راتب الزوجة.. استقلال أم إذلال؟

2009-11-15
عمل ا//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/07e9f0ef-0f15-490a-bbf7-bc54ca881f0a.jpeg لمرأة من أولى وأهم دعائم تحررها واستقلالها الاقتصادي، وبالتالي تقدّم المجتمع وتطوره. وانطلاقاً من ذلك جاهدت وتجاهد معظم النساء لأجل العلم والعمل، تساعدها في ذلك التشريعات والقوانين ذات الصلة.
ولا يمكننا أن نغفل ما لهذا العمل من مردود مادي ومعنوي انعكس على المرأة وعلى محيطها الأسري، لكنه في الوقت ذاته اتخذ اتجاهاً سلبياً لجهة علاقتها بالرجل- الزوج- في بعض الأحيان والحالات. فمن جهة صار عمل المرأة جواز عبور لزواجها، إذ إن الوضع الاقتصادي المتردي الذي لا يمكن لعمل الرجل منفرداً تغطيته، قد فرض على هذا الرجل البحث عن زوجة موظفة تساعده في تحمّل أعباء الأسرة والحياة.
ومن جهة أخرى يكون عمل المرأة مصدر تعبٍ وإذلالٍ لها ولإنسانيتها عندما لا يرى فيها الرجل إلاّ ورقة اعتماد مصرفية فقط، متجاهلاً ما تعانيه من متاعب جسدية ونفسية تُفضي بها إلى الاكتئاب في كثير من الأحيان، عندما تجد نفسها محاصرة ما بين أمومتها وأنوثتها من جهة، وعملها ومسؤولياتها كربة أسرة من جهة أخرى. فهي تنوء تحت كلكل تلك الأعباء دون نظرة احترام أو حنان من الرجل، أو حتى تعامل إنساني ينسيها أو يخفف من تعبها وهمومها اليومية.
يفرحنا كثيراً أن يفتش الشاب عن زوجة موظفة أو عاملة، حتى لو كان الدافع مادياً بحتاً، لأنه بداية اعتراف بحقها في العمل، وأنها شريكته في إدارة مسؤوليات الأسرة، وهذا هو الأهم باعتباره خطوة ضرورية لتغيير قناعة المجتمع والرجل بأهمية عمل المرأة.
تهديد بالطلاق
لكن أن تكون نواياه فقط محصورة بما تقدمه له من اعتمادات شهرية فهذا ما هو مرفوض، لأنه يُلغي العلاقة الإنسانية في تلك الشراكة الزوجية ويحيلها إلى علاقة مادية بحتة تقتل مشاعر المرأة وعواطفها وتقلل من جدوى عملها ودورها في الحياة. وفي الوقت ذاته يكون راتبها مصدر قلق ورعب حقيقي يهدد استمرار العلاقة كما يهدد أركان الأسرة، لاسيما إذا عرفنا أن وجودها في حياة هذا الرجل دون راتبها لا يساوي شيئاً، خصوصاً إذا رفضت استيلاءه على تعبها وجهدها من خلال الراتب، إضافة إلى رفضها مقايضته لها أو تخييرها ما بين أن تعطيه راتبها أو طلاقها. وهذا للأسف ما يتعرض له كثير من النساء، ونوال واحدة منهن.
استنزاف.. حتى آخر قطرة!
تخرجت نوال من المعهد الطبي وعملت في أحد المشافي، وبالطبع كان عمرها عند ذلك قد تجاوز العشرين، ولأنها من أسرة ميسورة الحال، فقد كان راتبها ملكاً لها بالكامل، وبالتالي كان لها رصيد في المصرف، إضافة إلى بعض المصاغ الذهبي، حالها حال معظم الفتيات العاملات اللواتي لا تحتاج العائلة إلى رواتبهن.
ولهذا كانت هدفاً لأحدهم الذي خطط للزواج منها طمعاً في كل هذا مع أنها قاربت الخامسة والعشرين من عمرها، أي في مثل سنّه، إذ تغاضى عن تلك المسألة التي ترفضها أعراف بيئته التي اعتبرتها عانساً وفوق ذلك لا تتمتع بجمال فائق. ولأنها ككل الفتيات تحلم بالزواج والاستقرار والعائلة وافقت على الزواج منه دون أن تعلم أن راتبها ورصيدها ومصاغها هي الدافع وراء هذا الزواج، فقط لأجل أن لا تصل إلى مرحلة العنوسة كما يسميها المجتمع.
بدايةً استولى على كل رصيدها بحجة إعادة ترميم بيت الأسرة (فهي تسكن مع أهل الزوج)، إضافة إلى اقتراضها على راتبها لأجل تجهيز هذا البيت. وتمّ الزواج، وأنجبت أول طفلة بعد عام على زواجها، وطبعاً بقي هذا الزوج المحترم يضغط عليها بين الحين والآخر بحجة إقامة مشاريع لأجل تحسين وضعهما الأسري لكي تبيع بعض مصاغها وإلاّ.... ولم يكن بإمكانها إلاّ أن ترضخ له حتى لا تهدم حياتها وبيتها، لاسيما في ظل وجود طفلة مازالت بحاجة إلى وجود الأبوين معاً... مع معرفتها أنه يبتزّها فقط، فهو لم يكمل أو بالأحرى لم يقدم على أيّ من مشروعاته المطروحة.
وعندما شارف مخزونها الذهبي على النفاد بدأ سلسلة الضغوط والتعذيب التي يعتقد هو وأهله أنها كفيلة بالمزيد من استنزاف راتبها، مع أنها رُزِقت بطفلة أخرى بناءً على رغبته هو. ولا يمكننا ذكر كل حالات الضغط والتعذيب التي مارسها عليها لأنها تحتاج إلى ملفٍ كامل. وكان أهلها في كل مرّة تعود فيها إليه يضعون عليه شروطاً قاسية توخيّاً لتجنيبها العديد من المتاعب التي تهدد استمرار الحياة بينهما.
لكن أفظع حالة أوصلها إليها كانت يوم تركها وحيدة في طريق صحراوي يؤدي بهما إلى قرية أهلها، وذلك إمعاناً في إذلالها. فما كان منها إلاّ أن اتصلت بأهلها فحضروا لاصطحابها إليهم وبقيت عندهم مدة شهرين، عاد بعدهما وحاول إرجاعها إلى البيت من أجل الطفلتين ومن أجل المزيد من ابتزازها الذي وصل مؤخراً إلى حدّ طلب مرتبها بالكامل، بعد إعطائها مبلغاً زهيداً كمصروف لها لا يتجاوز الخمسمئة ليرة سورية.
فماذا تتوقعون منها...؟ لقد وافقت على طلبه من أجل بقاء طفلتيها في حضنها، لأنه في كل مرّة كان يأخذهما منها بتأييد من أهله، عدا دفع الصغيرتين إلى سلوكيات فيها عدم احترام للأم.
ليست وحيدة
لا أعتقد أن الحالة المذكورة حالة نادرة في المجتمع الذي يعجُّ بأكثر من نوال وهيفاء وفاطمة... والكل يقف مكتوف اليدين، إذا لم يكن داعماً للرجل، من أجل ألاّ تتفكك الأسرة، وأولهم أهل الزوجة خشية تسمية مطلّقة.
فهل بقي من أثر إيجابي لتحرر المرأة الاقتصادي في ظل وضع كهذا...؟
بالتأكيد نحن لا ندعو إلى رفض عمل المرأة، بالعكس، ولكن في مثل هذه الحالات من المسؤول عن مثل هذا التعامل مع المرأة أولاً، ومع عملها ثانياً الذي يفترض أن تجد مقابله تقديراً وتثميناً لجهودها المبذولة داخل البيت وخارجه على حدٍّ سواء، لاسيما عندما تكون أمّاً وزوجة؟!
لا شك أن الذهنية المجتمعية والعقلية الذكورية التي ترى في المرأة عموماً، والزوجة خصوصاً، ملكاً للرجل بكل أبعاد هذه الملكية بدءاً من حياتها وحريتها وليس انتهاءً براتبها وعملها، هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن مثل هذه الحالات، وتأتي المرأة لاحقاً عندما تستكين لهذه المعاملة خشية تفكك الأسرة أولاً، ورهاب كلمة مطلّقة ثانياً.

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved