رد على يوسف زيدان 1

2017-01-22
فصل المقال في ما بين اللاهوت وعلم الكلام من انفصال 
 
الاصل الروائي للمسيحية اليسوعية :
 
الذي حصل ؟ الذي حصل انه ظهرت في القرون الاولى قبل القرن الرابع الميلادي حركة روائية وروائيون منهم لوقا ومتى ومرقص ويوحنا وطوما وبرنابا وغيرهم . كان موضوع هذه الروايات مسح الخطايا الاخلاقية . الف هؤلاء الروائيون قصة رجل تجسد فيه الاله وارسل الى الناس ليفديهم، اي ليؤدي عنهم ثمن اغلاطهم الاخلاقية، وسموا ذلك الرجل بيسوع . كانت كثير من هذه الروايات منتشرة قبل مجمع نيقية سنة 325 وكانت تساعد الناس على التغلب على ازماتهم الاخلاقية النفسية . الخوف من العقاب كان مرضا منتشرا بين الناس فكانت هذه القصة تساعدهم على تخفيف اضرار ذلك الخوف . ويبدو ان الامبراطور الذي اعتنق اليسوعية اعتنقها على هذا الاساس وانها خففت آلامه النفسية بشكل خيالي او متخيل اي ان المتخفف من المرض بها يتخيل انه لن يعاقب لان الاله عاقب نفسه عوضا عنه . الانسان حيوان اخلاقي اي متشبث باعلى درجات التقوى ولكنه لا يستطيع في مجرى حياته ان يطابق سلوكه عقائده الاخلاقية . لذلك يحس بالنكد والغم والخوف من العقاب . حين يقال له : ان الاله نزل في جسد يسوع قبل مدة وادى عنك ثمن خطاياك بهلاكه صليبا على الخشبة فانه يستريح وان كان الخبر خرافيا بل لان الخرافة تريح راحة نسبية الخائف المذعور. اذن فقد تنافس الكتاب في كتابة روايات من هذا النوع ذات هدف شفائي . نستطيع ان نقترب من دور كتب العهد الجديد، او ما كان يدعى عند الاقدمين بالاسرائيليات { اي الاناجيل الاربعة واعمال الرسل } الشفائي وان نلمحه في كتابات بولس{ سؤول } على الخصوص . بولس هذا يمكن ان نلخص حديثه في اعلان سقوط اوزار الذنب والعقاب بيسوع الفادي وتبشير الناس بالخلاص بذلك الفداء من الذنوب والخطايا اي بسقوطها به وباسقاط الفرائض الشرعية التوراتية  تبعا لذلك . بعد مجمع نيقية وانضمام الامبراطور وامه الى هذا العلاج تحولت اليسوعية الى عقيدة دينية والى موقع للخلاف عن درجة الالوهية في يسوع . تحولت  الرواية  الى تاريخ وقائع حقيقية يحكم اهل الكنيسة بتاريخيتها ويختلفون حول بيرسوناجها الاساسي بيرسوناج يسوع . صاروا اشبه بنقاد الرواية الذين يختلفون في تحليلها . ويلاحظ ان القصص التي صححها مجمع نيقية وابعد غيرها هي القصص التي تتوافر فيها ميزة اسقاط الخطايا عن المومنين بها بصورة تامة وخيالية . ان الناس بذكائهم يدركون ان الرجل وليكن اصلح الناس لا يمكن ان يكون الاها او موقعا لتجسد الاله لان الاله في تعريفه اللغوي لا يتجسد . في القول بتجسد الاله في البشر تناقض واضح وخيال . ولكن المؤمن بتلك القصة يؤمن بها كما يشرب المريض الدواء المر المحدج طلبا للشفاء، طلبا لابعاد الآلام النفسية المترتبة على مخالفاته الاخلاقية ثم لا يعنيه بعد ذلك خيالية ما يكون آمن به .
نسيت الطبيعة الروائية والوظيفة الشفائية للاناجيل الكثيرة التي تفوق الاربعة عددا وانعقدت اربع مجامع كبرى للكنائس بدعوة من اباطرة بيزنطة من اجل تحديد طبيعة يسوع وتقريب وجهات النظر بينها ولم تتفق تلك الكنائس وكفر بعضها بعضا واستمر التكفير حتى القرن السادس . كل هذا بسبب الخلاف حول طبيعة يسوع في الرواية الانجيلية . 
ان نظرنا الى العالم السني والشيعي المدعو بالاسلامي لم نجد للدولة اثرا في حل الخلاف بين الفقهاء ولا في اقتراح العقائد ولا نجد زعماء الفكر فيه قد اشتغلوا بالجوهري القرآني بل نجدهم اعرضوا عن البشارة القرآنية التي تعلن سقوط الخطايا بالغفران الاصلي : خلق الله الناس وغفر لهم حين خلقهم وليس هناك ذنوب لا تغفر ولا خطايا لا تقبر ولا ثمن يطلب ولا الاه يتجسد ولا فاد يفدي . قضية الخطيئة الدائمة التي تنتظر فاديا كلها الغيت من اصلها . 
لم تكن الدولة تحتاج الى جمع فقهاء كما حدث للكنائس اليسوعية ليتفقوا على قول واحد في الغفران فانه لم يكن مركز اهتمام المتكلمين ولم تكن هي متمركزة على المعاني القرآنية . لم تكن توزع المصاحف على اهل البلدان المفتوحة ولم تكن تنظم دروسا للعامة ولم تكن تعين فقهاء قرآن يصحبون الجيوش ولم يكن يعنيها مراقبة تطور العقائد في الامم الا في حالات معدودة كحالة المامون العباسي والمرابطين بالمغرب الذين انحازوا للفقهاء على المتكلمين الاشاعرة . باختصار : لم تكن المعاني القرآنية محط اهتمام الدولة ولا محط اهتمام زعماء الفكر . اضف الى ذلك ان الخلاف بين المسلمين من اهل السنة وغيرهم  خلاف في فروع عقلية { سبيكولاتيف } للدفاع العقلي عن قضايا بعضها منزل لا يحتاج الى دفاع بحكم انه منزّل  وبعضها فرع عقلي عن المنزّل وهي قضايا على هامش هامش القرآن بل انها لا تعنيه اصلا . وبذلك وضعوا انفسهم في فلك غير فلك القرآن الكريم { مدخل الى التيولوجيا الاسلامية لجورج قنواتي بالفرنسية } . كان القرآن اكبر من مدارك زعماء الفكر في التاريخ الاسلامي فهجروه الى شيء غامض متعدد هو العقل . لكن ترتب على ذلك ان العامة والمجتمع ظل حبيس الاحساس بالذنوب ومتوقعا للعقاب ومقبلا على كل المعالجات التي تفوق في الخيالية المعالجة اليسوعية  . ولا سبب لذلك الا جهله ببشارة سقوط الخطايا الواضحة في القرآن الكريم واشتغال زعمائه الفكريين بالاستدلال على الصانع والنبوة وغير ذلك من القضايا الهامشية بالنسبة للانسان القديم المتازم بالذنب والتي لا معنى لها قرآنيا . اما كنائس اليسوعية فكان خلافهم في اصل اصيل في المغفرة  كما تقدم وفي مركزها الذي شخصته في يسوع . وبذلك خف الاحساس بالذنوب في الامم التي كانت تتعالج ببشارة الفادي الخيالية, الفادي الذي اسقط عنهم الخطايا وبقصته . واشتد الاحساس بالذنوب  في ( العالم الاسلامي ) الذي اخفيت عنه بشارة سقوط الخطايا عند الخلق والبروء او خفيت . وترتب على ذلك حال هؤلاء وهؤلاء اليوم . 
 
اله القرآن واله المذاهب الاسلامية واله المسيحية اليسوعية :  
 
اله المسيحية لا يغفر الذنوب بالرجاء والطلب والشكر والتوبة والاكثار من الشعائر كاله المذاهب الاسلامية ولا يغفر الذنوب مع الخلق بغير طلب جودا كاله القرآن الكريم،  لكنه يغفر بالمقابل وبالفداء في المقابل . اي مقابل واي ثمن وكيف ؟ المقابل هو انتحار المذنب . ولكنه ينوب عن المذنب في اداء ذلك المقابل فيعرض نفسه للقتل فداء للمذنبين ويتجسد لذلك في صورة يسوع ويقتل ثم يعود الى الحياة ويصعد مرة اخرى الى سمائه . هذا الاله  يرفضه الاسلام القرآني والاسلام السني والاسلام غير السني . وهو الاختيار اليسوعي المسيحي الذي قامت عليه كتابة الاناجيل وبرهنت عليه روائيا . يمتاز هذا الاله بانه عاجز عن الغفران بغير مقابل انتحاري من عباده نظريا او من نفسه نيابة عنهم فعليا بخلاف اله القرآن القادر على كل شيء الا على ما يتنافى مع الربوبية واسمائه الحسنى . ومما يتنافى مع ذلك طلب المقابل واداؤه بالنيابة او بغيرها . ان اله القرآن عاجز بلغة اخرى عن ان لا يكون الاها وعاجز عن التجرد من اسمائه الحسنى وعاجز عن ان يعزل نفسه من الحكم والربوبية والالوهية وعاجز عن ان لا يكون قادرا وعاجز عن الاتصاف بما يؤدي الى ذلك اي عن التجسد في المخلوق من حجر او بشر او نبات او اي شيء آخر . اما ما سوى ذلك فانه قادر عليه بغير مقابل من عباده ولا نيابة . هذا الاله القرآني ليس قادرا على الانتحار , كاله اليسوعية، من اجل اسقاط ذنوب عباده لان في ذلك قولا بقدرته على ابطال قدرته وذلك ممتنع قرآنيا وليس قادرا على اشتراط المقابل الانتحاري منه او من غيره لان في ذلك اسقاطا للقول بجوده وكرمه  . كتبت  الروايات الانجيلية  بخلاف ذلك  دفاعا عن القول بقدرة الله ( الاله ) على ابطال قدرته وعن القول بقدرة الله على التجرد من جوده وكرمه وبقدرته على المطالبة بالثمن ثمن الخطايا وعلى اداء الثمن بالنيابة عن المذنبين  . كانت هذه الاناجيل او الروايات بيانا لكيفية اقدام الاله على اداء ذلك الثمن  من نفسه لنفسه . 
اذن هناك آلهة : 
 
الاول - يخلق ويغفر الخطايا عند الخلق وله الاسماء الحسنى ولا يخرج عنها وهذا الاه القرآن الكريم وبعض الحديث المنسوب الى الرسول. ( ورحمتي وسعت كل شيء ) الاعراف 156 ( .. انه يغفر الذنوب جميعا...)
الثاني - الاه يخلق ولا يغفر الخطايا عند الخلق وينتظر ان يذنب عباده فيفديهم بنفسه ويتجسد في صورة رجل لتحقيق الفداء
وهناك إلآه ثالث - هو اله المذاهب الاسلامية : هو الاه يخلق ولا يغفر الخطايا عند الخلق ويطالب عباده باداء الثمن بالشعائر والاعمال الصالحة ولا يفديهم بنفسه
 
الاطروحة الاساسية في كتاب اللاهوت العربي :
 
يميز يوسف زيدان بين العقلية العربية والعبرية والعقلية اليونانية والقبطية .  انتجت العقلية اليونانية والمصرية عنده صورة الالهة المتآنسة مع البشر المتزاوجة معهم فمن الالهة من يعشق امراة من البشر ومن البشر من يرتفع الى درجة الالهة ومنهم من ابوه اله وامه من البشر . لذلك فان المسيحية اليسوعية بقصتها الحلولية او التطابعية بين الناسوت واللاهوت وجدت في الشعبين حقلا ملائما لا تحتاج فيه الى جهاد من اجل الاستقرار فيه . يؤكد يوسف زيدان ان اليونان والاقباط كانوا  لايجدون صعوبة في الاخذ بهذه العقيدة لان لها امثالا في ثقافتهم . اما العرب ( يقصد العرب التابعين للمسيحية اليسوعية قبل الاسلام ) والعبريون والسريان فعالم الالاه منفصل عندهم تماما عن عالم البشر. يقصد وان لم يذكر اللفظ ان الاه العرب والعبريين الاه متعال مفارق بخلاف الاه الاقباط واليونان ص80 وما بعدها .
يزعم  ايضا ان علم الكلام في القرن الاول امتداد للمسيحية اليسوعية العراقية والشامية وان اصول القول بالاله المفارق كانت موجودة في بلاد الهلال الخصيب قبل الاسلام  وكأن الاسلام دخل الشام والعراق ليجد فيهما نفسه؟؟؟؟؟ يكاد ان يعلن ان القول بالاله المفارق انتقل الى علم الكلام من تلك المسيحية؟؟؟؟؟ ظنون في ظنون . وهذا مدفوع لان الاه المسيحية في كل مراحلها واصنافها ترفع يسوع فوق الدرجة البشرية ولا تقول بالاله المفارق البائن كالحال في الاسلام بمذاهبه . كان يجوز ان تظن الصحة بقوله لو كان يسوع في المسيحية الشامية والعراقية قبل الاسلام لا يحظى فيها برتبة الابن او كانت تلك المسيحية لا تعترف بالاناجيل الاربعة الكنسية . اما وهي تعترف بها فاستدلاله ساقط لان اله الاناجيل متانسن بادلة كثيرة نكتفي منها بدليل واحد يغني عن باقي الادلة هو انه اب .
 
الجامع الخيالي بين الالاه المتانسن والالاه المفارق :
 
العرب النصارى والسريان كما يسميهم  ( العرب لا يعينون السريان باسم السريان وكان ينبغي ان يقف عند حدود لغتهم . اسمهم عند العرب النبط او النبيط ) والعبريون تحدث عن الاههم المتعالي لكن نسي ان الالاه المتعالي قد يكون خياليا لا حقيقيا  وان لم يكن الاههم متأنسنا . مثلا الاله الواحد العاجز خيالي . في هذه الحالة يجتمع الاله المتانسن والاله الخيالي في انهما خياليان . من المؤكد ان الاه او آلهة العبريين { الوهيم } والهة العرب الجاهليين خيالية لانها في حالة العبريين قومية قبلية وفي حالة العرب الجاهليين عاجزة وربما كانت قومية ايضا بل ان اله المتكلمين المسلمين واهل السلف ليس واحدا وان انتسبوا الى الاسلام فاله اهل السلف جسد يفعل كل شيء يفعله العباد ويعاقب العباد المخالفين فهو متناقض واله المعتزلة لا يفعل كل الافعال في العالم اذ يخرج عن سلطانه فعل الانسان واله الاشاعرة يفعل نصف فعل الانسان الخ . نسي ايضا ان العرب في الجاهلية لم تكن تعبد الاها واحدا احدا حقيقيا وانما كانت تعبد الهة كثيرة متخيلة ومازالت بعد القرآن تتخيل الاله . اضف الى ذلك ان اليهود  ذوي الاله الخيالي الواحد القومي مشركون بالمعنى القرآني كالعرب الجاهليين وككل متخيل يتخيل الاهه ولو كان موحدا مسلما  . المهم  ان الاله الواحد المفارق الذي نسبه يوسف زيدان للشعوب السامية في الهلال الخصيب لم يكن الها واحدا . الوحدانية لا تعني في كل الاحوال الابتعاد عن الشرك الا حين لا يكون الاله متخيلا . والحاصل من هذا القول ان الهة اليونان والاقباط المتانسنة والهة العبريين والعرب المتعددة المفارقة او المتوحدة تجتمع في كونها خيالية . هناك يتخيلون الاله يهبط الى الصورة الانسانية وهنا يتخيلون الاله خاصا بهم او متعددا او ذا قدرات مختلفة  . 
 
استمرار العقلية الدينية في الهلال الخصيب او انقطاعها :
 
 يطيل يوسف زيدان في عرض الخلاف حول طبيعة يسوع  بين الكنائس القبطية اليونانية من جهة والكنائس الشامية العراقية وكنائس شمال الشام والعراق من جهة اخرى ليمضي من ذلك الى القول باستقلال الكنائس الشامية والعراقية، بقول يمتد في نظره الى علم الكلام { الاسلامي } كما تقدم . ان كان  جوهر المسيحية اليسوعية يقوم على القول بان الوحي هو يسوع نفسه وان الاله تجسد فيه وجاء بنفسه ليفدي المذنبين بنفسه فاين ذلك من القرآن الذي لا يعترف بيسوع اصلا وانما يعرف عيسى ويعترف به ومن التوراة اليهودية التي لا تعرف يسوع ولا عيسى ؟ وان عرفت يسوع  فلتذمه في كتبها التي بعد العهد القديم ؟ واين استمرار العقلية الدينية الكنسية في المتكلمين من اهل الشام والعراق المنتسبين الى الاسلام  في هذه الاحوال ؟ واين ذلك في التراث الكلامي { الاسلامي } ؟ اين الفداء والصلب وما حولهما في علم الكلام ؟ نترك الكلمة ليوسف زيدان :
يقول :{ كان العراق والجزيرة اذن بلاد الهراطقة الذين نظروا الى انفسهم على انهم اهل الايمان الصحيح وان مخالفيهم ضلوا حين زعموا ان الله ثالث ثلاثة وان الله تعالى هو المسيح بن مريم } ص 132، اولا : لنا ملاحظة على يوسف زيدان في الاستشهاد السابق . انه يتحدث هنالك عن طوائف يسوعية  في العراق والجزيرة  تكون انكرت الوهية يسوع وتكون انكرت الثالوث . لا نجده بعد ذلك يقدم دلائل على ذلك ويظهر ان حماسته لاثبات مذهب خاص لنصارى العراق والشام والجزيرة دفعه الى هذه المبالغة فلو ثبت ما قال لكانت هذه الطوائف خرجت من المسيحية اليسوعية اصلا ولا تكون عدت هرطقات فالهرطقة مرتبة اهون من الخروج من الدين . لكن الحقيقة كما تبدو من امثلة  ذكرها هو نفسه عن هؤلاء الهراطقة هي انهم ظلوا قائلين بالفداء والحلول وبالاناجيل اليسوعية واعمال الرسل البولسية وغيرها . وذلك وحده يكفي لترتيبهم في اليسوعية وقطع دابر الصلة بينهم وبين الاسلام بمذاهبه التي لا تعترف بالثالوث ولا بالفداء كما تقدم . انظر مثلا الى اريوس . يقول عنه يوسف زيدان :{ قرر اريوس ان الله لم يكن دوما الاب وقد خلق الابن من العدم في زمن معين فصار الله ابا حينئذ... } ص113 . اذن ليس الخلاف بين الهراطقة – واريوس اكبرهم- وبين الكنائس المصرية والبيزنطية والرومية في جوهر المسيحية اليسوعية وانما هو قائم في اعراضها . كيف اذن يجوز لعاقل ان يزعم ان هذه المسيحية الاريوسية مرت الى علم الكلام الذي ينكر جوهر المسيحية واعراضها ؟ هل قال المتكلمون بابوة الله الدائمة كقول الاقباط واليونان، او هل قالوا بابوته المؤقتة كما قال اريوس؟ لا طبعا. ثانيا : لا نملك دليلا على الاختلاف بين البشر مناطقيا اختلافا شاملا مانعا . ثالثا المتكلمون المسلمون لم يثبت انهم اطلعوا او كان يعنيهم الاطلاع على الخلاف الكريسطولوجي في الشام والعراق قبل الاسلام وليس في كتبهم اي تاثر كان بالكريسطولوجيا لسبب بسيط هو انهم ينكرونها جملة وتفصيلا . رابعا القضايا التي اشتغل بها المتكلمون  من خلق افعال وكسبها وصلاح واصلح ونفي الصفات او اثباتها والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والتقبيح والتحسين الشرعيين الخ منذ عهد الجعد بن درهم والجهم بن صفوان الى النظام والجاحظ الى من بعدهم لا تشبه اصلا قضايا المسيحية اليسوعية في مصر والعراق والشام واليونان وروما . ان فرضنا جدلا ان عيسى المسيح هو يسوع المسيح فالملاحظ ان لا حظ له في علم الكلام الاسلامي لسبب بسيط هو ان شخصيات الانبياء كلهم لم تكن موضوعا للتامل الكلامي اصلا ولا تلائم ذلك النشاط الاستدلالي اصلا . اذن اين استمرار اللاهوت العربي بعد ظهور الاسلام السني ومذاهبه الاخرى؟ هل يلخص الفكر الكلامي {الاسلامي} بمذاهبه في النبوة التي يجعلها زيدان قنطرة بين اللاهوت السابق على الفكر الاسلامي في الشام والعراق واللاهوت اللاحق ؟ هذه النبوة التي  ليست ذات منزلة مركزية في الكلام {الاسلامي} لانها من السمعيات والاستدلال عليها لا يحتل من كتب علم الكلام مكانا او سع من فصل صغير . يقول زيدان { ومن اللافت للنظر ان الهرطقات الكبرى ظهر معظمها في الهلال الخصيب حيث عاشت في الاذهان فكرة النبوة ذات الاصول الفارسية واليهودية والنبطية } االنبطية والفارسية ؟؟؟ اين العرب بهود وصالح وشعيب وابراهيم واسماعيل وغيرهم ؟ وما علاقة معنى النبوة العربي بالامم التي ذكرها ؟ نسي زيدان ان كتابه عن اللاهوت العربي؟ اين العرب بين هذه الاسماء التي تزعمت الدعوة الى الهرطقات المشار اليها عنده . يقول في مكان آخر انهم عرب ولكنهم ينزعون اسماءهم العربية عند ترسيمهم كهنة . هذا قياس الحاضر على الماضي ولا يدل عليه دليل ولو كانت لهم اسماء عربية لعرفت . لماذا لم ينزع صفة العربي عنه الامبراطور الروماني ذو الاصل الشامي  كاراكلا ؟ ( كتاب علي خشيم عن الاباطرة العرب ) . يزعم زيدان ان تلك الهرطقات العربية المسيحية بين قوسين عوضت البنوة بالنبوة اي القول بالفصل بين العالم الالهي والعالم الانساني . من الصحيح ان فلانا وفلانا من الاساقفة المهرطقين في الشام والعراق على عهد البيزنطيين  استعظموا ان يقال بالوهية يسوع المسيح مائة في المائة من صباه وتكونه في بطن امه الى اختفائه لكنهم لم ينكروا تجسد الاله فيه في وقت من اوقاته او في جهة من جهات ذاته . ظلوا يسوعيين قائلين بتجسد الاله في يسوع وهلاكه انقاذا للبشر الذين يصدقون فداءه وتجسد الاله فيه . هرطقتهم ليست كامنة في القول بنبوته وبشريته وانكار اي صفة الهية فيه ولكنها كامنة في قولهم بانخفاض درجة الالوهية فيه الى النصف او الثلث او الربع او غير ذلك من النسب بالمقارنة مع الموقف المتطرف للكنيسة القبطية القائلة بربوبيته مائة في المائة . ما علاقة هذا بالفكر الكلامي { الاسلامي } المنتشر في العراق والشام في العهد العربي الاسلامي  ؟ ذلك الفكر الذي يرفض الدخول في هذا الخلاف ويعد اطرافه كفارا بمجرد القول بالوهية يسوع او غيره باي نسبة كانت من النسب ولو كانت 00001, 0  او اقل من ذلك ؟ ذلك الفكر الذي لا يرى اي تداخل ممكن بين الاله وعباده؟ ان قارنا بين الفكرين مع الاحتفاظ بما ذكر حاضرا في الذهن لاحظنا ان الفكر المسيحي اليسوعي اضيق من الفكر الاسلامي بمذاهبه . لماذا ؟ لان الفكر اليسوعي بمذاهبه لا هم له الا شرح ثلاث كلمات هي الاب والابن والروح الطاهر . اما { الفكر الاسلامي } اي ما يوصف بالاسلامي فشمل كل الشؤون الفلسفية ولم يتجنب الا شيئا واحدا هو كلمات القرآن الكريم . اذن كيف يكون علم الكلام الاوسع امتدادا للفكر اليسوعي المتجوهر حول يسوع  الذي شغل الكنيسة  في الشام والعراق قبل الاسلام ؟
الكريسطولوجيا وعلم الكلام :
 
الغريب ان يوسف زيدان لم يات في فصول كتابه باي اشارة الى نظريات اللاهوت المسيحي في الافعال وخلقها وكسبها والى حرية الانسان فيها بل اكتفى بالحديث عن الكريسطولوجيا . ولمن لا يعرف معنى ذلك الاصطلاح فهو يعني علم شخصية يسوع ونسبة اللاهوت والناسوت فيه وتتابعهما فيه او تقارنهما وعلاقة ذلك بالام وبالاب . هي مباحث غريبة عن الذهنية الاسلامية بكل اصنافها ولا يتصور اصلا وفصلا اي تتابع بينها وبين علم الكلام { الاسلامي } الذي يشتغل بثلاث نظريات الاولى نظرية الانسان في افعاله ومصيره وبدايته ونظرية العالم وخلقه ونظرية الله وصفاته . انه نوع من الفكر يحول القضايا الدينية الى مباحث استدلالية عقلية صرفة . بالاضافة الى ذلك فان الكريسطولوجيا بمذاهبها قائمة على القول بحرية الانسان في افعاله وخلقه اياها اي انها قائمة على نوع من الاعتزال المتطرف . ذلك ان هذه الكريسطولوجيا تؤكد اصلا من اصول المسيحية اليسوعية قائما على القول بالفداء اي ان يسوع فدى البشرية بدمه . وهذا الفداء ما كان ليجوز ان يدعى الا ان كان البشر اسبابا لافعالهم في نظر مدعيه . اذن المسيحية اليسوعية تحتوي على القول بخلق الافعال اي ان البشر يخلقون افعالهم وانهم احرار عن كل ارادة الاهية وانهم يصنعون مستقبلهم وانهم محاسبون عليه وان الفداء حل لاعفائهم من تلك المحاسبة القيامية. لا تختلف المسيحية اليسوعية عن الاعتزال المتطرف الا في المحاسبة والتصريح . في اليسوعية تكون نظرية خلق الافعال متضمنة في الكريسطولوجيا وليست فصلا صريحا فيها بخلاف الحال في علم الكلام الذي يجعل فصلا لموضوع الحرية الانسانية .ومن جهة اخري فان المحاسبة هي من نتائج الحرية عند المعتزلة بل انه يقولون بالحرية وخلق الافعال بسبب قولهم بالمحاسبة الاخروية . اما المسيحية اليسوعية فتلغي المحاسبة بنظرية الفداء كما تقدم . ونحن هنا نسميها نظرية من باب التجوز والتجاوز، لانها مجرد خبر من الاخبار المصدقة في الكريسطولوجا . ان الكريسطولوجيا نظرية عن شخصية يسوع ولكنها نظرية قائمة على اخبار مبدهة في المجعلة المسيحية كخبر الفداء وخبر الصلب وخبر العشاء الآخر الى آخر الاخبار المذكورة في الاناجيل الكنسية . الحاصل انه بالرغم من اشتغال الكريسطولوجيا بامر يستلزم موقفا عن الحرية فانه لا علاقة بينها وبين الفصل المخصص لخلق الافعال وللحرية الانسانية في اعمال علم الكلام وخصوصا في الاتجاه المعتزلي . كان يمكن ان يحدث استمرار واتصال لو عمد المسلمون الى شخصية نبيهم فجعلوها جوهر الفكر الكلامي كما فعل اليسوعيون بيسوع . لكن الامر غير ذلك فمحمد غائب عن علم الكلام { الاسلامي } وليس من موضوعاته الا في باب الاستدلال على نبوته وهو باب موضوع في القسم السماعي من علم الكلام بجانب الجنة والنار والحساب والصراط وغير ذلك مما تختم به الاعمال الكلامية ويوصف بالسمعي اي الذي يؤخذ من القرآن الكريم او من الحديث ويقبل عند المسلمين بالايمان . اذن نتساءل : كيف جاز ليوسف زيدان ان يتحدث في فصوله الاولى عن الخلافات بين الكنائس في الكريسطولوجيا ثم يدعي  في فصوله الآخرة ان آباء علم الكلام ( الاسلامي ) الذين اختلفوا في الافعال والصفات استمرار لتلك الكريسطولوجيا؟ غريب امره عجيب . 
امثلة:
 
انظر اليه يجعل معبدا الجهني وقوله في الافعال امتدادا للاهوت الكنسي لمجرد حجة جدلية لا قيمة لها في باب اليقين هي انه اشيع انه تتلمذ على النصارى . يوسف زيدان ينقل ذلك متغافلا عن ان تلك الاخبار من رواية اعدائه كالاوزاعي والحسن البصري ص160. ما العلاقة بين قدرية معبد والنصرانية ؟ لو كانت قدرية معبد جزءا من النصرانية لأسقطت عقيدة الفداء ولتبعتها النصرانية في الانهيار كما قلنا من قبل . يقول عن معبد: { كان يعيش في المحيط الثقافي العربي الذي عاصر المسيحية قرونا  } اي حجة هذه ؟ اي محيط ثقافي؟ محيط البادية العربية التي اعتقد زيدان بخياله انها كانت مسيحية يسوعية وان معبدا انتقل منها الى البصرة . اذن فقد نقل معبد الى البصرة افكار البادية المسيحية ؟؟؟؟ اين مكان الافعال في التيولوجيا اليسوعية المسيحية ؟ لا يقول عن ذلك  شيئا . اين مكان المسيحية في افكار معبد ؟ لا يقول شيئا عنها . اين مضارب قبيلة جهينة ؟ لا يقول عنها شيئا . لا يعلم ان قبيلة جهينة من قبائل الجزيرة البعيدة عن كل تمسح والتي لم يذكر عنها في الكتابات العربية الادبية والاخبارية اي شيء يشتم منه قيام اثر فيها للمسيحية ومع ذلك فمعبد آت عنده من جهات تعرف المسيحية منذ قرون ودخلت في الاسلام قبل سنوات ؟؟؟؟؟  والغريب انه ينسى وهو يربط علم الكلام الشامي العراقي باللاهوت المسيحي اليسوعي ان هؤلاء المؤسسين لعلم الكلام  ليسوا شاميين فمعبد الجهني اكبرهم سنا ليس شاميا ولا عراقيا ولكنه عربي من جهينة وكان حضر التحكيم وهو من تلاميذ ابن عباس وقتله الحجاج الذي كان يقتل اعداء الدولة لا اعداء الدين . اما غيلان الدمشقي فمن قبط مصر وعاش في الحجاز لان اباه من موالي عثمان بن عفان ثم انتقل الى الشام . الجعد بن درهم والجهم بن صفوان من عرب ترمذ وخراسان اللتين كانتا محطة لجاليات عربية تكاثرت من بعدهم وكتبوا بالعربية وتعصبوا لها في وسط فارسي كاره { تاريخ الدولة الاموية لفلهوزن- البداية والنهاية الجزء التاسع لابن كثير- سير اعمال النبلاء }
وانظر اليه في مكان آخر يربط  مذهب الجبرية  الكلامية بالمونوثيلية او عقيدة وحدة الارادة الالاهية التي رفضتها الكنيسة القبطية . ومن حقها بالنظر الى عقائد المسيحية اليسوعية ان ترفضها فان القول بالجبر يتنافى مع عقيدة الفداء وهي جزء من الكريسطولوجيا . ثم ان هرقل الذي اراد ان يفرضها لفك اشكال له صلة بشخصية يسوع غاب عنه وعن كهانه انها تسقط المسيحية كلها . اين هذا من مذهب الحبر والاختيار عند المسلمين الذي له صلة بالخير والشر في العالم وبالمسؤولية وبالمحاسبة الاخروية ؟؟؟ ثم ان الكنيسة او الكنائس وهرقل نفسه لم يتحدثوا عن الجبرية بل قالوا بوحدة المشيئة هروبا من ان يفحموا بالربط بين الاجبار والفداء . لكن يوسف زيدان يصر غلى القول بان الجبرية والمونوليثية احدهما استمرار للاخر  ص156 الى 159 . والمصيبة العظمى انه مع معبد ومن معه من مؤسسي علم الكلام يجعلهم استمرارا للاهوت المسيحي وهم يقولون بالاختيار والحرية حتى اذا ازف الوقت للحديث عن الجبرية جبرية الامويين جعلها هي ايضا امتدادا للاهوت المسيحي المتقدم في الشام ؟ كيف يكون مذهبان متناقضان في الحكم على الافعال الانسانية ومنكران للقول بالفداء استمرارا لمذهب واحد قائم على الاختيار والفداء؟ ايكون يوسف زيدان سفسوطا؟ على وزن شعرور من السفسطة .
الحجج الجدلية الواهنة التي يتخذها في شان معبد والامويين نجده يرتمي عليها في شان غيلان الدمشقي احد آباء علم الكلام . ما دليله على كون غيلان استمرارا للاهوت المسيحي اليسوعي؟ دليله هو انه كان يسكن في دمشق ويعلق على ذلك قائلا : { واظنه كان محاطا هناك  بسياج مسيحي عنيد } ص161 ؟؟؟؟؟؟ ياسلام ؟؟؟؟. وما دليله على ان قدرية غيلان اصلها نصراني؟ دليله حديث موضوع وضعه خصوم القول بالاختيار هو { القدرية نصارى هذه الامة ومجوسها } ص162 . وهو حديث وضع بعد ان سميت عقيدة غيلان واصحابه بالقدرية . ثم ان الذين وضعوه نسوا ان كل المذاهب الكلامية تقول بدرجة من القدرية بل ان الاشعرية بنظريتها في الكسب قدرية في قولها بمسؤولية الانسان النسبية بواسطة الكسب . يقول عن نهاية غيلان الدموية : { استشعروا اي اهل السلف مما ذهب اليه غيلان اي حرية الافعال خطرا خفيا ونقلة غريبة من الموروث المسيحي السابق }ص 163 . اين القول الغيلاني في الموروث المسيحي؟ وهل كان يقول اهل السلف بالجبرية ؟ ابدا . لماذا ؟ لانهم كانوا ومازال اتباعهم الى عصرنا يفسرون القرآن الكريم على اساس عقيدة المسؤولية الاخروية عن الافعال الدنيوية . وما دامت في افق الانسان مسؤولية اخروية فهو قائل بالاختيار او قدري بلغة عصر غيلان . قتل غيلان لا لاختلافه مع السلفيين ولا لاتفاقه مع الموروث المسيحي الذي لم يرثه غيلان ولا اهل السلف . انما قتل لاسباب سياسية مجهولة قنعت بالافكار الكلامية  التي لم تكن الا ذريعة لذلك القتل . ومختصر القول انك تعدم في كتاب يوسف زيدان اي حجة برهانية . كل ما نجده من برهان عن الاستمرار اللاهوتي في علم الكلام اتهامات ظنية واقوال خطابية وعبارات مقدماتها ليست بدهية . انظر اليه يقول عن غيلان : { بينما كان غيلان يستكمل طريق النصارى الذين علموه؟؟؟......ولماذا يشنع على غيلان بان استاذه تلقى عن استاذ نصراني سوسن كان مسيحيا فاسلم ثم تنصر بينما يمتدح بعض رجال المعتزلة من بعد بصفات نصرانية ...كراهب المعتزلة } . وهو لا يفعل هذا مع غيلان وحده بل تلك سنته في كل ما قال عن الآباء الاربعة مؤسسي علم الكلام فيقول عن الجعد بن درهم انه تتلمذ على ابان بن سمعان ثم يتفلسف في اسم هذا الاستاذ فيتكهن بيهوديته وبيسوعيته مترددا دون دليل وينسى ان عثمان بن عفان كان له ابن اسمه ابان ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا  ص 165 فهل هذه ادلة يقينية؟ ومتى شرع غيلان في استكمال طريق النصارى ؟ وما طريق النصارى الذي اختاره؟ وهل في كلام غيلان ما يعد استكمالا لطريق النصارى وما هو ؟ . يفعل مثل هذا مع الجعد بن درهم ثالث الآباء.. كان الجعد يقرأ القرآن الكريم فيفسره بما يوجب تنزيه الله عن صفات المخلوقين . هذا امر يضطر اليه كل مسلم يقرأ القرآن الكريم . لكن يوسف زيدان يجعل الجعد لذلك جسرا بين المسيحية اليسوعية والكلام . اين تفاسير الاناجيل الكنسية التي تنزه الله عن صفات المخلوقين ؟ لا نجد من ذلك شيئا بل ان المصيبة العظمى والكارثة الجلى تبرز لاعيننا حين نتذكر ان المسيحية اليسوعية قائمة على نقيض التنزيه الجعدي وانها قائمة على تاكيد اتصاف الله بصفات المخلوقين في صورته المتطرفة المغالية  فهو اب وله ابن وذلك ابرز صفات المخلوقين . ما المسيحية اليسوعية الا قول بتجسد الله في الانسان يسوع فالله في النصرانية بتصف بالصفات البشرية خلافا لمذهب الجعد بن درهم . لكن هذا الفيلسوف يصبح بجرة قلم  من يوسف زيدان تابعا بالرغم منه  للمسيحية اليسوعية، وبالرغم من دمه المهراق تحت منبر خالد القسري والي العراق وباني الكنائس فيه استرضاء لامه المسيحية اليسوعية . لماذا لا يكون خالد هذا قتل الجعد بن درهم خوفا منه على مسيحية امه او بامر امه؟ يسال عن ذلك يوسف زيدان . ولماذا لم يرحمه خالد من القتل ان كان مستمدا من دين امه واستمرارا للمسيحية الشامية العراقية ؟ يسال يوسف زيدان . 
بالنسبة للرابع من مؤسسي علم الكلام الجهم بن صفوان نتساءل : ما العلاقة بين قوله بنفي الصفات وان الصفات هي عين الذات تجنبا للقول بتعدد القدماء وبين قول بعض آباء الكنيسة قبل الفتح العربي للشام والعراق عن الابن والاب : هو هو ؟ . لا علاقة ولاصلة بينهما . ومع ذلك يجعلهما يوسف زيدان بالرغم منهما موقع استمرار بين اللاهوت المسيحي وعلم الكلام  . الجهم والمعتزلة بعده كانوا يقررون في امر الاحدية . الله واحد احد عندهم ولذلك فان كل متكلم عن الله بصفة كالحكيم او الجليل فانه لا يضيف بالوصف الى الذات شيئا اذ لو كان الوصف اضافة لكانت الذات مؤلفة والمؤلف حادث مخلوق وذلك لا يناسب القول في الله . اما اهل الكنيسة قبل الاسلام فقالوا بالثلاثة الاب والابن والروح  . ولما قالوا بالثلاثة قالوا بانها تمثل الواحد فلما اختلفوا في طبيعة يسوع الذي جعلوه ابنا تجسد فيه الاله وقال بعضهم اي الاقباط بواحدية طبيعته وانه رب متجسد وقال آخرون من الشام والعراق واليونان، ان فيه نسبة من الناسوت ونسبة من اللاهوت واختلفوا في ذلك اختلافا عظيما انتقلوا الى علاقته بالاب فقالوا هوهو . هذا الحديث لا علاقة له بكلام الجهم والمعتزلة لانه جزء من الكريسطولوحيا التي ينكرها الاسلام بمذاهبه ويرفضها علم الكلام ويعدونها منكرا من القول وزورا . 

وبالرغم من اجتماع الادلة على فساد القول بكون علم الكلام من الناحية الفكرية المحضة امتدادا للاهوت المسيحي اليسوعي كما يتضح من جهات من كلامنا هنا فان يوسف زيدان ينكر من الناحية النشوئية ان يكون للحرب الاهلية بين معاوية وعلي وللذنوب التي يرتكبها الانسان في الحرب خصوصا وفي الحرب الاهلية بصورة اخص وفي حياته عموما بالنسبة الى شريعة يعتقد صوابها  وان يكون لمجادلة المخالفين اثر في نشاة علم الكلام نشاة محلية. وتراه يجادل في ذلك في مثل قوله :{ان اولئك الذين ظهر فيهم علم الكلام  كانوا هم انفسهم المتكلمين قبل الاسلام في اللاهوت ؟؟؟؟ ومن هنا لم يفطن دارسو  العقائد الاسلامية الى دلالة المسالة الكلامية الاولى  مسالة الصفات الالاهية .... وهي المسالة  ذاتها التي كانت  تشغل الاذهان بقوة  من قبل ظهور المسلمين فاتحين لتلك البلاد } ص192و193  . الحقيقة ان الرد تتعاظم صعوبته بحسب اشتداد الغلط  والمغالطة في المردود عليه . كيف نرد على من يزعم ان المتكلمين المنتمين الى الاسلام  بعد الاسلام هم المتكلمون المنتمون الى النصرانية  قبل الاسلام ؟ كيف ؟ هم هم؟ ابناؤهم؟ تلاميذهم ؟ اين الدليل ؟ وارثو كتبهم وثقافتهم ؟ اين الدليل ؟ مسالة الصفات الالاهية ومسالة طبيعة يسوع الكريسطولوجية مسالتان مترادفتان؟ من اصل كنسي؟ اين الدليل وهل يفهم يوسف زيدان معنى نفي الصفات ومعنى الخلاف الكريسطولوجي ؟ لنقل انه يفهم ذلك فلماذا ينزلق الى هذه المغالطات ؟؟ لا ادري الجواب .  وهل يعلم يوسف زيدان انه من المستحيل عقد مقارنة بين المسيحية او مقاربة لسبب بسيط اتى عليه بنفسه في مقدمات كتابه حين اشار الى ان المسيحية اليسوعية لا تفصل بين الالاهي والانساني وتنزل الالاهي الى جسد الانساني وترفع الانساني الى سماء الالاهي وان الاسلام وكلام المتكلمين بخلاف ذلك يفصل فصلا نهائيا بين الالاهي والانساني ؟ يعلم ذلك كل دون شك . اذن فلماذا يصر على اقوال تتنافى مع ذلك الامر اليقيني الذي يعلمه ورسمه رسما بقلمه ؟ لا ادري الجواب عن ذلك . وهل يعلم يوسف زيدان استحالة القول بالتقارب والاستمرار بين دين قائم على القول باله مثلث هو الابن والاب والروح وبين دين آخر قائم على القول بالاسماء الحسنى لله وعلى انكار القول بغير الاحدية الالاهية؟ قد يقال : ان يوسف زيدان يقرب بين المذاهب المسيحية وعلم الكلام لابينها وبين القرآن والجواب ان يوسف زيدان لا يفرق بين علم الكلام والاسلام والقرآن في كتابه . لكن ان قبلنا شكلا الاعتراض السابق فالجواب عليه ان علم الكلام لا يقبل بمذاهبه كلها الثالوث المسيحي ونظرية الكريسطولوجيا فكيف يكون امتدادا للاهوت المسيحي الذي يغني بها وينفرد بتلحينها؟ الحقيقة اني ما رايت احدا كيوسف زيدان يصوغ القضايا الضخمة ويدعيها وليس معه دليل واحد على صحة قوله فيها . لذلك يذكرني بزنجويه الحمال الذي كان يجادل الجاحظ في القضايا الكلامية فيتعبه في الرد فلما سئل الجاحظ عن ذلك وذكر بان فلانا وفلانا من كبار المتكلمين لا يذيقونه الرهق الذي يلقاه من زنجويه اجاب بما معناه : ان زنجويه لا يعلم البدهيات والمقدمات المرضية فاحتاج الى ايلاجها في روعه . اما كبار المتكلمين فيعلمون مقاصدي واعلم مقاصدهم فينفض جمعنا بغير تطويل . بالطبع يوسف زيدان غير زنجويه ولكنه يتظاهر بجهل ما يعلمه مثله من المؤرخين . يتظاهر به بدليل انه لا ياتي بمثال ولو واحد من المسيحية واليهودية يؤكد كلامه في استمرار النظر في الصفات بين اليهودية والمسيحية وعلم الكلام . لا ياتي بمثال ولو واحد لانه يعلم انه لو اتى به لانفضح الفرق بين هذا وذاك مما جعله استمرارا واحدا . لذلك تراه يصدر احكامه عن الاستمرار بين فكر الكنيسة الشرقية وفكر المتكلمين دون تفصيل ولا تعليل ودون حجة الا ما كان منها باردا لا يدل على مراده .
احمد العلوي 
دكتور من جامعة باريز  سنة1970 
دكتور من جامعة ليون سنة 1985 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved