
تتحدثون دائماً عن القرية الصغيرة، ورغم ان القريةَ، كلَّ قرية، صغيرةٌ أصلاً، الّا انكم بالغتم في تصغيرها بهذا النعت التوضيحي المؤكِد، لتتمكن الصفةُ من وصفِ الموصوف، والموصوفُ هنا ـ أي القرية ـ يرمز الى الدعةِ والجمالِ والسلام والهواء النقي والبعد عن تصخاب المدنِ وضجيجها وهوائها الملوث بالسموم ومائها المعالَج بالكيمياويات !! فأي قرية صغيرة أصبح هذا العالم الذين تودون دائماً وصفه بعبارة : العالَمُ أصبح قريةً صغيرة ؟!! هل فاتكم ان ترون ان نصف القرية هذه يحترق والنصف الآخر يتدفأ على نار الحريق ؟! هل فاتكم ان ترون ان نصف القرية جائع والنصف الآخر متخم، هل عجزتم ان تسمعوا ان نصف القرية يئن والنصف الآخر يعزف الموسيقى ويرقص أو أنه يرقص على أنين جيرانه في النصف الآخر الّا ما استثنيتموه أنتم من مدلليكم .. قريةٌ امتلأت بجواسيسكم ومخبريكم ومخربيكم وعدساتكم وكاميراتكم وتلفوناتكم المحمولة المصوِّرة وأقماركم الصناعية التي تصوِّر كل إنسان وتوثّقُ كلَّ شيء لتهديه لكم أنتم الفزعون الجشعون الطامعون في مراقبة العالم ومعرفة كل شئ فيه حتى حركة الطيور بين الأفق وأغصان الأشجار، لذا أردتم ان تختزلوا العالَم الى قرية صغيرة ترتبونها على مقاساتكم أيها المرضى المدمنون على التجسس والايذاء .. مَن يعترض عليكم تقولون له : أنت مصاب بنظرية المؤامرة .. والمؤامرة سلسلة من أحابيلكم وحيلكم المتواصلة والمحمومة للسيطرة على الانسان والعالَم في حركاته وسكناته .. لا يمكن لكم حبسُ العالَم بهذا الشكل .. أمامكم خياران واقعيان أما ان تتنازلوا عن قيادة القرية صغيرةً كانت أو كبيرة أو ان الحريق الذي أشعلتموه أنتم سيلتهم القرية بأكملها بما فيها أعز وأقدس ما عندكم، بل ويلتهمكم أنتم أيضاً، وسترون انتم الذين تحسبون أنفسكم اذكياء انكم أغبى الأغبياء اذ خططتم لحتفكم القريب من حيث لا تدركون .