قاصرات يمنيات يتعايشن مع تبعات «صدمة الليلة الاولى» .. وأخريات يعانين ويلات صحية وجسدية

2016-02-14
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/76a9afa0-75cd-405e-aebd-f993423b7bde.jpeg

كانت طفلة على مقاعد الدرس في الصف الخامس الابتدائي، تلهو مع زميلاتها وتواظب على نهل العلم، حين قايضها والدها بمال استدانه من رجل في الخامسة والخمسين من عمره، فزوجه إياها، كسداد للدين.
زُفت “مرام” وهي كارهة لمفارقة المدرسة، وصديقاتها في الصف، والانتقال إلى حياة جديدة لا تفقه عنها شيئا.
لم تمضي سوى خمسة أشهر على زواجها في 16 آذار مارس/ أيار2014، فهربت بطفولتها، لينتهي بها الحال في إحدى زوايا دار الأحداث.
و”مرام” واحدة من بين 24.6% من السيدات اليمنيات اللواتي تزوجن وهن دون سن 15 عاما، بحسب تقرير حكومي صادر عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العام 2009.
وفي وقت يستمر فيه الجدل حول زواج القاصرات، الذي أحال طفلات في #اليمن إلى حبيسات في قفص الزوجية، لم تفلح جهود تشريعية في إقرار تعديل قانون يحدد سن الزواج بـ 18 عاما.
حظ “ثريا” (14عاما) كان أفضل، على بؤسه من “مرام”؛ فحين عقد والدها قرانها في 20 شباط (فبراير) 2015،على شاب في الثانية والعشرين، هربت بها والدتها إلى منزل جدها، وقدمت رسالة إلى اتحاد نساء #اليمن بتعز تشكو فيها ما تعرضت له الطفلة من “وأد” لطفولتها بزواج لا ترغب به.
والدة ثريا تزوجت وعمرها 13عاما ولا تريد تكرار المأساة التي عاشتها مع ابنتها البكر.
الناشطة الحقوقية، والمحامية باتحاد نساء #اليمن بتعز، إشراق المقطري تولت قضية الطفلة ثريا وانتهت بها إلى فسخ العقد بعد ضغوطات مارسها الاتحاد على الأب الذي تراجع وأجبر الزوج على تطليق ابنته.
نجود، ليلى، عائشة، ندى، غدير، افتخار، آمنة، ريم، آسيا، أشجان، فوزية، وأسماء أخرى لضحايا من الفتيات القاصرات، وغيرهن كثيرات، رصد معد التقرير حكاياتهن. منهن من وجدت قصصهن طريقها إلى الإعلام، لتكون شاهدة على مأس تعيشها آلاف الصغيرات، اللواتي ألبسن لقب “سيدة” عنوة قبل الآوان، فانتهى الحال بكثيرات إلى مطلقات، فيما يلوذ سوادهن الأعظم بالصمت، خنوعا لعادات وعرف مجتمع لا يرحم.
يشير تقرير حكومي صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في العام 2009 يعد الأول والوحيد، حول ظاهرة الزواج المبكر إلى أن  (24.6%) من النساء يتزوجن في سن (10 – 14) سنة، و(56 %) منهن يتزوجن في سن (15 – 19) سنة.
استمرار الجدل
في عام 2009  تداول البرلمان مشروع قانون يحدد (18عاما) كسن “آمن” لزواج الفتيات تقدمت به الحكومة إثر احتجاجات وضغوطات لمنظمات مدنية، ما فجر جدالا واسعا، وخصوصا بين أعضاء البرلمان.
آنذاك انتهى الأمر بتوافق أغلبية النواب على تحديد السن الأدنى للزواج بـ 17 سنة، عوضا عن 18 سنة، وإضافة استثناء يسمح بزواج الفتيات دون 17 سنة إذا رأى أحد القضاة أن الزواج في صالح الفتاة ويعود عليها بالمنفعة.
لكن التشريع، رغم التوافق، لم يجد طريقه إلى الإقرار، حسب توثيق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان.
ومرة أخرى في آذار (مارس) 2010، أعاد برلمانيون طرح مشروع القانون، فجرى إحالته إلى لجنة التشريع في مجلس النواب اليمني، والتي أصدرت بدورها وثيقة تتكون من 14 صفحة رفضت فيها تحديد سن أدنى للزواج، معتبرة أن ذلك يتعارض مع القرآن والسُنة والدستور ومصلحة الأطفال.
“وأدت هذه المناورة إلى وأد مشروع القانون خلال تلك الجلسة البرلمانية”، وفقا لتوثيق المنظمة.
ولم يطل الأمر كثيرا، إذ أنه وبعد شهر واحد على تلك المحاولة، أصدر رجال دين بينهم مفتي البلاد القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، ورئيس جامعة الإيمان الخاصة الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان الخاصة، وخطباء جوامع في #صنعاء منهم: حمود المؤيد، عبد الوهاب الديلمي، حسن الأهدل، أمين بن علي مقبل، ومحمد الصادق إسماعيل عبد الباري، فتوى مفادها أن تحديد سن أدنى للزواج يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
يقول العضو في البرلمان الشيخ محمد الحزمي، وهو من أبرز معارضي القانون، في مقال نشرته عدد من الصحف اليمنية في ذات الفترة، إن تحديد سن الزواج “هو منع لما أباحه الله بوضع حد له”.
وعلى خلاف الحزمي، يرى زميله في الحزب والبرلمان شوقي القاضي في مقال له نشر بصحيفة “26 سبتمبر” التابعة لوزارة الدفاع اليمنية في آذار (مارس) 2010 إن زواج القاصرات “منكر يجب النهي عنه، وعبث ينبغي التصدي له والأخذ بيد العابثين من أولياء الأمور بقوة القانون”.
النائب الإصلاحي فؤاد دحابة، وأيضا وكيل وزارة الأوقاف لقطاع الإرشاد والتوجيه الشيخ جبري حسن، يتفقان مع رأي القاضي، إذ أن “الأصل في الشريعة أنه لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرر يزال”، بحسب الشيخ حسن الذي يضيف: “الرأي الطبي اثبت بان هناك أضرارا كثيرة تلحق بالفتاة نتيجة مثل هذا الزواج وهذا لا يجوز”.
ويتفق النائب الدكتور سمير رضا مع رأي الشيخ حسن، الذي يقول إن “بلوغ الفتاة مبكرا (…) أمر غير كاف للقول بأهليتها للزواج، فالأمر يتطلب أيضا اكتمال جسماني مستعد للحمل، كما ويتطلب بلوغ الفتاة مرحلة الرشد، وهذا أمر لا يتحقق عادة إلا عند الـ 17، أو الـ 18(…) فالزواج يعني تحمل مسئولية أسرة وواجبات تجاه الزواج والأبناء، فكيف لطفلة القيام بذلك وهي ما تزال بحاجة إلى رعاية”.
تراجع في التشريع
ولذلك الجدل سوابق تشريعية، تسجل لليمن أن قانونه “ما يزال وحيدا، بل ربما، كان فريداً في التراجع عن أحكام قانونية سبق وأن قررها خاصة فيما يتعلق بتحديد سن الزواج”، بحسب المحامي والمستشار القانوني فيصل المجيدي.
المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية الصادر سنة 1992 نصت على أنه “لا يصح تزويج الصغير ذكراً كان أو أنثى دون بلوغه خمسة عشرة سنة”، إلا إن المادة عدلت بالقانون رقم (24) لسنة 1999، لتصبح “عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يُمكَن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمسة عشر سنة ولا يصح العقد للصغير إلا بثبوت مصلحة”.
ويشير المجيدي إلى أن القانون قيد زفاف الفتاة والدخول بـ”صلاحيتها للوطء دون تحديد ماهية أو علامة تلك الصلاحية”، وهو ما باب “الاجتهاد واسعاً في تفسير معناها”، إذ أن القانون “تجاهل الاعتماد على سن محدد للزواج”.
أضرار صحية ونفسية
ويتسبب الزواج المبكر بجملة من الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية التي تلحق بالفتاة القاصر وأطفالها، حسب الباحثين وأهل الطب.
وفي ذلك، أظهرت دراسة قامت بها الدكتورة أمة اللطيف يحي أبو طالب – قسم طب المجتمع جامعة #صنعاء والدكتور عبد الجبار علي عبد الله منسق طب المجتمع بالمجلس اليمني للتخصصات الطبية، أن “عددا كبيرا من الفتيات الصغيرات واللاتي تزوجن مبكرا، عانين من مضاعفات في ليلة الزفاف وأيضا أثناء الحمل والولادة والنفاس”.
ووفق الدراسة، التي تناولت أسباب ومخاطر الزواج المبكر بين أوساط الفتيات اليمنيات، ونُشرت عام 2012، فإن للحمل “آثار سلبية (…) فنسبة وفيات الأجنة كانت عالية جدا عند الأمهات الصغيرات، وتنخفض كلما زاد عمر الأم”.
وكذلك، تجهض 11.7 % من الفتيات اللواتي يحملن وأعمارهن تتراوح بين 15 و17 عاما، فيما تنجب 7.8 % منهن أجنة متوفاة، بحسب الدراسة نفسها، التي تشير إلى أن غالبية هؤلاء الزوجات يعانين من مضاعفات في حملهن الأول تشمل: النزيف المهبلي، فقر الدم، الإجهاض، التهابات القناة البولية، الغثيان الحملي، تورم الأطراف، والولادة المبكرة والتسمم الحملي.
أطباء لا حصر لهم، يجمعون على مخاطر الزواج المبكر وأضراره البالغة على صحة الأم والجنين معا. من هؤلاء الدكتورة نجوى الذيب من منظمة اليونيسيف، أخصائية أمراض النساء الدكتورة أمل محمد أحمد، ووزير الصحة الأسبق وعضو مجلس النواب الدكتور نجيب غانم.
أضرار ومخاطر صحية، جسدية قد تصل حد الوفاة، وتشمل انفجار الرحم، الحمل العنقودي الذي يمكن أن يتحول إلى سرطان، وسواها مما يشكل اختلالا في وظائف أعضاء الجسم والجهاز العصبي، فضلا عن نقصان وزن المولود ما يعرضه لمخاطر التخلف العقلي وأمراض القلب.
لا يقتصر الأمر على الأضرار الجسدية، بل إنه يمتد ليشمل جوانب نفسية، فحسب إخصائي الأمراض النفسية الدكتور عبد الماجد سعيد الخلقي فإن “هناك إشكالية نفسية تتكون لدى العروس القاصر في ليلتها الأولى حيث تفاجأ بشخص غريب يريد ممارسة الجنس معها دون إن تكون مدركة لهذه العلاقة، وقد يصل الأمر إلى ممارسة الجنس معها بالقوة وهو ما ينعكس على حياتها الأسرية مستقبلا”.
تولد “فجوة التفاعل الجنسي”، كما يصفها الدكتور الخلقي، لدى الطفلة، الزوجة، حالة من الخوف والقلق والاضطرابات، وهو ما يؤدي وفقا لدارسة أعدها مركز أبحاث ودراسات النوع الاجتماعي والتنمية إلى “صدمة الليلة الأولى”، وخصوصا لدى الصغيرات اللائي يفتقرن لقدر من الثقافة الجنسية.
من هؤلاء الفتيات، ريم (14 عاما) التي تزوجت حين كان عمرها 11 سنة من رجل يكبرها بواحد وعشرين عامًا. تقول “هيومن رايتس” عندما تزوجت ريم “لم تكن قد جرّبت دورة حيضها الأولى بعد، ولم ترغب في معاشرة زوجها جنسيا”، ولكنه كان يغتصبها، وقالت “لقد كان يريد مضاجعتي بالقوة”.
ومنهن أيضا ابتسام (15عاما)، والتي أصيبت بصدمة نفسية عندما تم إعلامها في 15 آذار (مارس) 2015، بالزواج من شاب يكبرها بعشرة أعوام.
قبل يوم من عقد قرانها، جاءت ابتسام إلة المدرسة لتودع صديقاتها، وكان “منهارة من شدة البكاء”، وفق ما تقوله صديقة لها نقلت عن ابتسام الحاحها بطلب المساعدة لمنع تزويجها، من دون جدوى.
إعاقة لتنمية المجتمع
لا تتوقف مضار الزواج المبكر عند ما يصيب الأم والطفل، بل تمتد لتطاول المجتمع بأسره، فهو أحد الأسباب الرئيسية للمشكلات الاقتصادية، الصحية والاجتماعية، وفق عدة جهات منها وزارة الشئون الإجتماعية والعمل، ومركز دراسات النوع الاجتماعي التابع لجامعة #صنعاء، والتي تعتبره “حجر عثرة أمام تنمية المجتمع اليمني”.
رئيسة مركز دراسات النوع الاجتماعي، الدكتورة حسنية القادري، تعتبر أن هذا النوع من الزواج هو السبب الرئيسي في انعدام التعليم بين الفتيات أو قطعه في سن مبكرة، وغياب برامج تمكين المرأة، وذلك يفسر، ....

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved