاثود على الطاولة منتجة لمعان فلورسنس. هذا الاكتشاف قلب علم الفيزياء والطب فنال على هذا الاكتشاف اول جائزة نوبل تمنح في الفيزياء عام (1901). وفي عصرنا الحديث اصبحت (المسارق scanner) الذي يختلس النظر داخل الجسم في شرائح متتالية فيعرفون مكامن المرض في لحظات.
* في نظرية المكروبات في القرن الثامن عشر (1800) اكتشف الكيماوي الفرنسي (لويس باستور) بعض المكروبات تسبب المرض، في وقت كان مرض الكوليرا والانثركس (تسمم الغذائي) وداء الكلب (السعير) كان غامضا. في هذه المرحلة وضع باستور احتمالية ان الاعراض العدوى مسببة عن العدوى البكتيرية (المخلوقات الدقيقة) التي لاترى بالعين المجردة لهذا يعتبر باستور (اب علم الدقائق المرضية father of bacteriology) لانه مهد لدراسات علمية جديدة.
* في الفيتامينات في بدايات (1900) اكتشف (فردريك هوبكنس) ان بعض الامراض مسببة عن نقص بعض المغذيات سميت بعدئذ بـ (الفيتامينات)، من خلال تجارب اعطاء الغذاء في الحيوانات المختبرية توصل هوبكنس بان بعض (عناصر اغذية مكملة) لابد من توفرها للتوصل الى الصحة.
p البنسلين ظهر الى الوجود بين اعوام العشرينات والثلاثين وقد اكتشفه (اليكزاندر فليمنك) ثم (هوارد فلوري) و (بوريس جين) حيث فصلوا ونقوا البنسلين وهو (اول المضادات الحيوية antibiotic first). اكشاف البنسلين جاء عرضا دون توقع عندما شاهدوا العفن (mold) يقتل البكتيريا في (الوعاء المختبري petri dish) المهجورة كنفايات. فصل (فليمنك) نماذجا من العفن التي اسماها (بنيسيليوم نوتيتم Penicillium notatum) ثم اجري عليها الابحاث فظهر اثرها البنسيلين ثم اكتشف (هوارد فلوري) و (بوريس جين) عقارا يشفي الفيران من الاصابات البكتيرية.
*في عقارات (السلفا) في الثلاثينات اكتشف (جيرارد دوماك) الـ (برونتوسيل) الصبغة البرتقالية الحمراء تشفي من اصابات البكتيريا (المكورات السبحية streptococci) - المكورات جراثيم مكورة شائعة في البيئة بعضها على شكل مسبحة صلاة وبعضها على شكل عناقيد وتسمى بالعنقودية في لغة سيبويه - هذا الاكتشاف فتح الباب لـ (العقاقير الاعجوبة او عقاقير المعجزات) وهي مركبات (علاجات مستخلقة كيماويا synthesis of chemotherapeutic)، ولا عجب ان اسموها (عقاقير المعجزات).
* وفي التلقيحات في عام (1796) انجز الكبيب البريطاني (ادوار جنر) اول تلقيح ضد مرض (الجدري smallpox) بعد ان اكتشف التلقيح بـ (جدري البقر smallpox) يوفر المناعة ضد جدري الجدري الانساني. هنا استنتج (ادوار جنر) بالمراقبة ان الرجال العاملين في حقول تربية الابقار لم يصابوا في وباء الجدري العارم الذي انتشر في بريطانيا عام (1788). في عام (1979) اعلنت منظمة الصحة العالمية بان الجدري قد قضي علية تماما في العالم.
*في (داء السكر diabetes) الذي اسماه الاطباء في العصر العباسي بـ (الديابيطا) نقلا عن اليونانية ثم السريانية ثم العربية. في العشرينات من القرن العشرين اكتشف (فريدريك بانتنك) وجماعته (هرمون الانسولين) الذي يأتي بتوازن مستويات تواجد السكر في الدم ويجعل حياة المصابين بهذا الداء الوراثي الوبيل سليما. في الماضي كانت الاصابات بداء السكر تعني الموت البطيء الاكيدة. كان عقار الانسولين منحة كندا الى العالم.
* (هارولد فارمس) و (مايكب بيشوب) اكتشفا الـ (مورثات السرطنة العادية oncogenes normal genes) التي تسيطر على نمو كافة الوحدات الحياتية، من السوية والتي تؤدي بها من الانحدار الى وحدات مسرطنة او قفزات وراثية بشكل هائل. انطلق (هارولد فارمس) و (مايكب بيشوب) من بداية نظرية قائمة من النمو السرطاني لا يبدأ من غزو كائن خارجي بل نتيجة طفرات ربما تشجعها سموم (توكسيمات toxins) كالاشعاعات او الادخنة.
*في (1967) انجز الجراح (كريستيان برنارد) اول عملية زرع قلب في تاريخ الجراحة في هذا الشهر قام جراحون امريكيون بعملية جراحية ناجحة على امراة مصابة بسرطان متواجد في منطقة خلفية لا يستطيع الجراح الوصول لها وما كان منهم غير اخراج احشاء البطن بكاملها بقطعها واخراجها من الجوف ووضعها على طاولة ثم العمل عليها بقطع الجزء المسرطن ثم ارجاع اعضاء الجسم بكاملها الى الجوف. العملية نجحت نجاحا باهرا وهي عملية اولى في هذا الضرب من الجراحة.
*في (1978) ولدت (لويس براون) اول طفلة استولدت بطريقة الـ (طفل انبوبة المختبر Test Tube Baby) اي بتلقيح بويضة الام ليس بالشكل الطبيعي بل ان بويضة الام لقحت بحيمن الاب في الانبوب الزجاجي المختبري ثم زرعت في رحم الام وكانت ناجحة في ولادة فتاة لاتزال حية منذ ثلاثين عاما.
في الماضي كان الطب يمشي الهوينى بخطوات وئيدة خلال ماض لايعرف غير البطء ثم جائت المشيات السريعة، اما الآن فاننا نعيش عصر القفزات الطبية، وليس هذا فحسب بل ثوراث داخل ثورات ولم يعد الطب طبا عاديا بل (سوبر طب) بل (فوق السوبر). واحد اسباب جعله سوبرا هو دخول (الكومبيوتر) في كل شان من شؤون الطب و المستشفيات في التخاطب والاستشارات في سرعات مهيلة في ارسال تقارير دوائر التشخيص في المستشفيات وذلك بنقرة على (الكومبيوتر) ولو انهار (الكومبيوتر) في مستشفى لاصابة الشلل. وفي الجراحة بعد (جراحة الليبرسكوبي) الانبوبية التي جعلت نصف الجراحات تتسمم بـ (جراحة اليوم الواحد) حل (الروبوت الجراح الممكن المتقنق) الذي يديره جراح مدرب من شاشة الكترونية وبه تنجز العمليات بسرعات فائقة باتقان.
القفزات الطبية في عصر التقنقات فوق السوبر الذي تقدمه مؤسسات وجامعات معاهد البحث الطبي العلمي الامريكية تفوق التصور، تعادل في الكم والكيف اضعاف ما يقدمه العالم اجمع عدة مرات. الواقع ان ما يقدم على التلفزيونات في القفزات الطبية ربما يوفر واحد من الف مما يجري في المؤسسات الطبية قفزات هي فوق مستوى المشاهد التلفزيوني