رحلة المدينة
2- محمد المصري
الجمعة : 5 / 9 / 2008
"وكان أبوبكر رجلاً وسيماً، مألفاً لقومه محسبا سهلاً،
وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها،
وبما كان فيها من خير وشر".
(حياة محمد - محمد حسين هيكل)
بيتك وبيت مثواه أفتار.
ثم رجل ينظم مسير الناس: بحر متلاطم من المحبة والأحباب، كل يريد أن يخترق تلك المشبكات، ليرى ما بعدها ولكن، هيهات، فهناك من يقف، ويقول: سر، يا حاج!
انتبذ الفقير السعيد مكاناً قصياً، وكان يخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، بقلبه وبلسان شوقي: أبا الزهراء، قد جاوزت قدري بمدحك!
وسمع وجيب قلبه، مثل آلة ضخمة.
وعلى مبعدة قصيرة جداً، ثمة مثوى أبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما.
وفي مكان آخر، مكان بعيد جداً، هناك حيث العراق، يوجد مثوى ابن عمه، الإمام علي، رضي الله عنه.
وقف الفقير السعيد في تلك البقعة من الروضة، يسمع وجيب قلبه، ويصل إليه هفيف تنفس المعتمرين، هنا الصمت مطبق. دموع تبلل الوجوه، وأبصار مصوبة نحو ذلك الشباك، لكن بعضنا يفيض به الشوق.
قال المصري؛ جاره في الزيارة يخاطب النبي: "يا نبي الله، صلى عليك الله وسلم، ثم ثنى بالصلاة والسلام على آلك وصحبك الأطهار، نسأل ربك فينا الوحدة والتراحم".
ثم صمت، عرفت أنه مصري من لهجته.
وفي تلك الأيام، حين كانت الكلمة تعادل ثقل الجبال كان أبوبكر بن أبي قحافة التيمي صديقاً حميماً لمحمد، يستريح إليه ويعرف فيه النزاهة والأمانة والصدق، لذلك كان هو أول من دعاه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان، وأول من أفضى إليه بما رأى وبما أوحي إليه ولم يتردد أبوبكر.
بعدما سلمنا على الخليفتين الراشدين، أمسك المصري بكفي اليمنى، وقال: عندي لك شيء.
في الطريق المفضي إلى صحن المسجد النبوي تذكرت الفتى علياً بن أبي طالب، في تلك الأيام، حين كانت الكلمة تعادل ثقل الجبال: "وتلا محمد ما تيسر من القرآن، فأخذ علي عن نفسه، وسحره جمال الآيات وإعجازها، واستمهل ابن عمه حتى يشاور أباه، ثم قضى ليله مضطرباً، حتى إذا أصبح أعلن إليه أنه تبعهما من غير حاجة لرأي أبي طالب، وقال: "لقد خلقني الله من غير أن يشاور أبا طالب، فما حاجتي أنا إلى مشاورته لأعبد الله".
هدأت النفس المطمئنة بعدما استعادت فقرات من كتاب: "حياة محمد"، بينما كان الرجل المصري، يفتح صرة بين أيدينا، قائلاً: تفضل، هذا ما قسمه الله لنا.
رأيت أربعة أرغفة من خبز المدينة، وتفاحتين.
قال المصري: رغيفان وتفاحة لك، ولي مثلها، ثم نطق بحلو الكلام، اسمي محمد الاسكندراني.
عاشت الأسامي؛ قلت: ثم التفت إلى نفسي، لكن المصري غاب فجأة.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma@juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com
juma1945@gmail.com