"ليس إطلاق الحرية ضعفاً، ولن يكون"
(أفلاطون)
نحن في إهاب صلاة .
عندما ننغمر في قراءة نص: "قَهْرُ أنثى"، للكاتب الإماراتي محمد خليفة، أو بعدما نفرغ من قراءته، لأنه نص مدوّر كما هو الزمن.
لكنها الصلاة التي عناها جبران: "لا أستطيع أن أعلمك الصلاة بالألفاظ: لأن الله لا يصغي إلى كلماتك ما لم يضعها، تعالى اسمه الشريف، على شفتيك، وينطق بها بلسانك".
"قَهْرُ أنثى" نص أوسع من التجنيس.
إنه شعر صاف، يسرده بين أيدينا، مبدع أنثوي الارتباط بحرية الفكر، وضمير الحرية منذ البدايات الأولى لأعماله الأدبية التي تأخذك برفق أحياناً، وتهزّك هزاً عنيفاً في أحيان أكثر، لكي تواجه نفسك ليس أمام المرآة الصباحية، بل أمام نفسك، حيث يشاهدك الله عارياً ومكشوفاً، بينما الجُدُرُ من حولك، والالتباسات اليومية من حواليك، والعلاقات الاجتماعية المتشابكة، العلنية وغير المصرّح بها، تقدمك إلى المشهد، بصورة أخرى.
في نصه الذي قدّم له الكاتب مراد وهبة، بنص فلسفي وأخلاقي يليق ب "قيثارة الحرية"، نجد أن "قيثارة" ليست الفتاة الواقعية، بعدما يوهمنا الكاتب بأنها واقعية تماماً، وإنما هي الفكرة والمثال حين يكونان بما هي عليه اشتراطات الفن.
فهذه المرأة ذات الملامح الشرقية، التي يعاملها الأب، كناية عن النظرة الذكورية، كما لو أنها "شيء ما"، هي الشمس خلف نقاب، وهي الجمال والحق والخير وراء حُجُب. ولا بد لشمس الحرية أن تطلع، ولا بد لليل أن ينجلي.
إنها تسافر، هذه القيثارة العازفة والمعزوفة، الناي والصوت، في تلك السفينة عبر مياه صاخبة نحو الجزيرة المقصودة، أو نحو اللامكان، كناية عن الأمل الذي ربما يأتي أو لا يأتي، ولكن محمد خليفة وضعنا في سفينته، وجعل من "قيثارة" قائدة لنا بالشعر، نحو حياة هي صنو الشعر، حيث لا نشاز أبداً.
هذا نص هو ابن الحرية، وهو يبتهل إليها صباحاً ومساء، كما يقول غاندي، لأن "قيثارة" كل واحد منا في قلبه، وفي ضميره، وفي نفسه، وإن أحسن كل واحد منا، أن يكون كما "قيثارة" محمد خليفة، فقد فاز بالدارين: دار الفكر، ودار الضمير.
"قَهْرُ أنثى" نص يعيد إلينا كمالات الفن، وجمالات الجمال، حين يخلص كاتب، كما محمد خليفة، نزل بالرمز إلى مستوى الواقع.