في الشمال الأوربي، وفي اسكندنافيا تحديداً يحتفل الناس في مقدم الربيع وفي منتصف الصيف، ويعتدل الجو وتنقشع آخر بلورات الثلج وتتكشف الطبيعة عن قشيبة خضراء مزهرة.. ويتعدى الأمر ذلك إلى اعتدال مزاج الناس، حيث تبدو الوجوه أكثر بشاشة بعد أن غشاها عبوس الشتاء، ويبدو الناس أكثر استعداداً للحديث وتكشف الحسناوات عن مفاتنهن بخلع المعاطف وتزاح الملابس الثقيلة.. وتتوثق العلاقة مع الطبيعة حيث تجمع الزهور وأكثرها شعبية زهرة الوادي العبقة !
في البيت تزاح الستائر ويُمسح الزجاج وتفتح النوافذ لهواء عبق، ويبدأ الناس بتجديد الأصص في الشرفات لتُرى ألوان الزهور . وفي الحدائق تجدد التربة وتُسمد .. ويجلس الناس في الأماسي يشربون السوائل السائغة وتبدأ احتفالات الشي (باربكيو).. ثم تسمع الموسيقى والغناء !
من منّا لا يتذكر " دورة السنة" في الربيع، أو عطلة عيد الشجرة، حيث يخرج الناس الى الطبيعة يوم كانت خضراء نظيفة جداً، وكان الناس يرقصون وترى الدبكة العربية على حلقات والناس يدبكون ويهزجون ! وأجمل الطقوس كانت تنظيف سطوح البيوت وغسلها ونصب الأسرة، فالنوم في السطوح صحة وعافية وبهجة .. فلا غباراً برتقالياً وإنما نسائم الصباح التي أجمل من عبّر عنها الشاعر الراحل توّا مظفر النواب بعبارته الشعرية : جفّلني برد الصبح وتلجلج الليره !
أنهض وأنا في عز النوم قبل الفجر على صوت عندليب، يلازم شباك غرفة نومي، وفي أعلى ذؤابة لشجرة صنوبر من الغابة المجاورة، يبدأ ينشد وبلوعة وبأجمل التقاسيم الملتاعة صعوداً ونزولاً بحثا عن حبيب هجر أو أنيس ضل وتقطعت به السبل ! وأحاول أن أترجم معنى اللحن الآسر وأخرج بنتيجة فحواها أنه في أول بلوغه وأنه يبحث عن حبيب ! وأتمنى شخصيا أن لا يجد حبيباً أو خِلاً أو أنيساً كي لا ينغمر في الحب ويلهو مع الحبيب وعندئذ يصمت !!
اليوم خرجت أتمشى صباحاً فأمضيت ساعات أتمتع بالجو وبالشمس وبرائحة الغابة، الزنابق البيض منشرة، وكذلك أختها الزنابق الزرق، وكلتاهما من المحميات التي لا يجوز قطفها، حيث تضاءلت أعدادها ذات مرّة، في سالف الزمن وصدر قانون بتجريم قطفها فرجعت تتكاثر وتلوِّن الأرض مع أزهار الهندباء الصفر الآسرة والتي عندما تذوي تتطاير بذورها في الهواء كالصوف وهي من مسببات الحساسية ! أما أقلها انتشاراً فهي زهرة الجندي السويدي باللون المركب الأزرق والأصفر وهو لون العلم السويدي ! لم أعثر للأسف هذا العام على زنابق الوادي العبقة التي تشبه رائحة القدّاح، أما مناظر أزهار التفاح البيض وأزهار الكرز الملونة (الساكورا) فهي الأجمل ولا تقل عنها جمالاً أزهار اللوز !
اسمع برامج الإذاعة الكلاسيكية البرنامج الثاني فتذيع ما أبدع الموسيقيون العالميون من موسيقى الربيع والصيف والليالي البيض ! احياناً أحسب أن الموسيقى نوع من الغناء تكاد تنطق ولربما تنطق ولايسمعها البشر ولايفهم غناءها سوى الطيور والملائكة !
تحياتي مع اشتياق حقيقي لنوم على السطح في العراق ولو لليلة واحدة !
25 أيار 2022
زهرة الجندي السويدي/ زنابق الوادي