الاربعاء ؛ 20 / 8 / 2008
"انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة"
(حنا مينة)
نتعامل مع بعض موتانا - والتاريخ الأقرب شاهد علينا - بطريقة، بل قل بطرق، تسيء الى الراحل العزيز. ولو أتيح لنا ان نراه كما فعل الكاتب المسرحي الايطالي لويجو بيرانديلو، في مسرحيته ذائعة الصيت: "6 شخصيات تبحث عن مؤلف".
أقول لو أتيح لنا رؤية ذلك الراحل العزيز، وهو ينظر الى احتفالاتنا، وكلماتنا التأبينية، واختلاط من يعرف بمن لا يعرف، لعرفنا الصدق الذي تحدث به إلينا، قبل موته، الروائي السوري حنا مينة.
نشر حنا مينة قبل يومين، وصيته في عدد من وسائل الاعلام العربية، وهو في الرابعة والثمانين من عمره، فطلب "ألا يذاع خبر وفاته في أي وسيلة إعلامية، ويحمل نعشه 4 موظفين من دائرة دفن الموتى، وليس أي أحد من معارفه".
وتابع "أبو سليم" وصيته: "بعد إهالة التراب علي، في أي قبر متاح، ينفض الجميع أيديهم، ويعودون الى بيوتهم فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة".
وكتب الروائي المميز: "إن الذي سيقال بعد موتي سمعته في حياتي. وهذه التأبينات، وكما جرت العادة منكرة، منفرة ومسيئة إلي.. استغيث بكم جميعاً أن تريحوا عظامي منها".
حدث ذات يوم، أن أقيم أسبوع استذكاري للروائي اليوناني نيكوس كزانتزاكيس، فتحدثت مجموعة من الدبلوماسيين والكتّاب والاعلاميين، "في شأن هذا اليوناني"، فإذا بي أستمع الى حديث عن رجل آخر تماماً: جرى تقديمه وفقاً لثقافة التعالي والاستغفال.
حدث هذا في بدايات عقد ثمانينات القرن الماضي.
وبعد نكسة يونيو/حزيران ،1967 وفد المفكر الفرنسي جان بول سارتر الى القاهرة، حيث جرى له استقبال حافل، يشبه الى حد بعيد، احتفالاتنا ببعض موتانا من الأدباء والكتّاب، فأغدقت عليه الأوصاف، وانهمرت عليه الألقاب من المحتفلين به.
يتذكر بعض أبناء جيلنا في حينه، أن سارتر تحدث الى سكرتيره الخاص الذي كان يجيد الانجليزية: "إنهم يتحدثون عن رجل آخر".
نعم، رجل آخر هذا هو ما يتحدث عنه الأصدقاء والمعارف والمجهولون وكتاب السرعة، وشعراء المناسبات، وخطباء المنابر، بعد موت أحد أدبائنا.
وهذه "عادة منفرة، منكرة، ومسيئة إليّ" كما قال "أبو سليم".
لم يزل في الجعبة ما يُرمى، أبا سليم. وأنت رأيت، فسددت، فرميت في حياتك، كما أنت في تحولاتك المقبلة
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma@juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com