تشهد العشرة الأخيرة من شهر رمضان، مناسبات دينية هامة تقتضي الإحتفاء بها وإبراز أهميتها، ففيها ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن الكريم التي تُقام فيها الإحتفالات البهيجة والتي تلقى فيها الخطبُ والأشعار . والمناسبة الأخرى هي جرح فمقتل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، في بداية العشرة الأخيرة . وهي مناسبة حزن عظيمة لدى المسلمين وخاصة أتباعه من محبي آل البيت، حيث تلقى روائع القصائد وتقام مجالس العزاء، وتؤم الوفود الإسلامية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي النجف لزيارة مقامه الشريف .
وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان، تشهد الاسواق نشاطا كبيرا لشراء ما يلزم إعداده للعيد من مآكل وملابس.. ولعل مراقبة هلال العيد هي الأخرى لا تقل أهمية عن مراقبة هلال شهر رمضان . وقد احتفى الشعراء بالهلالين كل على طريقته وهواه ! ولعل وصف الشاعر الأندلسي عبد الجبار بن أبي بكر الصقلي ابن حمديس ( 447 - 527هـ/1055 - 1133 ) الهلال واشرئباب الناس وتشوقهم لرؤيته من أجمل الأشعار خفة ورشاقة :
قلت والناس يرقبون هلالا***يُشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضان *** خط بالنور للورى أول اسمه
بينما نجد أن شاعراً محبا للدنيا ولذاتها، نائيا بنفسه عن الدين والعبادة منقبضاً أشد مايكون الانقباض لانفطامه عن الشراب طيلة شهر كامل عن كؤوس مترعات الفها في عادي الأيام ولا يستطيع عنها فكاكا، فاسمعوا ابن رشيق القيرواني ( 360-456ه ) :
لاح لي حاجب الهلال عشيا *** فتمنيت أنه من سحابِ
قلت أهلا وليس أهلا لما قلت *** ولكن أسمعتها أحبابي
مظهراً حبه وعندي بغض *** يعدو الكؤوس والأكواب
وقد ملّ الشاعر المعاقر للخمر أبو نواس ( 145- 199ه ) من شهر وجده ثقيل ظل وتشوّق لشهور الإفطار ليتمتع بمعشوقته الصهباء وما يرافقها من مجون :
أيا شهرُ كم تبقى مرضنا ومللناكَ
إذا ما ذُكر الحمد لشوّال ذممناك
فيا ليتك قد بِنتَ وما نطمع في ذاك
ولو أمكن ان يقتل شهرٌ لقتلناك
أما الشاعر ابن الرومي ( 221-283ه ) فهو يعلن علاقة سيئة بشهر الصوم بجرأته المعهودة فيه، فهو لا يطيق حر بغداد إذا صادف شهر الصيام في آب :
شهر الصيامِ مباركٌ *** مالم يكن في شهر آبْ
خفت العذابَ فصمتُه *** فوقعتُ في نفس العذابْ
وعلى نفس الخطى سار الشاعر الطغرائي ( 455-513ه )، الذي رحب بالهلال المنجل الذي حصد شهر الصيام :
قوموا الى لذاتكم يانيامْ *** وأترعوا الكاس بصفو المدامْ
، هذا هلال العيد قد جاءكم *** بمنجل يحصد شهر الصيامْ
وعودة لابن الرومي صاحب المصورات الشعرية الرائعة، فلا يفوته أن يرسم المفارقة بين الهلالين بخفة دم تميز بها وهو المولع بوصف الأكل والشربِ :
ولما انقضى شهر الصيام بفضله *** تجلى هلال العيد من جانب الغربِ
محاجبُ شيخٍ شاب من طول عمره *** يشير لنا بالرمز للأكل والشربِ
وابن المعتز ( 247-296ه ) الشاعر المترف وهو الخليفة ليوم وليلة، فهو لايكترث لما يجلبه العيد من غذاء وكساء، إنما يصف العيد لذاته، منصرفا الى التصوير البلاغي المحض :
أهلا بفطر قد أضاء هلاله ***فالآن فاعدُ على الصحاب وبكِّرِ
وانظر اليه كزورق من فضة *** قد أثقلته حمولة من عنبرِ
وقال شاعر مجهول :
قل لشهر الصيام أنحلت جسمي *** إن ميقاتنا طلوع الهلالِ
اجهد الآن كل جهدك فينا *** سترى ما يكون في شوّالِ
أما المتنبي ( 303 – 354ه ) فهو شاعر التهاني بالعيد بلا منازع ومعظم تهانيه الى سيف الدوله الحمداني، وهذه واحدة من تهانيه له في عيد الفطر:
الصوم والفطر والأعياد والعُصُر *** منيرة بك حتى الشمس والقمرُ
، وله أيضا:
لكل امرىء من دهره ما تعودا *** وعادات سيف الدولة الفتك بالعدا
وللشاعر الأندلسي الزاهد أبي إسحاق الألبيري ( ت460ه ) أبيات مائزة في الزهادة ةالعبادة، فهو لا يهفو الى اللذائذ إنما حسبه رضا الله الذي ليس دونه رضى :
ما عيُدك الفخمُ الا يوم يُغفر لك *** لا أن تجربه مستكبر حِللكْ
كم من جديد ثياب دينه خلق *** تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مرقع الأطمار ذي ورع***بكت عليه السما والأرض حين هلك
أما الشاعر أحمد شوقي ( 1868- 1932م )، فلا يترددعن فرحته بالعيد، لا للعيد ذاته، إنما شوقا لمعشوقته التي فارقها مضطراً شهراً، وقد فهمت هذه القصيدة خطأً بفعل الفهم الدارج للفعل "ولّى" الذي هو فعل زاجر في حين معناه ذهب، ولا تخلو القصيدة من مفهوم أخلاقي ديني سام :
رمضان ولى هاتها ياساقي *** مشتاقةً تسعى الى مشتاق
ماكان أكثره على أُلّافِها *** وأقلًّه في طاعةِ الخلّاقِ
اللهُ غفّارُ الذنوبِ جميعِها *** إن كان ثمّ من الذنوبِ بواقِ
بالأمسِ قد كُنّا سجيني طاعةٍ *** واليوم منَّ العيدُ بالإطلاقِ
وما أظن أحد منا لم ترتبط ذاكرته بالاغاني التي اعتيد سماعها في ليلة العيد وأشهرها أغنية كوكب الشرق :
ياليلة العيد أنستينا وجددت الوفا لينا ياليلة العيد
أو ذو الصوت الدافيء عوض دوخي وهو يصدح بصوت السهارى...سقيا ورعيا لذلك الزمن الجميل!!
ملاحظة:
ونظرا لكثرة الإستشهاد بمطلع قصيدة أبي محسد وقد كان في حالة نفسية مزرية في ضيافة كافور: "عيد باية حال عدت ياعيد.." آثرت أن أجول مع القاريء الكريم هذه الجوله كبطاقة تهنئة بالعيد! كل عام وأنتم بخير.