الخميس : 4 / 9 / 2008
1 - شيخة الشيخة
"لقد رأيت وهو في بطني، أنه خرج مني نور، أضاءت له قصور الشام"
(آمنة بنت وهب)
قالت شيخة: "أنا رايحة النبي".
وجلست بجواري، لا يفصلها عن شباك الطائرة العملاقة، إلا جسمي. طفلة في الرابعة، سمراء، وجهها يضحك من دون أن تضحك، متحركة حتى وهي تجلس على كرسي مربوطة إليه بحزام.
قلت: "اسمك؟.. يا شيخة؟".
ردت مندهشة: "شيخة. أنت ما تعرف شيخة؟" ابتسمت، ورأيت أباها، وقربه أمها، ثم ثلاثاً من اخواتها، وشقيقاً آخر، واختين أخريين ايضاً جلستا في المقعد الذي يسبق مقعدي في الطائرة.
قال أبوها: شيخة تحب النبي. تقول: "بوي، ودني النبي". وابتسم الأربعيني راضياً، ثم أشار وقال: كلهن بناتي: وهذا ابني الوحيد محمد.
- أناديك، أبا محمد؟!
أجاب أبو محمد: كما تشاء، قل: أبا شيخة.
الطائرة الآن على ارتفاع 30 ألف قدم، فوقنا سماء وتحتنا بحر، ونحن بين الأمل والرجاء. فجأة افتكرت أن الطائرة العملاقة واقفة، بل مثل فرس صافنة، والهدوء يحيط بنا من الجوانب كلها، والمضيفات المحتشمات حولنا، وشيخة تبدو ساهمة ومتوترة بعض الشيء.
- "بنطيح بالماي؟".
قلت: شيخة، نحن في طريقنا الى محمد عليه الصلاة والسلام، وفي حماية رب محمد.
ابتسمت شيخة، وربما فهمت بعضاً من كلامي، فألقت ذراعيها حول رقبتي، وقالت: جدي. سولف لي.
يا شيخة، حين ولدت آمنة محمداً، فإنه خرج منها معتمداً على يديه، رافعاً رأسه الى السماء، كأنه يخطب: أو يخاطب.
ندّت من شيخة آهة: ياه!
يا شيخة، لما ضرب المخاض آمنة، قالت: "جعلت أنظر الى النجوم تتدلى حتى قلت لتقعن علي، فلما وضعته خرج منها نور أضاء له البيت والدار، حتى صرت لا أرى إلا نوراً".
شهقت شيخة: الله، الله! ثم قالت: النبي حلو.
قلت: "هو أحلى من القمر في ليلة البدر".
تدخل أبو شيخة، الذي رأيته ونحن نقرئ الرسول التحية والسلام عند مثواه، وقال: شيخة فضولية.
قلت: يا ليت بعض كبارنا عندهم فضولها نفسه.
قال: قرأت عن أنس بن مالك قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشجع الناس وأحسن الناس، وأجود الناس، ما مسست بيدي ديباجاً، ولا حريراً، ولا خزاً ألين من كف رسول الله".
سرى سحر الكلام الى الطائرة العملاقة، فكنا نحس بها تسير على رغوة مزبدة، لا اهتزاز فيها ابداً. سلام في سلام في سلام.
قالت شيخة: جدي، جدي، شفت النور!
وغمرني السلام.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma@juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com
juma1945@gmail.com