رد على يوسف زيدان 2

2017-01-22

يوسف زيدان استمرار لمذهب التفسير بالاسرائيليات :
 
تاثير اليهودية والنصرانية على مفسري القرآن الكريم في الاسلام السني وغيره واضحة . وتبرز على الخصوص في الخلاف الشهير عن شرع من قبلنا وهل هو شرع لنا . ويكفي ان نذكر هنا نصا لابن القيم من كتابه { احكام اهل الذمة } لندل على ذلك . يقول :
{ فبقاء  اهل الكتاب  - ويقصد بذلك اليهود والنصارى دون دليل -  بين اظهرنا من اقوى الحجج على منكر النبوات والمعاد والتوحيد } . قال قبل ذلك ان كتبهم تحتوي على آثار من ذلك . ثم قال :
وقد قال الله تعالى لمنكري النبوات : { فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ...يعني اسالوا اهل الكتاب....قال الفراء : المراد سؤال اهل التوراة والانجيل ... وقال ابن قتيبة : هم اهل الكتاب ....فشهادة اهل الكتاب حجة عليهم { المشركين } ثم يضيف : { وهي اي شهادة اهل الكتاب من اعلام صحة رسالته }؟؟؟؟؟؟ ص97 و98 من { احكام اهل الذمة } . لم يقف ابن القيم عند هذا بل جاء بآيات اخرى وجهها لتدل على مصدرية كتب اليهود والنصارى التي تصبح في مذهبه دالة على نبوة محمد وعلى التوحيد والمعاد ومرجعا معتمدا ويصبح اهلها اهل ذكر؟؟؟؟. وختم كلامه بقوله :{ وارسل ملائكته الى انبيائه ... فمن شك في ذلك فليسال اهل الكتاب اي اليهود والنصارى }. لم يكلف ابن القيم ولا الذين تبعهم او تبعوه - وهم كثير- انفسهم بان ياتوا بالبرهان القرآني والمنطقي على صحة القول بمرجعية كتب النصارى واليهود، وعلى صحة القول بان { اهل الكتاب } عبارة معناها في القرآن هو اليهود والنصارى وان اهل الذكر عبارة مرادفة لعبارة { اهل الكتاب } بل ان اليهود والنصارى لو كتبوا ما كتبوا في فضل كتبهم لما تعدوا ما كتبه ابن القيم عن لا وعي منه  . ولم يكلفوا انفسهم عناء البحث في تطابق هذه الاقوال مع المعلوم من دعوة القرآن الكريم وعما هو شائع فيه من انكار لحاجته الى غيره او اخذه منه ومن استهجان للقول بتبعيته لغيره . لم يخطر ببالهم ان قولتهم تلك تلغي القرآن تماما وتجعل منه كتابا فارغا تابعا لكتب يرفضها . لم يخطر ببالهم ان اليهود والنصارى ان كانوا اهل ذكر يجب على القرآني ان يرجع اليه  فمعنى ذلك ان اليهودية والنصرانية تصبح اولى بان تتبع من القرآن نفسه . لم تخطر ببالهم قضايا اخرى مضادة للقرآن ومترتبة على قولهم في تبعية القرآن لكتب اليهود والنصارى التي ادعوها دون ان يشعروا . المهم ان هذا القول لم يكن من اختراع ابن قيم الجوزية وقد ذكر هو نفسه اسماء المتقدمين الذين قالوا به او دس في كتبهم كابن قتيبة والفراء وربما كان القول بالتبعية مدسوسا لافي كتبه وفي كتب غيره فان نشر الكتب القديمة المخطوطة لم يكن في العهود القديمة مراقبا بصورة تمنع الدس والاضافة والاقحام . هو قول قديم نجد دليله في كتب التفسير الظاهري بمذاهبه . ويكفي ان نشير الى الطبري وابن كثير والزمخشري وان كان مقلا في ذلك فهؤلاء كلهم ادخلوا ما كان يدعى بالاسرائيليات الى التفسير والتاريخ او دست في كتبهم من قبل النساخ ان صح القول بالدس . ما قيمة تفسير يرجع فيه الى كتب يرفضها النص المفسر؟ المهم مرة اخرى ان هذا المذهب القديم الفاقد لكل صفة علمية التقفه مستشرقون جدد كنسيون مثل ادوار ماري كاليز وبرونو بوني ايمار فجددوا القول فيه . وكان نهاية تجديدهم البحث عن مصادر القرآن الكريم في كتب العهد القديم والجديد اي في الاسرائيليات وانكار تاريخية محمد حامل القرآن واعادة كتابة تاريخ القرآن وتاريخ منطقة الشام  والحجاز بصورة خيالية نتنة كما فعل اولاف في كتابه الذي سماه ( سر الاسلام ) بالفرنسية وهو موجود على الشبكة العنكبوتية  . والغريب ان هؤلاء الكهنة الكنسيين المستشرقين غفلوا عن كلام ابن القيم السابق وكلام غيره وعن كثير من الاحاديث الموضوعة التي معناها يشبه ما ذكره ابن القيم والتي اظن شخصيا انها من آثار اليهودية والنصرانية على كبار رجال الفكر السني ولا تخلو المذاهب الاخرى من مثله . غفلوا عنها وعن ابن القيم وامثاله ولو لم يغفلوا لكان ذلك وقودا شديد الاشتعال يعسر على خصومهم مهمة الرد عليهم ان كانوا ممن يقدمون التراث والسنة على القرآن الكريم . يزعمون الآن في كتبهم ومواقعهم على اليوتوب وكوكل ان للقرآن كاتبا نقل عن العهد القديم في الدرجة الاولى وعن العهد الجديد بصورة خفيفة . يزعمون ذلك ولكنهم لا يستطيعون البرهان عليه لان المقارنات لا تساعدهم ويقفون عند بعض الكلمات التي يزعمون ظالمين انها امارة اقتباس من العهدين . وقد رددت عليهم في اليوتوب باسمي الصريح غالبا بما يذهب غيظ اهل الحق . لو فرضنا انهم علموا بكيفية تشغيل قولة ابن القيم ومن قبله في تدعيم قولتهم لزعموا ان التفاسير التي تجعل من اليهودية والنصرانية مصدرا للقرآن دليل على صواب مذهبهم في ادعاء تبعية القرآن للعهدين تبعية اقتباسية ونقلية . وفي هذه الحالة لن يضرهم العجز عن الاستدلال على فريتهم من القرآن الكريم، بل سيستدلون بتفاسير هؤلاء المفسرين وسيزعمون ان مفسري القرآن القدماء يعترفون بذلك وبه يعملون . وبذلك يبرد غيظهم، بل ان غيظهم يزول زوالا تاما لو احسنوا استغلال اقوال واخبار تراثية تؤكد التطابق بين القرآن وما يزعمون انه ظهر قبل القرآن . من ذلك ما جاء في البداية والنهاية لابن كثير ص33 من ان ابا هريرة كان صديقا لكعب الاحبار اليهودي اليمني المنتقل الى الاسلام وانه كان يحضر صحفه في مجلسه مع ابي هريرة فيحدث ابا هريرة بما فيها ويحدثه ابو هريرة بما يروي عن النبي مما يوافق صحف كعب . 
ما علاقة هذا بكتاب اللاهوت العربي ومسائل يوسف زيدان فيه ؟ ان تذكرنا ان مذهب يوسف زيدان في علم الكلام { الاسلامي } او التراث { الاسلامي } بادخال القرآن في معناه هو انه استمرار للاهوت المسيحي اليسوعي في منطقة الشام والعراق واعاليهما واذا تذكرنا ان اللاهوت المسيحي استمرار بمعنى من المعاني لليهودية فانه يتبين لنا الترادف بين فكر يوسف زيدان وبين متخذي الاسرائيليات من الاقدمين اساسا لتفسير القرآن من جهة وبينه وبين المستشرقين الكنسيين الجدد من امثال كاليز وبون ايمار من جهة اخرى . كلهم يصبون في غدير واحد هو خدمة القول باصلية اليهودية . ان القول بان علم الكلام { الاسلامي } او التراث ( مع ادخال القرآن في معنى التراث ) استمرارا للاهوت اليسوعي الكنسي بخلفيته اليهودية يعادل القول باصلية الاسرائيليات، في التفسير . بلغة اخرى تكون اطروحة يوسف زيدان تعزيزا لتحكيم الاسرائيليات في التفسير كما فعل بعض الاقدمين الذين اشرت اليهم من قبل فمادام التراث الاسلامي امتدادا للمسيحية الشرقية ومادامت هذه المسيحية امتدادا لليهودية فالغرض بيّن  . في هذه الحالة لا نرى فرقا بينه وبين ابن قيم الجوزية ومن معه ممن قبله وبعده الا في الشعور والتصريح واللاوعي في حالة ابن القيم وامثاله . يوسف زيدان يكاد يصرح باصلية اليهودية من خلال المسيحية وابن القيم واضرابه - ان احسنا الظن بهم - لا يحسون بمستلزم ممارستهم التفسيرية ويؤكدون لا شعوريا اطروحة الاستمرار او الترادف بين تراث الاسلام بادخال القرآن في معناه وما قبل ذلك التراث من اديان  .
انكار الطفرة :
 
انكار الطفرة :
يريد يوسف زيدان ان يبرهن بالاكراه على اتصال علم الكلام المنتسب الى الاسلام باللاهوت النصراني في الشام والعراق وبلاد الجزيرة  ويريد ان يهدم القولة التي اجمع عليها مؤرخو علم الكلام وفي مقدمتهم علي سامي النشار شيخ الاشاعرة كما كان يسمي نفسه امامي في سنوات السبعين . الدكتور علي سامي النشار شيخ اشاعرة عصرنا العلم المعروف والمرجع الذي لا ينازع الريادة في باب  تاريخ علم الكلام بكتابه المعروف {نشاة الفكرالفلسفي في الاسلام) كان يؤكد ان ذلك العلم نشأ في بيئة عربية اسلامية وكان ينتصر للمتكلمين على الفلاسفة  وللاشاعرة على غيرهم رحمه الله وغفر له . يزعم يوسف زيدان ان علي سامي النشار وامثاله وهم قلة  يفعلون { كما لو كان من الممكن للفكر الانساني ان يطفر فجاة في الفراغ ومن الفراغ }ص194 . هذا الرد منه على درجة كبيرة من السماجة فهو نفسه بني كلامه في كتابه على القول بطفرة الفكر اليهودي والمسيحي في باب الكريسطولوجيا ثم ان قوله ذاك نوع من البرهان الجدلي القائم على مقدمات مشهورة وليس قائما على مقدمات يقينية فامتناع طفرة الفكر مقدمة ظنية فلولا الطفرة والبزوغ لما كان فكر اصلا . اما القول الفصل في المسالة فان المتكلمين العرب المسلمين السنة الاوائل لم يطفروا بل كان فكرهم متصلا بنوع من انواع الاتصال بالقرآن الكريم . نعم قد لا نتفق معهم في معانيه وهويته . ولكن لابد ان نعترف لهم بان فكرهم متصل بالقرآن . مثلا حديثهم عن الافعال والحرية والاجبار فيها له صلة بالقرآن ونظرتهم التفسيرية اليه . تاويل آي القرآن بالابتعاد بها عن معانيها الاولية كالاستواء والعين وكل ما ينسب فيه المكان الى الله  فيه صلة بالقرآن . اذن فقد انطلقوا مخطئين او مصيبين من تفسير لهم للقرآن .

المسيحية في الشام والعراق قبل الاسلام :
يغامر يوسف زيدان بالقول بان معظم اهل الشام والعراق كانوا نصارى في القرن الاول . يغامر تلك المغامرة لاحتياجه الى ابتكار واقع خيالي يؤكد به  ظنيا وجدليا مذهبه في كون علم الكلام كان استمرارا لللاهوت النصراني في تلك البلاد . ان عدنا الى التاريخ وعدنا مثلا الى {تاريخ الدولة الاموية} من تاليف فلهوزن وهو الحجة الضاربة في ذلك فاننا لا نجده يذكر شيئا مما تخيله يوسف زيدان . وبالنظر الى النزاع بين قبائل الشام وقبائل العراق الذي يمثله النزاع بين علي ومعاوية فاننا لا نلحظ ذكرا لاغلبية نصرانية بين عرب الشام والعراق ولا لاقلية معتبرة . والمؤرخون كالواقدي واليعقوبي والبلاذري لا يذكرون العرب النصارى الا عند تعرضهم للفرقة العربية في جيش الروم وفي فتح المدن صلحا . هذا معناه ان النصارى كانوا اقلية كبرى او اغلبية في المدن ولكنهم  كانوا نزرا منسيا في القبائل العربية. 
قارن ذلك ببلد آخر دخله العرب والنصرانية فاشية فيه : الاندلس . بالرجوع الى {تاريخ الاندلس} من تاليف المستشرق الكبير دوزي نجد حضورا للنصارى في بادية الاندلس ومدنها في كل مراحل التاريخ الاندلسي . وهذا لا يذكره دوزي وحده بل يذكره اول اثر عندنا من آثار مؤرخي الاندلس . هذا ابن القوطية الذي الف تاريخا سماه {افتتاح الاندلس} كان نشره انيس الطباع في سنوات الخمسين يذكر الحضور النصراني الكبير في القرن الثاني الهجري بالاندلس . وهذا ابن بسام لا يغفل عن ذلك في كتابه الكبير ( الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة ) بل ان المؤرخ الاندلسي ابن حيان يذكر في ( المقتبس )  تفاصيل الحضور النصراني في الاندلس  واسماء الاساقفة والرهبان وادوارهم السفارية بين الامراء العرب وبين الدول النصرانية الاسبانية في شمال الاندلس. لو كان حال العراق والشام في القرن الاول الهجري كحال الاندلس لما كنا عدمنا في كتب تاريخ الشام والعراق ذكر احوال النصارى واساقفتهم كما عليه الحال في كتب الاندلسيين. نعم تغنى الشعراء العرب عن اديرة الرهبان في العراق والشام بل الف المؤلفون كالشابشتي من اهل القرن الخامس الهجري الذي الف  كتابا سماه { الديارات } وهو مطبوع على قلته وذكر فيه اسماءها في العراق واجتماع اهل التنادم فيها وانواع البهجة التي يطلبون فيها من خمر وما في معناه . في مقابل ذلك وكفائه لا يذكر المؤرخون وكتب اخبار الادب شيئا مما تتصف به الاقلية المعتبرة او الاغلبية في خصوص النصارى . لو كانوا اغلبية لذكر المؤرخون اسماء اساقفتهم وظهائر تعيينهم من الخلفاء والسلاطين . لكنهم كانوا اقلية متنزرة  ولذلك لم يهتم بذكرهم المؤرخون في الشام والعراق كما اهتموا بالنصارى في الاندلس ومصر . مؤرخو مصر كالمقريزي كانوا لا يفتأون يذكرون في كتبهم افراح القبط ومن تعين منهم في المناصب . لماذا ؟ لانهم كانوا اقلية معتبرة ولاسيما في الصعيد والقاهرة . ويراجع في هذا كتاب {اتعاظ الحنفا} للمقريزي وكتابه العظيم النادر المثال : { سير الملوك } ومن شاء مرجعا متأخرا في معنى ذلك فعليه بالجبرتي في { عجائب الآثار } .
ما الذي اورد يوسف زيدان في هذه المزلقة؟ الظاهر انه قاس الماضي على الحاضر فظن ان انتشار المسيحية اليسوعية النسبي في الشام اليوم انعكاس لانتشارها في القرن الاول الهجري وما قبله . وليس ذلك بسليم فان المؤرخين العرب لا يذكرون شيئا عن تمركز المسيحيين في الساحل الشامي كالحال عليه الآن . وان كان لانتشارها اليوم بصورة اعظم من حالها عند  الفتح  من سبب فالسبب هو الحروب الصليبية والاحتلال الصليبي للساحل الشامي بعرض ممتد الى القدس وشرقها  وللمنطقة الممتدة من  ساحل انطاكية الى الرها قريبا من الحدود العراقية الشمالية الحالية . لقد احتل الصليبيون الساحل الشامي والاراضي الفلسطينية واللبنانية وشيئا من الاردن الحالي واحتلوا الاراضي الفاصلة بين سورية الحالية وتركيا بعرض يسمح لهم بالامتناع والدفع . احتلوا تلك المواقع في الجملة اكثر من ثمانين سنة حتى اخرجهم منها نهائيا احد سلاطين المماليك بعد ان اخرجهم منها جزئيا صلاح الدين. لا يذكر المؤرخون هجرة هاجرها السكان بعد الغلب الصليبي والعودة الى اوربا . ولم يذكروا شيئا عن التحولات الدينية في ذلك السكن من الناس. لكن بحكم معرفتنا بالتعصب الديني الذي عرف به الصليبيون( مذكرات الفرنجة المحاربين خصوصا مذكرات جوانفيل صاحب لويس التاسع ) فان من العسير ان لا نظن ان السكن من اهل البلاد ارغموا على التمسح . اذن نفسر نسبة المسيحيين في الشام  المرتفعة بعد الحقبة الصليبية  بالنسبة الى صورتهم المتضائلة في الكتابة التاريخية العربية عن فتح الشام والعراق بانقلاب جزء من سكان الاراضي التي احتلها الصليبيون من الاسلام الى المسيحية. ان الصليبيين بعد ان طردوا تركوا في المناطق التي فارقوها عربا نصارى لم يطردهم المسلمون المنتصرون  لانهم من السكان المحليين ولم يحملهم معهم الصليبيون المنهزمون لانهم ليسوا منهم  فالظن ان اغلبيتهم تنصرت تحت الحكم الصليبي  . ولا تفسير بغير هذا لنسبتهم العالية بعد الغزو والاحتلال الصليبي ان قورنوا بحالهم الموصوفة في القرن الاول الهجري وفي ما قبل الحروب الصليبية .
انني لا انكر انتشار المسيحية في العرب قبل القرن السادس ولكني اشك في الادعاءات التي اتى عليها شيخو في القرن الماضي ثم تبعه عليها امثال اغناطيوس ديك في ما كتب على { موقع القديسة تيريزا } . انها ادعاءات توشك ان تبلغ الى تصنيف العرب قبل الاسلام وخلال الفتوح بين الشعوب التي مسحت عن بكرة ابيها اي مائة في المائة : تكون اغلبية  القبائل الجاهلية على رايهما تمسحت واغلبية الشعراء الجاهليين عندهما  مسيحيون واغلبية الامراء مسيحيون في الشام والعراق والجزيرة . وكأن شيخو واغناطيوس يريدان ان يزعما ان الاسلام طرد المسيحية من ديارها واستلب منها شعبا مسيحيا هو العرب. هذا ليس سليما لاسباب سبق ذكر بعضها ولاسباب اخرى اولها ان المؤرخين العرب لم يشبروا الا الى كتلتين او ثلاثة للمسيحية وهي نجران والحيرة ونضيف اليهما قبيلتا طيء وتغلب فلو كانت المسيحية منتشرة بالصورة التي يرسمها اغناطيوس وشيخو لما تقاعس المؤرخون عن ذكر ذلك ولما استرعت انتباههم  المراكز الثلاثة التي ذكرنا . نعم قد تكون المسيحية منتشرة في افراد من قبائل لكن تبقى الاغلبية الساحقة من القبائل على غير المسيحية . ثانيا هناك حجة اخرى هي كثرة الكعبات المرصودة في الجاهلية وقد ذكرها مؤرخو العصر الجاهلي كابن الكلبي وابن القطامي . كعبة مكة وكعبة نجران وكعبة ذي الشرى وبيت ثقيف وبيت ذي الخلصة وبيت الاقيصر وبيت العزى وبيت اللات  وغيرها. لو كانت المسيحية منتشرة بين العرب بالصورة التي وصفها اغناطيوس وشيخو وفخمها يوسف زيدان حتى اوصلها الى تسعين في المائة من العرب قبل الاسلام وعند الفتح لما كان العرب يحتاجون في ديانتهم غير المسيحية لهذا العدد الكبير من الكعبات . اضف الى ذلك ان نجران معقل المسيحية العربية الذي استرعى انتباه العرب لم يخل من كعبة ولم يخل اذن من اغلبية او من اقلية عظيمة وثنية.. وهناك حجة خاتمة تذهب بدعوى يوسف زيدان ومن قبله الى ظلمة النسيان. ماهي ؟ هي ان العرب المسيحيين خضعوا للمسلمين الفاتحين وتركوا الحلف الرومي ولو كانوا اغلبية او اقلية قوية لترددت اصداء مقاومتهم اثناء الحروب الاهلية بين المسلمين كما حدث من نصارى الاندلس . لكنهم علموا ضعفهم العددي فاختاروا السلامة ّ. ونختم هذا بالاشارة الى ان قبيلة واحدة دون غيرها كانت ذات اغلبية مسيحية واشار اليها المؤرخون هي قبيلة تغلب . وقد رفضت هذه القبيلة ان تميز عن العرب المسلمين فرفعت عنها الجزية. ونختمه مرة بحجة قاصمة هي انه لو كانت المسيحية اليسوعية منتشرة في العرب عند الفتح وفي الجاهلية كما تخيل يوسف زيدان ومن قبله من المتخيلين لما عدمنا اخبارا عن تهديم الكنائس في جزيرة العرب وفي مواقع العرب الاخرى او عن شروط اصلاحها وبنائها وضمان امن اتباعها . والحال اننا لا نجد الا اخبارا عن تدمير الاصنام والتماثيل .
هذا الكلام الطويل عن حجم المسيحية في العرب اثناء وقبل الفتح وفي القرن الهجري الاول انما انجررنا اليه لنسقط الاساس التاريخي الاجتماعي الذي اراد يوسف زيدان ان يبني عليه قولته عن استمرار اللاهوت المسيحي قبل الاسلام في علم الكلام بعد الاسلام فانه جعل من دلائل ذلك القول بقيام اغلبية مسيحية في الشام والعراق بين العرب . وكأنه  يعني بذلك بل انه يعني بذلك ان هذه الاغلبية المسيحية المظنونة منه انبتت مفكرين اصلهم مسيحي انتقلوا الى الاسلام ونقلوا معهم قضايا اللاهوت المسيحي لاهوت آبائهم وصبغوه بصبغة اسلامية وصنعوا منه علم الكلام {الاسلامي} . يعني ذلك متناسيا انه - بالاضافة الى ما سبق ان سقناه من ادلة - كان عليه ان يثبت علاقة نسب وبنوة وابوة بين مؤسسي علم الكلام وفقهاء اللاهوت المسيحي وهو ما ليس حاصلا ولا يستطيع اليه سبيلا , بل كان عليه على الاقل ان يثبت انتساب اولئك المؤسسين الى اوساط الفكر اللاهوتي وهو ما لم يستطع اليه سبيلا  ايضا . ولم ينفعه في ذلك اشاراته الى ان فلانا منهم كان صديقا او تلميذا لمسيحي فان ذلك لا يقوم دليلا الا ان ثبت ان مثلي ممن درسوا على مسيحيين في فرنسا يصيرون بالضرورة مسيحيين او امتدادا للفكر الفرنسي او المسيحي .
عن اي اسلام يتحدث يوسف زيدان ؟
بالنسبة للاسلام مازلنا لا نعرف معناه لان القرآن الذي نفترض انه مصدر الاسلام  كتاب انغلق على الاقدمين: ما معنى الرب ؟ ما معنى الاله؟ ما معنى الايمان؟ ما معنى الغيب  والشهادة؟ ما معنى التكبير في الله اكبر؟ ما معنى الصلاة ؟ ما معنى الكتاب ؟  ما معنى الاسلام؟  ما معنى المباركة ؟ ما معنى القدر؟ الخ  . وما زال منغلقا على اخلافهم . والدليل هو التفاسير التي قدموها والتي لا تتعلق به وانما تتعلق باجزائه . يشبه المفسر من الاقدمين رجلا يريد ان يصف البناء ثم يدمره ليصفه فلا يصف شيئا . لذلك لا ندري المراد من اضافة التراث في عبارة التراث الاسلامي التي يرفع شعارها يوسف زيدان ويجمع فيها القرآن والحديث وعلم الكلام والفقه والتفسير ووالخ .. المقصود انه ينبغي قبل كل شيء تعريف معنى الاسلام قبل استعماله في العبارة . ماذا نعني به : الاسلام الشعبي ؟ الاسلام القرآني؟ اي الاسلام كما يبدو في القرآن الكريم ان استطعنا الولوج اليه؟  الاسلام السني اي كما يبدو في الكتب الستة او التسعة ؟ . اسلام المؤسسات الدينية في العالم العربي وغيره ؟ . يظهر مع ذلك ان يوسف زيدان ينطلق من قولة مضمرة في حديثه هي ان التفاسير والمباحث الاعتقادية الموروثة او كل ما يدعى بالتراث السني بمعناه العام هو كل ما يمكن ان يدل عليه القرآن الكريم . هذا ليس صحيحا ثم انه لم يبرهن عليه . لماذا نكذب ذلك القول؟ لان القرآن ظل على هامش التراث ولم يكن التراث امتدادا له . دليل ذلك كتب التفاسير التي تفسر اجزاءه من كلمات وجمل كما قدمنا ولا تفسر كله وكيانه . جاء الشيخ شلتوت وقدم محاولة عن الجوامع الدلالية في السور ولكن ما قدم ظل ابتدائيا . قبله اعتنت كتب علوم القرآن بموضوع تناسب الآي واعتنى بذلك الواحدي خصوصا { معترك الاقران للسيوطي } ولكن لم يكن له عقب بعده الا شلتوت ولا رائد قبلهوليس في ما عملوا كبير غناء . بجانب ذلك فان الحيز العظيم الذي تحتله السنة في التراث دليل على العجز عن مواجهة القرآن. لو كانوا استطاعوا الدخول الى دروب القرآن الدلالية والمنطقية لاحتل القرآن الكريم في التراث مكان السيادة ولكان دور الحديث في التفسير والممارسة الدينية اضعف من حاله الآن ومن قبل . لكنهم لم يستطيعوا فكثرت الاحاديث حتى بلغت مئات الآلاف ثم صحح منها ما دون العشرة آلاف وهو رقم عظيم . النص القرآني ملغز ومستعص  على الادوات المختلفة المتخذة في فهمه , تلك الادوات التي ظهرت قبل رسالة الشافعي في الاصول وتخلدت بعده تحت اسم اصول الفقه, وعلى الادوات الصوفية والشيعية باتجاهاتها المختلفة وعلى الادوات العربية اللغوية { الرسالة للشافعي وتفسير اهل الظاهر} . ان الالغاز والصعوبات المشار اليه  هو سبب الاشتغال بالاجزاء القرآنية لا بالكل وقد ترتب عليه  فقر في المدرك القرآني عند الفرق الاسلامية على مر العصور
 دليل ما نقوله هنا انه يمكن رفع القرآن الكريم من المكاتب والنفوس ولا يتغير بعد ذلك شيء من اوضاع المسلمين من اهل سنة وشيعة وكلام وفقه . لماذا ؟ لان اسلامهم مستمد من كتب الحديث خصوصا . لكن بالعكس لو رفعت كتب السنة من سنية وشيعية من الصدور والطروس والحواسيب وبقي القرآن الكريم لنزلت بالمسلمين ازمة دينية دلالية ما بعدها ازمة اعظم منها . لماذا ؟ لان القرآن الذي يبقى لهم بعد رفعها لا يكفيهم لاقامة ما يسمى دينا اسلاميا عندهم وليس اساسا مباشرا لمذاهبهم في ذلك الدين .
القرآن عندهم حاسوب كهرباؤه الحديث المنسوب الى النبي وعادات العرب في كلامها في الدرجة الثانية  او هو طيارة بنزينها ذلك الحديث فان توافر طارت وان انعدم جثمت . هذا بالنسبة لاهل السنة والشيعة الامامية . اما بالنسبة للاسماعيلية وما شابهها كمذاهب الفلاسفة فالبنزين عندهم هو الفلسفة اليونانية { راحة العقل للكرماني } .
يتصل بما تقدم ان الاشتغال بالاجزاء القرآنية والعجز عن مواجهة الكل القرآني كان من اسباب قيام علم الكلام {الاسلامي} على غير القرآن للدفاع عن اجزاء القرآن ومن اسباب طرد بعض المعاني القرآنية الواردة في اجزائه الى باب السمعيات . وذلك ما مكن ما يدعى بالفكر الاسلامي او الكلامي من التطور مستقلا عن كلية القرآن الكيانية وهويته الانطولوجية  بحيث لا نجد رابطا يربطه بها . علم الكلام ليس متصلا بالقرآن كاتصال التيولوجيا المسيحية اليسوعية بمعاني الرواية الانجيلية اليسوعية وبمركزها الكريسطولوجي. لقد كان  بحثا في جزئيات اعتقادية حتى سماه ابو حنيفة بالفقه الاكبر والف فيه كتابا بذلك العنوان . التقبيح والتحسين الشرعي والعقلي , حدوث العالم , خلق الافعال والكسب , الصلاح والاصلح , التكليف بما لا يطاق... الخ كلها مباحث يستدل عليها عقليا في علم الكلام فهو تيولوجيا عقلية تصورية  لا قرآنية . عقلية تصورية او نظرية تقدم النظر وتؤخر القرآن وتسميه سمعا او نقلا . اما التيولوجيا المسيحية فكانت نوعا من السميوتيكا الادبية قبل ظهورها في اعمال كريماس وبروب وبريمون وغيرهم من السيميائيين الفرنسيين والروس , وكانت تقدم انجيلها على عقلها .
المقصود مما تقدم  ان ما يضمره يوسف زيدان احيانا ويصرح به احيانا اخرى  من معادلة بين القرآن والموروث التفسيري ومن تطابق بين القرآن والتراث والاسلام امر ظني ونسبي  بل باطل ويدخل على تحليله الابطال في كثير من مواقع التحليل .
مما يتصل ايضا بغموض معنى الاسلام عند يوسف زيدان تاريخ القرآن اي هويته التاريخية والانطولوجية . القرآن درس تاريخ ظهوره في فن خاص يدعى { علوم القرآن } . لكن لم تدرس العلاقة بين تلك العلوم وبين القرآن نفسه . مثلا :  كتب علوم القرآن تؤكد خبر تنجيم القرآن لكن القرآن نفسه يتحدث عما يخالف التنجيم { رسول من الله يتلو صحفا مطهرة . فيها كتب قيمة } { وما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب}.{ وكتابا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث وفصلناه تفصيلا }.{ .. لولا انزل عليه هذا القرآن جملة واحدة. كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}. ما علاقة النوازل التي على اساسها فسر القرآن الكريم  بالقرآن نفسه ان بطلت قضية التنجيم ؟ وكيف نحدد هوية تلك النوازل وهوية كتب علوم القرآن؟. ظل يوسف زيدان في ما اتى عليه من تعاليق على آيات قرآنية رهين محبس اسباب النزول وتنجيم نزول القرآن كما ورث عن الاقدمين ولم يمارس نظرا ذاتيا في القرآن من هذه الجهة فظل التراث والاسلام بالمعنى الموروث والقرآن مترادفات في حديثه . لم يمارس نظرا ذاتيا في القرآن مكتفيا باعتناق الموروث ومعتصما بالمعادلة بين كلمات متباعدة لا يربطها رابط الا رابط متخيل متوهم .
ان كان يوسف زيدان تابعا , على العموم , صراحة او كناية , بطريقة سطحية في غالب الاحيان , لما نسميه بالتقليد التفسيري السني بقصوره كما وصفته في اماكن من هذه الكلمة  فانه كان احيانا يتبع المشهور العامي من الاقوال او يجتهد اجتهادات فاشلة  كحديثه في اليوتوب عن الترادف او التشابه بين القول باسماء الله الحسنى  والقول بالثالوث اليسوعي متناسيا ان اسماء الله الحسني اسماء لغوية ثنائية اطلاقية على المسمى الواحد الاحد المباين للمسمي وللاوصاف وان الثالوث المسيحي لا يتالف من اسماء اطلاقية تطلق ثناء على الواحد الاحد ولكنها حالات ظهور الاله ثم انها حالات ظهور بشرية فالابوة والبنوة والروحية مظاهر بشرية بل حيوانية يتمظهر فيها الاله اليسوعي . لا ينتبه الى هذه الفروق ويقذف بالقول بالتشابه بين المتباين لخطف انظار الغافلين .
في باب المشهور التفسيري العامي نذكر له حالتين الاولى انه يؤكد في كتابه  وفي اليوتوب , يؤكد دون دليل , ولا يجده ان بحث عنه , ان القرآن يسمي اليهود باليهود وببني اسرائيل . اين دليل ذلك من القرآن ؟ هو هنا يردد القول العامي المشهور المتنافي تماما مع الحقيقة. والكارث في الامر ان هذا القول العامي يصبح اساسا لكثير من الاحكام في كتابه عن اللاهوت العربي وخصوصا حين تصبح التوراة في القرآن مرادفا عنده للتوراة العبرية المعروفة .  
والثانية ما قام عليه كتاب اللاهوت العربي  من ترادف بين مريم او يسوع ومريم ام عيسى  ومن ترادف بين يسوع وعيسى . واكد ذلك في اليوتوب بالحديث عن قصة عائشة وكعب الاحبار في تفسير خبر مريم اخت هارون . نسبت القصة الى عائشة انها اختارت ان يكون هارون في قوله تعالى (...يا اخت هارون ...) هو هارون موسى وانها نسبت ذلك للنبي  ونسبت القصة الى كعب انه اختار ان يكون هارون هناك غير هارون موسى وانه استدل بتقدم عصر موسى على عصر مريم . ذكر يوسف زيدان القصة ولم يعلق عليها تاركا المستمع حائرا بين امر غير معقول ينسب الى النبي وبين امر مقبول ينسب الى كعب. هذا النوع من المواقف التفسيرية معناه الانحياز الى التفاسير العامية والقصص الموضوعة لاهداف خبيثة . بتامل بسيط في الآية نفهم ان الخبر المروي عن عائشة وكعب في موضوع آية اخت هارون موضوعة وان الغرض منه اتهام القرآن بالغلط التاريخي. تضع القصة على لسان عائشة القول بان هارون في قصة مريم هو هارون موسى وبذلك يتوسل واضعها الى اثبات الغلط في القرأن الكريم . الجميل في القصة انه يضع الصواب على لسان كعب الذي يقول ان هارون هناك غير هارون موسى . كلام كعب صواب وتمامه الذي لم يذكره كعب هو ان مريم في قصة مريم هي غير مريم في قصة يسوع . ام عيسى كان لها اخ اسمه هارون وام يسوع لم يكن لها اخ بذلك الاسم , والذي اوقعه واوقع غيره في هذا الاخدود المفسر القديم الذي كان يشرح الآيات ىالقرآنية وبجنبه مستشاران احدهما يهودي وثانيهما مسيحي يسوعي . لا يخطر هذا ببال يوسف زيدان ويصدق القصة وما فيها من احكام تفسيرية  عامية مشهورة . ويكفي هذان المثالان لبيان اعتماد صاحبنا على التفاسير القاصرة المتعاملة مع اجزاء القرآن لا مع القرآن والمستندة الى الاسرائيليات. 
 الموقف التفسيري المستتر:
1- مثال الترادف :
ان ظل يوسف زيدان متكئا على الموروث التفسيري عند تعرضه لآيات قرآنية فانه في الاغلب الاعم عند حديثه عن نظرية الاتصال بين اللاهوت الكنسي وعلم الكلام او عن نظرية ترادف الاديان الثلاثة ينطلق من تفسير مستتر لا يفصح عنه وان كان يمكن اظهاره لانه واضح من شدة استتاره ومستتر من شدة وضوحه. قد لا يكون يوسف زيدان شاعرا به ولعله لو جوبه به لانكره . ولنضرب له المثال بنظرية ترادف الاديان الثلاثة كما قررها.  ديانات اليهودية والنصرانية والاسلام هن عنده تجليات لديانة واحدة كما في صفحة18 و21 حينما قال: { ...هي في ما ارى ديانة واحدة ذات تجليات مختلفة } . معنى ذلك ترادف هذه الاديان وترادف كتبها . ومعنى ذلك مرة اخرى الحكم بغلط المسيحيين اليسوعيين في انكارهم اليهودية وخروجهم منها والحكم بغلط المسلمين بمذاهبهم في انكارهم للمسيحية اليسوعية واليهودية وتبرئهم منها في المستوى الشعوري على الاقل. اما ان مددنا الترادف الى الكتب المؤسسة وجاوزنا حد التراث الي القرآن الكريم والتوراة اليهودية وملحقاتها والانجيل الكنسي  اي الى كل الاسرائيليات فلا احتاج الى ذكر مقدار الادعاء القائم في القول بالترادف . ويكفي ان اشير الى ان ذلك يستوجب لو جاز جدلا انجاز اعمال تفسيرية تبرهن لذلك الترادف وذلك ما لم ينجزه يوسف زيدان ولا يكفيه عمره لانجازه  ويستحيل انجازه اصلا لتعارضه مع الواقع والمنطق والبداهة .
وعلى العموم فان يوسف زيدان  الذي لا يؤسس رايه هذا من خلال ممارسة تفسيرية  صريحة لكتب الاديان الثلاثة انما يجعل ذلك مقدمة يستدل عليها بما ادعاه من اتصال اللاهوت الكنسي بعلم الكلام {الاسلامي} ثم يستدل بها على ذلك الاتصال في لغة لا تتأذى من الدور والتسلسل . كان ينبغي ان يفصل القول فيه تفسيريا وبصورة صريحة  لا نظريا لان الحكم فيه لتفسير النصوص لا للنظر . لماذا لم يفصح عنه تفصيليا مع ادلة تفسيرية ؟ . لو فعل لاعترف بانه ينطلق من موقف تفسيري نسبي لا عن موقف علمي مزعوم ومتقنع بالاقوال النظرية . ولو فعل لامكن ان يحاور عن اصوله التفسيرية .
ومن جهة اخرى فانه لو اظهر موقفه التفسيري وتجنب القول النظري الذي يستر به موقفه التفسيري لامتاز عن تفاسير السنة والشيعة والصوفية والفلاسفة الخ  ولكان معنى كلامه هو ان القول بوحدة هذه الديانات وانها تجليات لديانة واحدة انما هو قول ينبني على تفسيره للنصوص المرجعية وليس قولا منفردا بالعلمية او مطلقا من قيود اصوله التفسيرية . وفي هذه الحالة تنزع عن كلامه الصفة العلمية المطلقة التي يتلفع به وتوضع عليه الصفة النسبية التفسيرية كما قدمنا . ان التراث  تفسير في اساسه وليس متصلا بالنصوص المرجعية الا من خلال الموقف التفسيري ولا يتصف بالتمثيلية المطلقة للنصوص المرجعية. ولا يجوز ان يكون لخطاب يوسف زيدان مقام اعلى من ذلك فهو تفسيري ايضا وان تقنع  بالاحكام الشاملة النظرية الظنية.  
يمكن ان يقال ان التفسير المستتر الذي لخص يوسف زيدان نتائجه في قوله بكون الاسلام واليهودية والمسيحية اليسوعية  تجليات لديانة واحدة مختلط عنده بمواقف تفسيرية لاهل الظاهر من المفسرين القدماء. انظر اليه يوافق هؤلاء المفسرين في معنى اهل الكتاب في القر’ن الكريم :{ولم يعتادوا استخدام وصف السماوي للاشارة الى واحدة من هذه الديانات الثلاث؟ المشهورة وانما قالوا مثل ما قال القرآن الكريم بالكتابية نسبة الى اهل الكتاب[التوراة والانجيل]} ص19. هنا اتخذ موقفا تفسيريا ظاهريا مشهورا لا يدل عليه دليل من القرآن نفسه .ذلك الموقف هو ان [اهل الكتاب] تعني اليهود والمسيحيين اليسوعيين . ان اقتراضاته من تفاسير اهل الظاهر كثيرة بحيث نكاد نعتقد ان الاسلام والتراث والديانة لها معنى واحد عنده هو ما تاسس على تفسير اهل الظاهر النحاة واللغويين . لا ندري بعد هذا كيف يربط في ذهنه بين  التفسير الظاهري النحوي اللغوي القائم على عادات العرب في كلامها  - كما نبه الى ذلك الزمخشري في رسالة صغيرة له وفي سائر كتبه ونبه اليه غيره كالفراء في {معاني القرآن} والثعالبي في {فقه اللغة وسر العربية} وغيرهم من كتاب العربية  - وبين رايه عن وحدة الديانات الثلاثة وانها تجليات لديانة واحدة؟؟؟. القول بالترادف بين الديانات الثلاثة وما وراءه من تفسير مستتر لا يتفق تمام الاتفاق مع ما يختلط به في كلامه من الوان تفسيرية لغوية ظاهرية نسبة الى اهل الظاهر في تفسير القرآن. لا ينقذه من هذا التناقض الا ان يستدل او ان يبرهن على ان تفسير اهل الظاهر يؤيد القول بالترادف بين الاديان الثلاثة .
ومن امثلة انحيازه هذه المرة الى التفاسير الاعلامية الصحفية  لترسيخ عقيدة الترادف بين الاديان الثلاثة  قوله مثلا : { الا ان الديانتين المسيحية والاسلام اجتمعتا على الاعتراف بالديانة اليهودية } ؟؟؟؟ ص21  هذا كلام جرائد وصحفيين . اين اعترف الاسلام باليهودية ؟ اين النصوص واين تفسيرها واين ادلة ذلك التفسير ؟ .يضيف { ونظرتا اي الاسلام والمسيحية بكل تبجيل الى انبياء اليهود} انبياء اليهود؟ هنا يفسر الموسوية باليهودية بدون دليل تفسيري  ويفسر بني اسرائيل باليهود بدون دليل تفسيري ايضا , وينسى ايضا ان المسيحية ان كانت ثمرة من ثمار اليهودية لانها تعترف بانها خرجت منها فان الاسلام بمعنى القرآن  لا يعترف الا بالموسوية لا باليهودية ويعد نفسه ممثلا للدين الحق الذي جاء به الانبياء المسلمون  قبله لا انبياء اليهود بمعنى القبلية الكونية لا القبلية التحاقبية . اضف الى ذلك ان بني اسرائيل واهل الكتاب والذين اوتوا الكتاب والذين هادوا واليهود كلها كلمات وردت في القرآن الكريم بمعان غير مترادفة وعلى مؤرخي الاديان كيوسف زيدان  الاستدلال على معانيها بطريقة برهانية اي ممارسة التفسير في شانها قبل الانطلاق الى الاحكام العامة ان شاؤوا ان يتصف كلامهم بالرشد. نعم ان شئنا ان نعني بالاسلام معناه في الاعلام العربي او في التراث فقد نجد شيئا من هذا . لكن لن نجد يقينا مركب انبياء اليهود او الاعتراف باليهودية في القرآن الكريم . الاديان اختلفت لانها لا يعترف بعضها ببعض . الاعتراف المتبادل يكون بين الاشخاص لا بين الاديان . انا اعترف باليهودي والمسيحي والبوذي وهم يعترفون بي لاننا أشخاص مدعوون الى التعارف والاعتراف المتبادل . اما النصوص فلا تعرف الا مبدا الثالث المرفوع اي مبدأ رفض التناقض: كل دين لا يساوي دينا غيره وكل نص مرجعي لا يساوي نصا مرجعيا غيره . لا تسامح في المنطق وانما يكون التسامح بين الاشخاص. 
الحاصل ان ما يجوز ان يكون قصده يوسف زيدان من تعادل وامتداد بين النصوص الاصلية دونه دونه خرط القتاد لانه لا يمكن الاستدلال على ذلك لما قدمنا ولبداهة فساده. لماذا ؟ لان القرآن الكريم  في كل مذاهب الفهم التي ذهبها مفسروه مناقض تماما للمسيحية اليسوعية ولليهودية من اوله الى آخره ولان المسيحية اليسوعية وان اعترفت في اول امرها باليهودية فهي مناقضة لها على طول الخط . اما رفض القرآن لليهودية وللمسيحية اليسوعية فلا يحتاج الى مزيد بيان . واما المسيحية اليسوعية فيكفي بان نذكر هنا بقولة بولس تابع يسوع وناشر المسيحية البولسية - اي اليسوعية كما وصفناها من قبل  وان كان اوفى اسم بمعناها هو اسم البولسية - في {اعمال الرسل} حين قال عن الشريعة ويقصد الشرائع اليهودية انها انزلت لتقاس بها ذنوبنا ونقائصنا لا لنطبقها . هذه القولة الجميلة من بولس كافية لتدمير اليهودية . 

2- مثال  الاسرائيليات
من امثلة انحيازه الى تفاسير اهل الظاهر اللغويين   قوله عن الآية القرآنية : {والذين يومنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك } فيذكر ان القبلية هناك تعني اهل الكتاب ويصرح باليهود والنصارى ترجمة لاهل الكتاب بغير دليل لا منه ولا من المفسرين الظاهريين القدماء المتاثرين في هذا التفسير وامثاله بالاسرائيليات . لماذا لا تعني القبلية هناك شيئا آخر؟ تحس وانت تقرأ كتب بعض المفسرين الظاهريين الذين يمثلون وراء خطاب يوسف زيدان انهم كانوا يفسرون القرآن بعد استشارة القسس وشيوخ اليهود. من ذلك ايضا القول بان عيسى هو يسوع وان يحيى هو يوحنا المعمدان وان مريم ام يسوع هي مريم ام عيسى ص 32. هذه كلها مواقف تفسيرية تحتاج الى استدلال على صوابها والا سقطت . لكن يوسف زيدان يجعلها مسلمات اجماعية لا خلاف عليها ؟؟؟
3- البدهية الزائفة ومبدإ الثالث المرفوع 
من ذلك ايضا الاخذ ببعض التفاسير الخاصة بآي بعينها  أخذا قائما على ادعاء البدهية فيها وهي بعيدة عن البدهية . مثلا الآية {ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض } جعلا دليلا على الامر الالاهي بالقتل والاثخان فيه. الاية لا تقول ذلك اصلا وانما شاع هذا المعنى عند المفسرين اللغويين من اهل الظاهرالعربي العامي والتقطه يوسف زيدان . يوسف زيدان على مذهبهم ذاك لانه المذهب الذي يمكنه من الحكم المضمر في كتابه بتساوي التراث والقرآن في التمثيلية الاسلامية لان التراث مستل من اجزاء القرآن لا من كله بواسطة عادات العرب اللغوية . عادات العرب اللغوية لا عادات القرآن الدلالية المنطقية وموقعه الانطولوجي هما الجسر الرابط بين اجزاء القرآن والتراث , الجسر الذي يجمع بينهما. +++++++++++
ان هذا الامر هو الذي يجعلنا نعترض على الانتقاد الذي وجهه الى امثال احمد شلبي الذي كتب في المقارنة بين الاديان ورأى ان دورها الاستدلال على فضل الاسلام على غيره . ادعى يوسف زيدان ان الحياد ضروري  وممكن ومتحقق عند غير شلبي وان المقارنة العلمية لا تقوم الا بابعاد العقائد الشخصية عنها .قال {وهل يرى غير المسلم الاسلام الا كما يرى المسلم الديانات غير الاسلامية} ص27. هذا سليم في عمومه . لكنه ينسى امرين:
الاول انه بانحيازه الى تفاسير اهل الظاهر وتفاسير العامة  وعادات العرب اللغوية يخرج عن الحياد لان تلك التفاسير قائمة على اعتقادات في امر القرآن وحقيقته وعلى الغائه والاخذ باجزائه
الثاني انه لا يترتب على صراحة شلبي في ابداء اعتقاداته القول بعلمية قول من يخفي اعتقاداته او جواز القول بانفصال الناظر عن اعتقاداته او القول بان هناك حالة يخلو فيها الناظر من اعتقادات دينية. لماذا ؟ لان في القول بانفصال الدارس عن اعتقاده في الموضوع المدروس وعن كل اعتقاد يتنافى مع مبدإ عدم التناقض ومبدإ الثالث المرفوع المشتق منه . الدارس لا يستطيع ان يخرج عن احد الحالتين : التصديق او التكذيب فان قال بجواز ان يدرس فلا يكون مصدقا ولا مكذبا اصطدم بمبدإ الثالث المرفوع .
 نزعم ان الانفصال عن العقائد الشخصية في موضوع الاديان غير ممكن لان عقائد الاديان عن البداية والنهاية والكون والعدم مما لا يمكن الانفصال عنه لانه جزء من الشخصية فان زال زالت . الفرق بين من يعلن عقائده الشخصية كاحمد شلبي ومن لا يعلنها كيوسف زيدان هو الاخفاء والاظهار . وقد تبين مما تقدم ان يوسف زيدان تابع للمذهب الظاهري في خصوص اجزاء القرآن ومعناها وتعطيل كله وهويته ومضيف من عنده احكاما لا يقول بها اهل الظاهر كترادف الاديان وامور اخرى اتينا عليها في فصول هذه الكلمة . ان مواقف اهل الظاهر التفسيرية تجعل منه اجزاء نص متارخن اي خاضعا للمواضعات القائمة بين المتكلمين البشريين او الماديين الشخصيين في التاريخ كالشعر والادب ولا تعترف بهوية نصية له . هو نص تضبط اجزاءه عندهم  الاحكام النحوية والبلاغية والمنطقية  التي تضبط كلام العرب وكلام كل ناطق في التاريخ اي كل ناطق خاضع للزمان والمكان عابر يحيا ويموت ويعلم ويجهل . ليس للقرآن وضع انطولوجي خاص عند اهل الظاهر وعند يوسف زيدان . نعم يعترفون للقرآن بالقدم اي بالوضع الانطولوجي الخاص في المستوى الكلامي لكنهم ينسون ذلك في التفسير. لا نعرف قول يوسف زيدان الكلامي في القرآن اي رايه في الوضع الانطولوجي له بصراحة . ولكن بالنظر الى قبوله لتفاسير اللغويين والنحاة واهل الظاهر على العموم القائمة على انكار الهوية القرآنية وعلى الاشتغال بالاجزاء وعلى انكار اللغة القرآنية واستقلالها وعلى الحكم بتبعيتها  للغة الشعراء والعرب الجاهليين ومن بعدهم الى ابراهيم بن هرمة فهو بالنسبة اليه مجرد نص تاريخي لا يتميز بحكم خاص .

احمد العلوي 
دكتور من جامعة باريز  سنة1970 
دكتور من جامعة ليون سنة 1985 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved