رَعْد
"إنَّ النار التي في الفتيلة،
لا تَثْبُت فيها طَرفة عَيْن،
وإنَّ ما يُرى منها في كلِّ وَقْت،
غَيْر ما رُئيَ في الذي قَبْله".
(النَّظام)
لا يبدو الشاعر الروماني: "هوراس"، متَّزناً، ومتوازناً، عند من لا يعرف الشعر، حين يقول: "قد تستطيع ان تطرد الطبيعة بمذراة، ولكنها سرعان ما تعود". لأن هؤلاء لا يفهمون الشعر حقاً، حتى لو اطلعوا على كتابه ذائع الصيت: "فنّ الشعر"، الذي كتبه بعد موت صديقه الشاعر: "فيرجيل".
من بين انفرادات "هوراس" الدقة في القول وفي التصوير. وهو حين يقول بعبارته تلك يجعلك قابلاً لأن تعتقد إذا كنت شاعراً حقاً أن الطبيعة أزلية، وجميلة، وعاقلة، حتى حين يحاول احدنا ان يطردها بمذراة، فإنها تعلمه انها غير قابلة للطرد أبداً.
حسناً، هذا يصحّ أيضاً على "ابراهيم بن سيَّار النَّظام" من فضاء آخر ، فهو في عين الطبيعة عندما يتحدث حول النار والفتيلة، وفكرة الجدل المتولدة عنهما، فكأنك تقول: النهر هو النهر، وليس النهر أيضاً، كما عبّر الاغريق، لأنه متحول دائماً، وغير ثابت أبداً.
بماذا يوحي لك الرَّعْدُ، في نهار شبه مظلم، حيث السحب السود تحجب السماء، والبرق الخاطف، اي الضوء، ثم صوت الرعد. نعم صوت الرعد، لأننا نعرف الرعد من صوته؟
لنسَمِّه: إيقاع السماء.
ربما يكون، او هو كذلك فعلاً، تتابع خطو ناقة وهيت وليدها، الآن، الى الأرض. هو ايقاع الصحراء، ومن المرجح أن صوت "القرد الازرق" في الغابات الآسيوية، حيث يقول "الآخر" الذي اكتشفها، انه يتحدث مع السماء بعد الفجر تماماً، كما لو انه ايقاع روح عجماء تبتهل الى الله.
والرَّعْد ابتهال أيضا.
أتراك سمعته جيداً، كأنه يتوجّع، رغم الصوت المدوّيّ، لأن ثمة من يسوطه، وهو يهرب امامه، او يتقهقر، ولا يملك من أمره شيئاً، سوى العياط والعويل.
تُرى، كيف ترعد روح من استوى عنده الرعد، نداءً للرحمة، ومن كان عند روحه الغياب مطراً اسود، وهو ينطلق في هذا التنور الكوني الذي يبدو للناظر الى نفسه، كما لو انه روحه التي تنفلت من سجن الجسد؟
مَنْ يجرب جراءته على نفسه، ويجرّب أن يطرد روحه بمذراة.
منْ يقبل بالوقوف بين يدي نفسه، ويجاورها من دون أي تخطيط مسبق؟
جمعة اللامي
***
ذاكرة المستقبل ـ 27/9/2012
مقال الاسبوع